رسم محللون اقتصاديون السيناريوهات المحتملة لاندلاع حرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين، وسط تصعيد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فرض تعرفات جمركية جديدة، وتحرك الصين لاتخاذ إجراءات مضادة قبل أن يتمكن من تنفيذ تهديداته بهدف الضغط على واشنطن للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وقال اقتصاديون لـ “اندبندنت عربية” إن كل الطرق تؤدي إلى صراع اقتصادي ما بين أميركا والصين، موضحين أن العالم مقبل على اضطرابات بالغة في سلاسل الإمدادات ستكون آثارها كبيرة على التضخم مع موجة جديدة من زيادات الأسعار.

ويدرس ترمب إعلان حال طوارئ اقتصادية وطنية لتوفير مبرر قانوني لسلسلة من الرسوم الجمركية الشاملة على الحلفاء والخصوم، بحسب ما ذكرت شبكة “سي أن أن” الإخبارية الأميركية.

وتعهد ترمب الذي سيُنصب في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) الجاري بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على الواردات العالمية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى رسوم جمركية بـ 60 في المئة على السلع الصينية.

وفي المقابل تسعى بكين إلى جمع أوراق ضغط لبدء محادثات مع الإدارة الأميركية الجديدة حول قضايا خلافية تشمل التجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا، إذ أعلنت الصين الأسبوع الماضي إضافة عشرات الشركات الأميركية إلى قائمتها للرقابة على الصادرات، بهدف “حماية الأمن والمصالح الوطنية”، وفقاً لبيان وزارة التجارة الصينية.

 تعرفات جمركية شاملة

ولا يزال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يدفع باتجاه فرض تعرفات جمركية شاملة على الواردات من الخارج، في حين يعمل مستشاروه التجاريون على صياغة إستراتيجية لترجمة تعهدات حملته إلى سياسات تنفيذية، وفي الجلسات الخاصة لا يزال مساعدو ترمب يركزون على وضع خطط تتوافق بصورة وثيقة مع التعرفات الجمركية الشاملة التي اقترحها ترمب كمرشح (10 في المئة على الواردات من جميع البلدان مع فرض ضريبة بـ 60 في المئة على السلع من الصين) مع الإقرار بأن التعديلات قد تكون ضرورية لاستيعاب الواقع السياسي والاقتصادي، وفقاً لمصادر مطلعة.

ويدرس مساعدو ترمب فرض تعرفات جمركية على مجموعة محددة من الصناعات قبل تطبيق تعرفات جمركية أوسع نطاقاً، على أن يكون الهدف حل مشكلة اختلال التوازن التجاري وتحفيز نشاط التصنيع في الولايات المتحدة.

الموجة الأولى

وبينما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن اختيار حفنة من الصناعات الحيوية لتتحمل الموجة الأولى من التعرفات الجمركية الشاملة، فقد كتب ترمب منشوراً على موقع “تروث سوشيال” أبدى فيه استياءه من التقرير وقال “القصة في صحيفة ‘واشنطن بوست’ التي نقلت عن مصادر مجهولة تنص بصورة غير صحيحة على أن سياسة التعرفات الجمركية الخاصة بي سيجري تقليصها، وهذا خطأ”.

ويدرس كبار المستشارين الاقتصاديين لترمب كيفية المضي قدماً في تطبيق تعهدات ترمب من دون تأثير مُدمر على سوق الأوراق المالية وأسعار المستهلك، وهذا يشبه ما حدث في ولاية ترمب الأولى عندما قاد ستيفن منوشين وجاري كوهين، خريجا “وول ستريت”، وزارة الخزانة والمجلس الاقتصادي الوطني من أجل تخفيف أثر التعرفات الجمركية على الاقتصاد.

وقال صهر الرئيس المنتخب الذي اضطلع بالسياسة الاقتصادية الدولية خلال فترة ولايته الأولى، غاريد كوشنر، إن هناك “مزيداً من العمل الذي يتعين القيام به” في شأن التعرفات الجمركية على الصين.

وأضاف كوشنر في أواخر ديسمبر (كانون الأول ) الماضي عبر بودكاست “استثمر مثل الأفضل” أنه يعتقد أن الرئيس ترمب يريد فقط تكافؤ الفرص، وطالما أننا جميعاً نتنافس على الأرضية نفسها فإن الصناعة الأميركية قادرة على التفوق على بقية العالم”.

أسعار السلع

وفي حال جرى رفع هذه التعرفات الجمركية بالفعل، كما يقول ترمب، فسينعكس ذلك على أسعار السلع في الأسواق الأميركية، لأن من يدفع هذه الرسوم للحكومة الأميركية هي الشركات التي تستورد البضائع وليس المصدرين، وبالتالي فهذه الشركات ستمرر الجزء الأكبر من الكلفة إلى المستهلكين من طريق رفع الأسعار، مما سيعود بمعدلات التضخم للارتفاع من جديد ويقلص قدرة “الفيدرالي الأميركي” على خفض الفائدة كما تتوقع الأسواق.

لماذا تُفرض؟

ومن شأن التعرفات الجمركية أن تزيد قيمة الدولار عالمياً، فالدول تصدر منتجاتها للحصول على الدولار، عملة التجارة العالمية، وفرض تعرفات جمركية سيرفع سعر السلع المستوردة في الولايات المتحدة مما سيخفض الطلب عليها بالتبعية، وبالتالي تتراجع صادرات الدول إلى الولايات المتحدة مما سيؤدي إلى نقص في الدولار وارتفاع سعره، كما أنها ستكون مفيدة في ظل أن ترمب ينوي خفض الضرائب مما سيجعله يلجأ إلى الاستدانة، وسيرفع العائد على السندات الأميركية ويمتص التمويل من دول العالم إلى أقوى اقتصاد في العالم.

وقد يعوض ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى ارتفاع أسعار السلع المستوردة في الولايات المتحدة بالنسبة إلى المستهلك، وفق ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير سابق، لكن التأثير السلبي الأكبر سيكون على الشركات الأميركية التي تصدر منتجاتها إلى العالم بالدولار الذي سيصير أعلى قيمة، مما يخفض تنافسية السلع والخدمات الأميركية في مقابل منتجات المنافسين، كما أن تلك التعرفات الجمركية ستعزز سعي ترمب إلى خفض عجز الميزان التجاري لبلده الذي يميل لمصلحة دول وتكتلات اقتصادية عدة في المعاملات البينية، وهدفه استعادة المصانع التي افتتحت في دول أخرى لاستغلال عوامل الإنتاج الأرخص، فضلاً عن توفير مزيد من فرص العمل في الاقتصاد الأميركي.

ويعني العجز التجاري الأميركي أن الدولة تستورد أكثر مما تصدر، وتظهر الأرقام الرسمية أن عجز الميزان التجاري بلغ 861.4 مليار دولار خلال عام 2021، ونحو 945.3 مليار دولار عام 2022، أما في عام 2023 فبلغ 773.4 مليار دولار.

المتضررون

إلى ذلك حذر صندوق النقد الدولي خلال الشهر الجاري من أن التعرفات الانتقامية المتبادلة قد تعوق آفاق النمو الاقتصادي في آسيا وتؤدي إلى زيادة الكُلف وتعطيل سلاسل الإمداد،  على رغم توقعات الصندوق بأن تظل المنطقة محركاً رئيساً للنمو في الاقتصاد العالمي.

وأشار مدير صندوق النقد لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، كريشنا سرينيفاسان، خلال منتدى حول الأخطار النظامية في مدينة سيبو الفيليبينية إلى أن “التعرفات الانتقامية تهدد بتعطيل آفاق النمو في المنطقة مما يؤدي إلى سلاسل إمداد أطول وأقل كفاءة”.

وتشير توقعات “صندوق النقد” إلى أن هذه التعرفات قد تُعرقل التجارة العالمية وتؤثر سلباً في نمو الدول المصدرة وتزيد معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة.

وتشير التحليلات إلى أن سياسات ترمب في ولايته الثانية قد تترك تأثيرات واسعة النطاق في الاقتصادات العالمية، إذ تبرز المكسيك والصين وأوروبا بوصفها أكثر المناطق تأثراً.

ومن جهة أخرى برزت دعوات إلى تجنب الرد بالمثل على سياسات التعرفات الجمركية والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز التنافسية عبر إصلاحات اقتصادية.

وتبدو الصين هنا في موقع أفضل للتعامل مع هذه التغيرات بفضل تركيزها على الطلب المحلي، وفق ما ذكرت صحيفة “إيكونيميست” في تقرير، في حين يعاني الاتحاد الأوروبي تأخراً في تطوير سوقه الداخلية وتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي.

أجندة عدائية

ويُرجح تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن إدارة ترمب المقبلة ستتبنى أجندة عدائية تجاه الصين، وسيكون دافعها الأول رغبة ترمب في “جعل بكين تدفع ثمن الفوضى التي أحدثها فيروس كورونا في الولايات المتحدة”.

ويقول التقرير إن ترمب في حين كان متفائلاً في شأن مستقبل العلاقات الاقتصادية الأميركية – الصينية عندما أعلن “اتفاق التجارة” في يناير (كانون الثاني) 2020، إلا أن مزاجه تدهور بصورة كبيرة بحلول الصيف عندما كان الفيروس قد انتشر في جميع أنحاء العالم، ونقل التقرير عنه قوله آنذاك لمستشاريه “يمكنني إبرام 100 صفقة تجارية مع الصين ولكنها لن تعوض عن الضرر الذي ألحقته الجائحة باقتصادنا”.

لكن الحرب التجارية التي ينوي ترمب شنها على الصين ستترك آثاراً جانبية في الاقتصاد الأميركي، وبحسب تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” فمن المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات الصينية، تزامناً مع رسوم أخرى بقيمة تراوح ما بين 10 و20 في المئة ينوي ترمب فرضها على صادرات باقي الدول، إلى ارتفاع حاد في نسب التضخم نتيجة الحرمان المفاجئ للسوق من سلع عدة قد لا تجد خطوط الإمداد الأميركية بدائل مباشرة لها.

الشركات الأميركية أكثر المستفيدين

ومن خلال حملة ترمب الرئاسية برزت الشركات الأميركية التي تصنّع محلياً وتلقى منافسة من لاعبين خارجيين في السوق الأميركية كداعمة لترمب، فهي المنتفعة من فرض تعرفات جمركية على السلع المستوردة المنافسة، ونجد في المقابل أن الشركات العابرة للقارات والتي تدعو إلى الانفتاح الاقتصادي مثل عمالقة التكنولوجيا لم تكن من بين داعميه، مما يكشف ضرراً اقتصادياً ستتحمل تبعاته بسبب سياسات الرئيس العائد للبيت الأبيض.

وتفرض الصين تدابير على 28 كياناً أميركياً وتحظر تصدير العناصر ذات الاستخدام المزدوج (مدني وعسكري) لهذه الشركات اعتباراً من التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري، بحسب ما ذكرت صحيفة “غلوبال تايمز”، ووكالة أنباء “شينخوا” الرسمية.

وفرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاع أميركية أخيراً بسبب مبيعات عسكرية لتايوان، الجزيرة ذاتية الحكم التي تدعي الصين ملكيتها، وأضافتها إلى “قائمة الكيانات غير الموثوقة”، وفقاً لوزارة التجارة الصينية وتصريحات وكالة الأنباء الفرنسية، كما أعلنت الشهر الماضي أنها تحقق مع شركة “إنفيديا” الأميركية لصناعة الرقائق بسبب انتهاكات محتملة لقوانين مكافحة الاحتكار في الصين، بعد حظرها تصدير معادن نادرة إلى الولايات المتحدة.

ووفقاً لاستطلاع أجري في سبتمبر (أيلول) الماضي من قبل فرع شنغهاي لغرفة التجارة الأميركية، فإن معنويات الأعمال بين الشركات الأميركية في الصين هي الأدنى منذ عام 1999، وكانت الحرب التجارية اندلعت عام 2018 حينما فرض ترمب تعرفات تصل إلى 25 في المئة على واردات بقيمة 350 مليار دولار من الصين، بما في ذلك الألواح الشمسية والصلب والألومنيوم، وردت بكين بتعرفات جمركية خاصة بها على السلع الأميركية.

أكبر خطر

وفي مذكرة بحثية صدرت أخيراً قالت شركة “تشارلز شواب” المتخصصة في مجال الخدمات المالية، إن الحرب التجارية قد تشكل أكبر خطر على النمو العالمي عام 2025، إذ هدد ترمب بصورة مبدئية بفرض تعرفات جمركية بـ 60 في المئة على جميع الواردات الصينية، وما بين 10 و20 في المئة على الواردات من جميع البلدان الأخرى.

وأشارت المذكرة إلى أنه إذا أخذنا تهديده على محمل الجد فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة التعرفات الجمركية إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من 100 عام.

وأكد بنك “سيتي غروب” أن الخطر الرئيس السلبي سيأتي من التعرفات الجمركية المفرطة، مشيراً في مذكرة بحثية حديثة إلى أنه إذا تحقق فرض تعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة، وتعرفات على الصين بنسبة 60 في المئة، ورسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على كندا والمكسيك، فإن النتائج المترتبة على الاقتصاد ستكون أسوأ بكثير.

تقييم أخطار الحرب التجارية

وأكد “غولدمان ساكس” في مذكرة بحثية أن تقييم أخطار الحرب التجارية الواسعة كان أقل من حجمها، مشيراً إلى أنه إذا قدرت الأسواق أثر تلك الحرب بصورة أكبر فإننا نعتقد أن هذا من شأنه أن يعزز صعود الدولار، لكنه سيزيد الضغوط على الأسهم غير الأميركية ومن ثم على الأسهم الأميركية في نهاية المطاف.

اضطرابات مرتقبة

بدوره أكد وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني السابق ناصر السعيدي خلال تصريحات إلى “اندبندنت عربية”، أن سياسات ترمب التي تتبنى شعار “أميركا أولاً” تمهد الطريق لاضطرابات سلسلة التوريد العالمية والتوترات التجارية مع الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن هذه السياسات ستشكل ضغوطاً على أعضاء الـ “ناتو” لزيادة الإنفاق الدفاعي، ومرجحاً أن يصبح الاقتصاد العالمي عرضة لمزيد من التفتت الجغرافي الاقتصادي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه قال المحلل الاقتصادي محمد كرم إن اشتعال الصراع التجاري مجدداً ما بين الولايات المتحدة والصين يمثل تهديداً للأمن الاقتصادي العالمي، إذ يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في سلاسل الإمداد وتضخم عالمي وتقلبات في الأسواق المالية.

وأضاف كرم أن استمرار فرض التعرفات الجمركية سيؤدي إلى تضخم وتراجع في النمو الاقتصادي مع تأثير سلبي في المستهلكين الأميركيين نتيجة ارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أنه على المدى الطويل يمكن أن تساعد هذه التعرفات في تحفيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الصين، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال تطوير سلاسل إمداد أكثر أماناً واستدامة.

ولفت كرم إلى أن منظمة التجارة العالمية تستطيع أن تلعب دوراً في تخفيف حدة الصراع عبر آليات تسوية النزاعات وتحديث القواعد التجارية وتشجيع الحوار الدولي، لكنها تحتاج إلى إصلاحات هيكلية لتعزيز فاعليتها في مواجهة النزاعات التجارية الكبرى.

مواجهة إستراتيجية

من جهته قال مدير تطوير الأعمال في مؤسسة “آي سي أم كابيتال” المالية وائل حماد إن الصراع التجاري ما بين الولايات المتحدة والصين ليس مجرد نزاع اقتصادي، بل هو جزء من مواجهة إستراتيجية أوسع تشمل التكنولوجيا والأمن القومي والسيطرة على سلاسل الإمداد العالمية.

وأوضح أنه وبالنظر إلى التوترات الحالية والسياسات المتزايدة من كلا الجانبين فإنه يتوقع أن يستمر هذا الصراع وربما يزداد حدة خلال الأعوام المقبلة.

ورجح حماد أن يؤدي هذا الصراع إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية من خلال توجه الشركات نحو تنويع مصادر التوريد وتقليل الاعتماد على الصين، وهو ما يعرف باستراتيجية “China+1″، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تعمل بصورة متزايدة على إعادة التصنيع المحلي وتعزيز الشراكات مع دول مثل الهند وفيتنام لتعويض أية فجوات ناتجة من تقليص الاعتماد على الصين.

ولفت إلى أنه وبالنسبة إلى الصناعات التي ستكون أكثر تأثراً بتداعيات هذا الصراع، فستكون تلك التي تعتمد بصورة كبيرة على الصين في التصنيع أو المواد الأولية، وأبرزها “الصناعات التكنولوجية”، مؤكداً أن القيود المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية مثل “هواوي”، وتقييد وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة، قد يعطلان سلسلة التوريد الخاصة بالرقائق الإلكترونية مما يؤثر في قطاع التكنولوجيا العالمي بأكمله، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والسيارات الكهربائية.

وأفاد حماد بأن من بين تلك القطاعات أيضاً قطاعا السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، إذ إن الصين هي المورد الرئيس للبطاريات والمواد الخام اللازمة للطاقة المتجددة، ولافتاً إلى أن أي قيود تجارية قد تؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد وتباطؤ الانتقال إلى الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وتابع حماد أنه “لا بد من التأكيد أن التفاوض وبناء التحالفات الاقتصادية يمثلان أدوات رئيسة لتخفيف التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين”، مشيراً إلى أنه “إذا وُظفت هذه الإستراتيجيات بصورة صحيحة فيمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي وتقليل تأثير الصراع التجاري في الأسواق الدولية والعالمية”.

أخطار وعزوف

بدوره توقع رئيس قسم البحوث في “إيكويتي غروب العالمية” رائد الخضر أن يؤدي الصراع التجاري ما بين الولايات المتحدة والصين إلى عودة المخاوف المتعلقة بسلاسل التوريد العالمية، وارتفاع حال العزوف عن المخاطرة مع تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم.

وأوضح الخضر أن من بين تأثيرات الصراع على سلاسل الإمدادات العالمية اضطراب سلاسل القيمة العالمية والتي أدت في عهد ترمب السابق إلى اضطرابات حادة في سلاسل التوريد العالمية، بخاصة في المنتجات المتعلقة بالقطاع التكنولوجي، مما تسبب في ارتفاع الكُلف.

وأشار إلى أن القطاع التكنولوجي قد يكون واحداً من أكثر القطاعات التي قد تتأثر بتجدد الصراع التجاري، بخلاف القطاع الصناعي مع تأثر كلا البلدين.

عوامل التصعيد

وأما عن أبرز العوامل التي قد تؤدي إلى تصعيد الصراع التجاري في المستقبل، فأوضح الخضر أنها تتضمن المنافسة التكنولوجية، إذ تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى التفوق في المجال التكنولوجي، سواء في القطاعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أو بصناعة الرقائق الإلكترونية، مشيراً إلى أن توجه الولايات المتحدة نحو تجديد القيود والعقوبات على الصين في ما يخص تلك المجالات قد تكون له آثار سلبية في الاقتصاد العالمي.

وأكد أن من أبرز تلك العوامل السياسات الحمائية، إذ تعتمد سياسات ترمب على الحمائية وفرض رسوم جمركية ليس على الصين وحسب، ولكن على معظم دول العالم لدعم الاقتصاد الأميركي، وليجعل المنتجات الأميركية ذو ميزة تنافسية أكبر.

وذكر الخضر أن تأجيج الصراع التجاري من شأنه أن يتسبب في تعطل سلاسل التوريد وبالتالي ارتفاع كُلف الإنتاج، مما سيتسبب في تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إضافة إلى عودة ارتفاع التضخم مجدداً، مشيراً إلى أن هذا بخلاف الأمر الذي قد يؤدي إلى تقلبات قوية في الأسواق العالمية مع ارتفاع حال العزوف عن المخاطرة.

وأفاد الخضر أن تعطيل سلاسل التوريد وارتفاع كُلف الإنتاج لن يكون ذو تأثير سلبي في الاقتصاد الصيني وحسب، بل قد تمتد تداعياته إلى الاقتصاد العالمي ككل، موضحاً أن استمرار هذا الصراع قد يتسبب في عودة ارتفاع التضخم مما سيوقع كثيراً من الضغوط على “الفيدرالي الأميركي” نحو المضي قدماً في سياسات خفض الفائدة ودعم الاقتصاد الأميركي.

وأشار الخضر إلى أنه مع احتمال تأجيل “الفيدرالي” قرارات خفض الفائدة فقد يسهم هذا في ارتفاع الدولار الأميركي بقوة، بخاصة مع استمرار ارتفاع حال العزوف عن المخاطرة والتوجه إلى الدولار كملاذ آمن، لافتاً إلى أن هذا سيكون بخلاف اتجاه الصين إلى تعرفات على المنتجات الزراعية مثل ما حدث سابقاً، وبالتالي تراجع الصادرات الأميركية إلى الصين وتأثر المزارعين الأميركيين بصورة كبيرة.

ويرى الخضر أن المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية قد تلعب دوراً في السيطرة على هذا النزاع من خلال آلية تسوية المنازعات، موضحاً أن توفير المنظمة منصة قانونية لحل النزاعات التجارية بالمشاورات الثنائية أو تقارير، يعد ملزماً للأطراف المعنية، مرجحاً أن يطول تطبيق مثل تلك القوانين على أرض الواقع إذ قد لا تؤتي ثمارها مثل ما حدث خلال ولاية ترمب السابقة حين استمر النزاع مما أثر في تحركات الأسواق العالمية وارتفاع حال العزوف عن المخاطرة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية