وضعت السعودية التي تحتضن واحدة من أكبر الصحارى في العالم، قضية “استصلاح الأراضي ومكافحة التصحر والجفاف” ضمن أولوياتها الوطنية، وتسعى البلاد من خلال مبادراتها الخضراء إلى تحسين التربة الصحراوية عبر دعم مشاريع تعتمد على “التكنولوجيا الخضراء”، بما في ذلك تطوير منتج مبتكر يمكنه تحويل الرمال إلى تربة خصبة صالحة للزراعة.
وخلال الفترة من الثاني وحتى الـ 13 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تستضيف الرياض مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP-16) والذي يعقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، ووصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه “لحظة حاسمة” في الجهود الدولية لمواجهة الجفاف وزحف التصحر، ومع ذلك يظل التحدي الأكبر أمام الشركات الناشئة في هذا المجال هو تحويل المشاريع التجريبية إلى حلول مستدامة قادرة على مواجهة أزمة المناخ المتصاعدة.
التكنولوجيا الخضراء
وعلى رقعة كبيرة من المؤتمر وفي تقليد جديد، أقامت السعودية منطقة خضراء “بعنوان” بُعد أخضر، تتضمن أجنحة لكل مبادراتها الوطنية والعالمية للاستدامة البيئية، ومنها المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير الذي يقدم أحدث الابتكارات العلمية في مجال الاستدامة البيئية التي تقدمها الحكومة والجامعات السعودية، وكذلك الشركات المحلية والدولية ورواد الأعمال.
من خلال الدمج بين التكنولوجيا المتقدمة والزراعة وإدارة المياه، تخطو السعودية خطوات طموحة لمواجهة أزمة المناخ، مع العمل على تنويع اقتصادها استعداداً لحقبة ما بعد النفط، وهو ما تؤكده جهود استقطاب أحداث التقنيات والابتكارات في تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها والتقليل من الهدر المائي، وتسريع عمليات التنقية عبر أحدث أساليب الترشيح، وكذلك الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عملية التخطيط الحضري ودراسات تشجير المدن والبحوث العلمية في درس التربة ومكافحة التصحر.
ووفقاً لتقرير “تكنولوجيا المناخ في الشرق الأوسط 2023” الصادر عن شركة التدقيق العالمية “برايس ووترهاوس كوبرز”، فإن السعودية تمثل نحو 75 في المئة من استثمارات الشرق الأوسط في الشركات الناشئة بمجال تكنولوجيا المناخ عالمياً.
وتقدم التقنيات الحديثة دراسات ونتائج وافية للتنبوءات المستقبلية حول البيئة المستدامة حال استخدام الابتكارات المتطورة في العناية بالعناصر البيئية، مع الحفاظ على تكامل الأطراف والجهات المسؤولة عن الاستدامة كافة، وكذلك تطبيق البرامج والمبادرات التي تدعم البعد الأخضر وتتوافق مع أهداف الأمم المتحدة الإنمائية.
وفي عام 2023 استحوذ قطاع الطاقة على النصيب الأكبر من الاستثمارات في الشركات الناشئة بإجمال 363 مليون دولار، يليه قطاع الغذاء والزراعة وإدارة الأراضي بـ 39 مليون دولار، بحسب بيانات الشركة “برايس ووترهاوس كوبرز”.
ومن بين المشاريع المبتكرة في هذا المجال محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي طُورت في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تحت إشراف البروفيسورة بيينغ هونغ، إذ تعتمد المحطة على “كائنات حية دقيقة لاهوائية” لتحويل الكربون العضوي إلى غاز الميثان الذي يُجمع كوقود حيوي.
وأوضحت البروفيسورة بيينغ، وفق وكالة الأنباء الفرنسية، أن المياه المفلترة الناتجة من هذه المفاعلات البيولوجية يمكن استخدامها في زراعة الطحالب الدقيقة لتغذية الماشية أو ري النباتات والأشجار كجزء من جهود مكافحة التصحر.
الشرق الأوسط الأخضر
وتستعرض تقنيات التشجير السعودية أحدث الأساليب العلمية والذكاء الاصطناعي لتعزيز شعار “بُعد أخضر”، والإستراتيجية السعودية التي تؤكد دور التنمية الخضراء في الحفاظ على البيئة العالمية عبر مشاريعها ومبادراتها، ومنها “الرياض الخضراء” و”السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”.
وفي إطار “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” تسعى السعودية التي تغطي الرمال 33 في المئة من مساحتها، بما يعادل 635 ألف كيلومتر مربع، إلى زراعة 10 مليارات شجرة لإعادة تأهيل 74 مليون هكتار (740 ألف كيلومتر مربع) من الأراضي واستعادة خضرتها الطبيعية.
وتهدف المبادرة إلى تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وحماية الموائل الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية عبر تشجير مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة وشبه القاحلة، وفقاً للموقع الإلكتروني للمبادرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره أشار وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة أسامة فقيه إلى أن “رؤية السعودية 2030” وضعت إستراتيجيات ومبادرات بيئية شاملة تتضمن إنشاء خمسة مراكز بيئية وصندوقاً للبيئة، وإطلاق مبادرات خضراء تركز على الطاقة والبيئة، مضيفاً أن هذه المبادرات المدعومة بمئات المشاريع ستسهم في تعزيز الاقتصاد وتحقيق الاستدامة البيئية.
وفي حديثه إلى “اندبندنت عربية” أكد فقيه أن جهود السعودية تمتد إلى المستوى الإقليمي عبر “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” التي تضم دولاً من وسط وغرب آسيا، إضافة إلى دول عربية وأفريقية و31 دولة أخرى منها بريطانيا، وتهدف المبادرة إلى تأهيل 200 مليون هكتار (مليونا كيلومتر مربع) من الأراضي في منطقة الشرق الأوسط الأخضر.
تحويل الرمال إلى تربة
وفي إطار تحقيق تلك الطموحات تعد الإدارة الفعالة لموارد المياه والأراضي أمراً أساساً للبلاد الصحراوية ذات الموارد المائية المحدودة، وقد طوّر فريق علمي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) منتجاً يهدف إلى تحويل الرمال إلى تربة.
وقال البروفيسور في علوم وهندسة البيئة هيمانشو ميشرا من مزرعة تجريبية “نحن نحول الرمال إلى تربة”، مضيفاً أن “المنتج قادر على تحويل الأراضي الصحراوية إلى أراض خصبة عبر إثرائها بسماد الدجاج الأمثل، وهو مورد وفير وغير مستغل في السعودية التي تدفن منه ما يقارب 500 ألف طن سنوياً”.
وأضاف “على عكس الأسمدة التي تعتبر عناصر مغذية للنباتات فإن هذا الابتكار يعمل مثل الإسفنج للاحتفاظ بهذه العناصر الغذائية والمياه، مع تعزيز التنوع البيولوجي الميكروبي الضروري لنمو النباتات”، لكن هذه الابتكارات تتطلب تمويلاً كبيراً لنشرها على نطاق واسع، وفق الوكالة الفرنسية.
نداء الأمم المتحدة
في غضون ذلك يواجه النظام البيئي العالمي تهديدات متزايدة بداية من الغابات والأراضي الجافة إلى الأراضي الزراعية والبحيرات، ووفقاً لـ “اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة التصحر” فإن ما يصل إلى 40 في المئة من أراضي الكوكب متدهورة، مما يؤثر بصورة مباشرة في نصف سكان العالم، ويهدد ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي بقيمة 44 تريليون دولار أميركي، وقد زاد تواتر حالات الجفاف 29 في المئة منذ عام 2000، ومن دون اتخاذ إجراءات عاجلة فقد يؤثر الجفاف في أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050.
وتعد استعادة الأراضي ركيزة لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية (2021 – 2030)، وهو نداء عالمي لحماية وإحياء النظم البيئية في جميع أنحاء العالم، بغية تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحسب الأمم المتحدة.
خطر الجفاف
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن 700 مليون شخص معرضون لخطر النزوح نتيجة الجفاف بحلول عام 2030، إذ يُلحق أضراراً بنحو 55 مليون نسمة في العالم كل عام، وهو الأشد خطراً على الماشية والمحاصيل، كما يهدد سبل عيش الناس ويزيد خطر الإصابة بالأمراض والوفيات ويعزز الهجرة الجماعية، كما يؤثر شح المياه كذلك في 40 في المئة من سكان العالم.
“كوب-16”
وانطلق في الرياض أمس الإثنين مؤتمر الأطراف لاتفاق الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب-16) بمشاركة دولية واسعة تهدف إلى مواجهة التحديات المتعلقة بتدهور الأراضي والجفاف، وتتصدر أجندة المؤتمر مبادرات طموحة أبرزها “مبادرة الرياض العالمية لمكافحة الجفاف” لتعزيز التعاون الدولي واستعادة خصوبة الأراضي، ومن بين الفعاليات البارزة قمة “المياه الواحدة” ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء، إضافة إلى المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير الذي ينظمه المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
من جانبه أوضح مؤسس مبادرة “حلقة الطموح” وأحد رواد العمل المناخي البارزين مع الأمم المتحدة في مؤتمر الأطراف “كوب-16” نايجل توبينغ أن “أجندة العمل في الرياض تحدد رؤية تقوم على أهداف طموحة لتسخير الطاقات الجماعية للجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك الشركات والمزارعون والمناطق والمدن والمؤسسات المالية والمستثمرون والمجتمع المدني والشعوب الأصلية”.
وأضاف، “يأمل القائمون على الحدث في أن تؤدي هذه الجهود إلى تحفيز تطوير وتبني الحلول العملية، ودفع التقدم الملموس نحو تحقيق أهداف اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة التصحر”.
ويعد المؤتمر الأول من نوعه في الشرق الأوسط، إذ تسعى السعودية إلى وضع حلول مستدامة لتحديات التصحر والجفاف، وحشد الجهود العالمية لتحقيق تقدم ملموس في هذا المجال وإشراك القطاع ورواد الأعمال في عمليات الاستدامة البيئية.
نقلاً عن : اندبندنت عربية