تستعد الشركات البريطانية لمواجهة “تراجع كبير” في النشاط التجاري خلال الأشهر المقبلة، وهو ما قد يهدد مزيداً من الوظائف ويوجه ضربة أخرى لخطط الحكومة لتعزيز النمو الاقتصادي.
ووفقاً لما أعلنه اتحاد الصناعة البريطانية (CBI) هناك تشاؤم واسع النطاق في القطاع الخاص، إذ أظهر أحدث استطلاع لمؤشر النمو أن 22 في المئة صافي من الشركات تتوقع انخفاضاً في إنتاجها بين الآن وأبريل (نيسان) المقبل.
وأشار التقرير إلى أن هذه القراءة لم تشهد تغيراً كبيراً عن ديسمبر (كانون الأول) 2024، الذي كان الأضعف منذ أكثر من عامين، مما يمثل تحدياً جديداً لجهود حزب العمال لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
وصرح نائب كبير الاقتصاديين الموقت في اتحاد الصناعة البريطانية، ألبش باليجا، لصحيفة “التايمز”، “بعد فترة قاتمة سبقت عيد الميلاد، لم يجلب العام الجديد أي شعور بالتجدد، إذ لا تزال الشركات تتوقع تراجعاً كبيراً في النشاط.”
ووفقاً لما ورد في التقرير، فإن الشركات تواجه تحديات متعددة، بما في ذلك ضعف الطلب وحذر المستهلكين، إلى جانب التكيف مع التدابير التي جرى الإعلان عنها في الموازنة الأخيرة.
ويسلط هذا الوضع الاقتصادي المقلق الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في تحقيق استقرار اقتصادي ودعم النمو في ظل الأوضاع العالمية والمحلية الراهنة.
وتسببت موازنة راشيل ريفز الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي تضمنت زيادة إسهامات التأمين الوطني على أصحاب العمل، في توتر العلاقة بين الحكومة والقطاع الصناعي.
وأظهرت الأرقام الرسمية الأسبوع الماضي، أن أصحاب العمل خفضوا أعداد الموظفين بعد الإعلان عن الموازنة، إذ تقلصت الوظائف بوتيرة تعد من الأسرع منذ الأزمة المالية عام 2009.
ويأتي هذا التوجه في ظل استمرار تراجع النشاط في القطاع الخاص خلال الأشهر الثلاثة التي تنتهي في يناير (كانون الثاني) الجاري، إذ شهد انخفاضاً بوتيرة أسرع مقارنة بنهاية العام الماضي، وأشار اتحاد الصناعة البريطانية، إلى أن النشاط ظل راكداً أو في حال انخفاض منذ صيف 2022.
وفي ظل التدهور في الأداء التجاري وتوقعات استمراره، أفادت غالبية الشركات الـ900 التي شملها استطلاع اتحاد الصناعة البريطانية بأنها تتوقع زيادة في الأسعار خلال هذا العام، علاوة على أن نيات التوظيف تظل ضعيفة، مع توقعات بتقليص أعداد الموظفين، لا سيما في الشركات العاملة في الخدمات المهنية والتجارية، وكذلك بين الشركات الموجهة للمستهلكين.
وتزيد هذه التطورات من التحديات التي تواجه الحكومة في تعزيز النمو الاقتصادي، وتثير تساؤلات حول مدى قدرة السياسات الحالية على تحقيق التوازن بين دعم الصناعة وضمان استقرار سوق العمل.
وصرح نائب كبير الاقتصاديين الموقت في اتحاد الصناعة البريطانية ألبش بالغيا، بأن صانعي السياسات يواجهون “مقايضات متزايدة الصعوبة” في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.
تعهدات حزب العمال بالنمو الاقتصادي
من جهتها، كررت وزيرة الخزانة راشيل ريفز التزام حزب العمال تحفيز النمو الاقتصادي، وأعلنت خلال عطلة نهاية الأسبوع عن تعديلات إضافية على نظام التخطيط كجزء من جهودها لمعالجة التحديات الاقتصادية.
وقالت ريفز، “أكافح كل يوم في مهمتنا لإعادة تنشيط الاقتصاد… وجعل حياة الناس العاملين أفضل حالاً”.
وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، إذ تسعى الحكومة لإيجاد حلول للتوترات بين دعم النمو الاقتصادي من جهة، والتعامل مع قيود الموازنة والسياسات التنظيمية من جهة أخرى.
ويشير أحدث استطلاع أجراه اتحاد الصناعة البريطانية، إلى العقبات الكبيرة التي تواجه حزب العمال في سعيه لتحقيق أهداف النمو الاقتصادي التي تعهدها.
في حين كشفت أبحاث منفصلة أن ثقة المستهلكين بلغت أدنى مستوى لها خلال عام، بينما تراجع تفاؤل الشركات إلى أدنى مستوياته منذ عامين. وكانت شركات التجزئة من بين الأكثر تأثراً بتداعيات تغييرات التأمين الوطني الوشيكة، إذ حذرت من أن “ضعف الطلب وعدم اليقين الاقتصادي” أعاق إنفاق المستهلكين قبل عيد الميلاد وبعده.
تحذيرات في شأن الأرباح
وفي ظل ضعف الطلب وارتفاع الكلف، أفادت شركة “إيرنست ويونغ” بأن خمس الشركات المدرجة في بورصة لندن أصدرت تحذيرات في شأن أرباحها العام الماضي. وحذرت الشركة من أن زيادة ضرائب الوظائف ستشكل تحدياً جديداً كبيراً للأرباح خلال العام الحالي.
وتظهر هذه المؤشرات استمرار الضغط على الاقتصاد البريطاني، إذ تجد الشركات صعوبة في موازنة الكلفة المتزايدة مع الطلب المحدود، مما يضع سياسات الحكومة تحت مجهر التقييم، خصوصاً مع تصاعد التوقعات بانخفاض إضافي في النشاط الاقتصادي.
وكتبت وزيرة الخزانة الظل، البارونة نيفيل-رولف، في مقال نشرته الصحيفة اليوم، أن راشيل ريفز في حاجة إلى “استعادة بعض من صدقيتها المفقودة” مع قطاع الأعمال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعت نيفيل-رولف إلى تقديم تنازلات لتخفيف أثر زيادات التأمين الوطني التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في أبريل المقبل. وأكدت أن هذه السياسة قد تؤدي إلى مشكلات للحكومة، قائلة، “إن وزيرة الخزانة تخاطر بإثارة المتاعب من خلال هذه السياسة”.
ويأتي هذا التعليق في وقت تواجه فيه الحكومة ضغوطاً متزايدة من الشركات التي تعبر عن استيائها من السياسات المالية التي ينظر إليها على أنها تثقل كاهل القطاع الخاص وتعوق خطط النمو الاقتصادي.
وتسلط هذه التصريحات الضوء على التحديات التي تواجه ريفز في التوفيق بين الأجندة الحكومية وأولويات قطاع الأعمال، خصوصاً مع اقتراب تطبيق هذه الزيادات المثيرة للجدل.
تشاؤم غير مسبوق في قطاع الخدمات الاستهلاكية
وكشف أحدث استطلاع لمؤشر النمو الصادر عن اتحاد الصناعة البريطانية، أن التشاؤم في قطاع الخدمات الاستهلاكية بلغ أعلى مستوياته منذ سبتمبر (أيلول) 2022، وهو وقت شهد “الموازنة المصغرة”.
وأكد اتحاد الصناعة أن “التشاؤم مشترك على نطاق واسع في القطاع الخاص”، إذ تتوقع الشركات المصنعة والموزعون وشركات الخدمات المهنية والتجارية جميعها انخفاضاً في حجم الأعمال خلال الأشهر المقبلة.
وصرح ألبش بالغيا، نائب كبير الاقتصاديين في اتحاد الصناعة البريطانية، “هناك حاجة ملحة لاستعادة الزخم في الاقتصاد، ومع توقعات بنمو محدود هذا العام وقيود على استثمارات الأعمال، فإن الطريق إلى الأمام يكمن في تعاون الحكومة والشركات لتنفيذ خطة نمو تعيد الثقة وتحفز الاقتصاد على جميع الصعد”.
واقترح بالغيا على الحكومة النظر في إصلاح نظام معدلات الأعمال لتخفيف العبء المالي على الشركات، واقترح تعديل ضريبة التدريب المهني لتحفيز التوظيف وتنمية المهارات، وكذلك توسيع نطاق خدمات الصحة المهنية لدعم العاملين في البقاء ضمن سوق العمل.
وتأتي هذه الدعوات في ظل تصاعد المخاوف في شأن ضعف النشاط الاقتصادي، مما يجعل من الضروري اتخاذ خطوات جادة لتحفيز النمو واستعادة الثقة في السوق.
نقلاً عن : اندبندنت عربية