قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن قادة الصين كثفوا إجراءات الأمن وقمعوا الآراء المخالفة المتعلقة بوضع الاقتصاد في البلاد في مواجهة الارتفاع المستمر في الاستياء الاجتماعي والاضطرابات العامة.
وأضافت الصحيفة أن سلسلة من الهجمات القاتلة في الصين في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك الطعن الجماعي وحوادث دهس السيارات، أثارت قلق المسؤولين والشعب على حد سواء، مما أثار مخاوف من أن النمو المتباطئ قد لعب دوراً في تأجيج الاضطرابات وحتى تفجر العنف، وسط زيادة في الاحتجاجات العامة بسبب المطالب الاقتصادية.
ورداً على ذلك أمر “صانع الأمن” في الحزب الشيوعي الشهر الماضي بإطلاق جهود على مستوى البلاد “لحل النزاعات على المستوى الشعبي وقطعها في مهدها”. وحث المدعي العام الأعلى في الصين المسؤولين على حماية حقوق العمال ذوي الدخل المنخفض والخريجين الباحثين عن وظائف والفئات الضعيفة مثل كبار السن كوسيلة لـ”منع حدوث الحالات المتطرفة بصورة صارمة”.
ووفقاً للصحيفة انتشر المسؤولون في جميع أنحاء البلاد لتفقد الأشخاص الذين عانوا انتكاسات مالية أو عاطفية وتقييم أخطارهم في تعطيل النظام العام، ونشرت السلطات قوات شبه عسكرية للمساعدة في تأمين بعض المدارس في بكين وأماكن أخرى، بعدما ظهرت بعض الهجمات التي بدت أنها تستهدف الطلاب.
وفي الوقت نفسه حذفت رقابة الإنترنت التعليقات الفيروسية التي تناقش ضعف أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية
وفي أحدث اجتماع له هذا الشهر، اعترف المكتب السياسي للحزب بصورة ضمنية بالعلاقة ما بين الصعوبات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية، وطلب من المسؤولين “حماية سبل عيش الناس” بهدف “ضمان الاستقرار العام للمجتمع”.
واليوم توصف التحديات التي يواجهها الرئيس الصيني شي جينبينغ بـ”الكبيرة”، إذ يكافح ملايين الشباب الصينيين اليوم للعثور على وظائف، في وقت يشاهد مالكو المنازل قيم ممتلكاتهم تنخفض، ويقلق آخرون من أن المطورين المثقلين بالديون قد لا يكملون بناء الشقق التي اشتروها، كما أن عديداً من العمال المهاجرين وحتى بعض موظفي الحكومة لم يتقاضوا رواتبهم. أضف إلى كل التحديات السابقة أن بكين تستعد أيضاً لعودة دونالد ترمب المرتقبة إلى البيت الأبيض، إذ من المتوقع أن تؤدي وعود الرئيس المنتخب بفرض تعريفات جمركية ثقيلة إلى زيادة الضغط على الاقتصاد الصيني.
التنمية تواجه تحديات غير مسبوقة
وتشير “وول ستريت جورنال” إلى محاولة الأكاديميون والنشطاء منذ فترة طويلة تتبع الاحتجاجات في الصين كوسيلة لتقييم الاتجاهات الاجتماعية، مضيفة “كانت مثل هذه الاضطرابات تنشأ عادة من قضايا محلية، مثل الأجور غير المدفوعة وعمليات مصادرة الأراضي، فإن المعارضة الأخيرة تعكس أيضاً خيبة الأمل بين عديد من الشباب وطبقة المتوسطة الصينية الذين يواجهون آفاقاً اقتصادية أكثر كآبة”، بحسب ما قال الأستاذ في جامعة فيينا الذي يدرس العلاقات ما بين الدولة والمجتمع في الصين كريستيان غوبل.
وأضاف غوبل، “إذا كان الحزب لا يستطيع حماية شعبه ولا يمكنه جعل الاقتصاد ينمو، وهذان هما الأمران اللذان وضع عليهما شرعيته، فهناك مشكلة بالنسبة إلى الحزب”، لافتاً إلى أن “أخطار الانزلاق الاجتماعي قد تؤدي أيضاً إلى تعقيد جهود جينبينغ لتعزيز قدرة الأمة على الصمود في مواجهة التوترات المستمرة مع الغرب”.
من جانبه قال نائب رئيس جامعة المالية والاقتصاد المركزية في بكين لي تشنغ في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خلال مؤتمر أكاديمي تناول الروابط ما بين الاقتصاد وأخطار الاضطرابات الاجتماعية، “يجب أن نتمسك بصورة حازمة بخط النهاية للتنمية الآمنة”، مضيفة أن “تنمية الصين تواجه تحديات غير مسبوقة”.
توترات متفاقمة
وبينما توقفت السلطات منذ فترة طويلة عن نشر إحصاءات حول “الحوادث الجماعية”، وهو المصطلح الرسمي للاحتجاجات العامة، يقول النشطاء الذين يتتبعون الاضطرابات في الصين إن بياناتهم الجزئية تشير إلى توترات متفاقمة.
وقد تتبع “مراقب الاضطراب الصيني”، وهي منصة تديرها مجموعة “فريدوم هاوس” الحقوقية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، أكثر من 7000 حالة من الاضطرابات العامة في جميع أنحاء البلاد على مدار العامين ونصف الماضيين، مع ارتباط أكثر من 46 في المئة من الحوادث باحتجاجات عمالية وأكثر من ربع الحوادث المتعلقة بمالكي العقارات.
وقال الباحث في منظمة “فريدوم هاوس” الذي يشرف على موقع “تشتينا ديسينت مونيتور” كيفن سلاتن إن “المنصة وثقت زيادة ملحوظة في الاحتجاجات العامة هذا العام، مدفوعة في الغالب بالمظالم الاقتصادية مثل الأجور غير المدفوعة ومشاريع الإسكان المتوقفة والمطالبات برد الأموال من الشركات الفاشلة”.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أحصى الموقع 435 احتجاجاً، وهو أعلى إحصاء شهري منذ أن بدأ في تتبع مثل هذه البيانات، والمرة الأولى منذ نحو عامين التي سجلت فيها المنصة مزيداً من الاحتجاجات المتعلقة بالممتلكات مقارنة بحالات الاضطرابات العمالية.
وأضاف سلاتن، “قد يختار الحزب الاستفادة بصورة أكبر من جهاز قمعي قوي بناه واستثمر فيه على مدى عقود من الزمان”، مستدركاً “لكن هذا أيضاً يحمل خطر رد الفعل العنيف”.
وتقول الصحيفة إن المعارضة الحالية أكثر لفتاً للانتباه بالنظر إلى أن حكومة شي قد شددت القيود على الاحتجاجات من جميع الأنواع، بما في ذلك الاحتجاجات الاقتصادية الناجمة عن النزاعات العمالية أو المالية التي لا تحمل طابعاً سياسياً واضحاً، وأن شي قد وضع تركيزاً أكبر على التنبؤ بالنزاعات، خصوصاً من خلال ما يصفه بنسخة محدثة من “تجربة فنغتشياو”، وهي ممارسة تعود إلى حقبة ماو تقوم على تعبئة السكان المحليين لمراقبة مجتمعاتهم والتخفيف من التوترات الاجتماعية من المصدر، وفقاً لما ذكره العلماء.
وتوفر الهجمات الأخيرة أمثلة متطرفة على ما يمكن أن يحدث عندما تفشل هذه الاستراتيجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي الـ11 من نوفمبر الماضي، قتل رجل 35 شخصاً من خلال قيادة سيارة نحو حشد في ملعب رياضي في مدينة تشوهاي الجنوبية، وقالت الشرطة في تقرير أولي عن الحادثة إن المشتبه فيه كان غير راضٍ عن كيفية تقسيم الأصول في طلاقه.
وبعد أيام، قتل ثمانية أشخاص في هجوم بالسكين في كلية مهنية على يد طالب سابق قالت السلطات إنه أصيب بالإحباط بسبب فشله في اجتياز اختبار وبسبب الأجر الذي كان يتقاضاه أثناء التدريب.
واستهدفت هجمات سكين سابقة في الأشهر الأخيرة أجانب في الصين، بما في ذلك مواطنين يابانيين، من بينهم طفل يبلغ من العمر 10 سنوات توفي، إضافة إلى أربعة مدربين من كلية أميركية كانوا في الصين في إطار برنامج شراكة مع جامعة محلية.
“تطهير بيئة المعلومات”
وفي الأسابيع الأخيرة لاحظ بعض الآباء الذين لديهم أطفال في المدارس زيادة في الإجراءات الأمنية في المدارس الابتدائية في بكين، إذ نشرت السلطات ضباط شرطة شبه عسكرية يرتدون زياً مموهاً لحراسة المداخل، وفقاً لما نشره المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت الشرطة في مقاطعة سوي في وسط الصين إنها جلبت قوات شبه عسكرية مسلحة ببنادق هجومية للمساعدة في حماية المدارس خلال ساعات الذروة عندما يصل الطلاب ويغادرون.
وفي مدينة فوشان الجنوبية تداول السكان على وسائل التواصل الاجتماعي في شأن عدد المدارس ورياض الأطفال المحلية التي وضعت حواجز خرسانية أو حواجز معدنية أمام مداخلها، على ما يبدو لمنع هجمات الدهس بالسيارات.
قمع التعليقات السلبية حول الاقتصاد الصيني
وتتوازى عمليتا الأمن المعزز وقمع المعلومات حول الهجمات الأخيرة، إذ تبنت عديد من وسائل الإعلام بيانات مختصرة من السلطات من دون تقديم كثير من السياق.
وكتب الباحث في معهد” زيعين ميديا” في جامعة نانجينغ يان تشيهوا، في تعليق نشرته مجلة صينية أخيراً “على السطح، يبدو أن هذا نوع من الحوكمة الاجتماعية الأكثر صرامة”، مستدركاً “لكن وراءه في الواقع تطهير بيئة المعلومات، مما قد يتسبب في فشل آليات التكيف الطبيعية في المجتمع”.
وبصورة أوسع استمر الحزب في قمع التعليقات السلبية حول الاقتصاد الصيني، ففي الأيام الأخيرة بدا أن الرقابة على الإنترنت قد حذفت كلمات خطابين من اقتصاديين صينيين، بعدما انتشرا على نطاق واسع، مع تقييد الوصول إلى حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
من جانبه حذر كبير الاقتصاديين في شركة “نيو إندستريال سيكيوريتيز” الصينية فو بينغ، في مؤتمر نوفمبر الماضي، من أن السياسات الخاطئة قد تظهر عندما يتجنب المراقبون، خوفاً من الإبلاغ عنهم باعتبارهم غير وطنيين، عند التحدث بصراحة عن الاقتصاد، وفقاً للنصوص والتسجيلات المتداولة على الإنترنت.
وهذا الشهر قال كبير الاقتصاديين في شركة “أس دي أي سي سيكيوريتيز” المملوكة للدولة غاو شانوين، إن “بيانات الاقتصاد الصيني بعد جائحة كوفيد أظهرت نمواً أضعف في الاستهلاك في المناطق التي تضم سكاناً من الشباب مقارنة بالمناطق التي تضم سكاناً مسنين”.
وأضاف أن تلك الظاهرة يصفها المراقبون بـ”كبار السن النشطين، والشباب الخاملين، والطبقة المتوسطة الميؤوس منها”.
وقال غاو في مؤتمر إنه “لا يمكن لعديد من الشباب العثور على وظائف أو أنهم محبطون من العمل الذي يحصلون عليه”، مضيفاً “الشباب يتقشفون في الملابس والطعام، ويطفئون الأنوار ويأكلون المعكرونة”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت إحدى وسائل الإعلام الصينية إن حساب فو على تطبيق “وي تشات” حظر من قبول متابعين جدد، على رغم أن الوصول إلى الحساب بدا طبيعياً أمس الأحد، واختفى حساب غاو العام على تطبيق “وي تشات”، فيما لم يرد فو وغاو على طلبات التعليق من الصحيفة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية