عرف العراق منذ عام 1924 أول إقرار لقانون الجنسية وكانت دعوة الملك فيصل الأول وحكومته إلى تنظيم الدولة التي خرجت للتو من الحقبة العثمانية بعدما كانت قسّمت البلاد إلى ثلاث ولايات هي بغداد والبصرة والموصل، حمل سكانها الجنسية العثمانية بتأشير (أ)، وفي ذلك العام أيضاً حصل جميع الأشخاص الموجودين ضمن حدود الولاية القضائية العراقية تلقائياً على الجنسية العراقية.

قانون الجنسية الأول متطلبات

وركز “قانون الجنسية العراقية لعام 1924 وتعديلاته على الأصول المسكونة للقومية العربية” على دولة انتهت (العثمانية) وأخرى بدأت (العراقية)، وبما أن العراق دولة متعددة الأعراق والأديان والطوائف وموجود على أرض كانت مشرعة للأقوام الوافدة والمارة إليه من بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والخليج العربي وإيران وشبه القارة الهندية، تتحرك فيه قوافل التجارة والحجاج العابرين من إيران وشبه القارة الهندية، كانت البلاد محطة استقرار لأقوام ليسوا من أهل البلاد، فامتلأ العراق قبيل منح الجنسية بأقوام تمسكوا بجنسياتهم الأصلية للبلدان التي وفدوا منها، ودخلت أعداد كبيرة مع القوات البريطانية الغازية عام 1918 مثل الهنود والأرمن والأثوريين، ووفدت أعداد من البحرين ومناطق الخليج، طلباً للعيش والاستقرار، لكن برزت أول مشكلة مع إيران فور إعلان قانون التجنيس الجديد، فكانت طهران لا تعترف بالدولة العراقية الحديثة حينها ولديها اعتراضات كثيرة على وجود الدولة العراقية، وفي مقدمتها اتهام الحكومة الجديدة بالضغط على الناس ضمن أراضيها لقبول الجنسية العراقية.

مخاوف إيرانية مبكرة

يقول الباحث والمؤرخ اللواء مؤيد الونداوي “كانت الحكومة الإيرانية تضغط لعدم تمديد مدة قبول التجنيس لرعاياها المقيمين في العراق وازداد الأمر تعقيداً حين أصدرت الدولة العراقية قانون الخدمة الإلزامية، وكانت أعداد كبيرة من الموجودين على أرض بلاد النهرين ليسوا من رعايا الدولة العثمانية وجلهم آتٍ من بلاد فارس والبحرين والكويت ومن محميات بريطانية متعددة، وحتى لا يتم شملهم بالخدمة العسكرية الإلزامية تأخروا في التجنيس، مما بات إشكالية بين العراق وجيرانه الذين يستفيدون من هؤلاء في التجارة والسياسة، فباتت الحكومة الإيرانية تفتعل المشكلات كقطع الأنهر والتوغل داخل الحدود العراقية، حتى اضطر العراق عام 1936 إلى التقدم بشكوى أمام عصبة الأمم ضد الانتهاكات الإيرانية. ولم يكُن الإيرانيون وحدهم المشكلة في قضايا التجنيس في العراق فهناك الأرمن الذين هربوا من مناطق هيكاري التركية وروميا المسيحية والذين عاقبهم الأتراك جراء تعاونهم مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية واضطرارهم إلى التوجه للعراق حيث استخدمهم الإنجليز في القواعد العسكرية حتى استقرارهم في الموصل، وعاش كثيرون منهم عقوداً في العراق ونالوا جنسيته بالاكتساب”.

صنفان لاكتساب الجنسية

صنفت الدولة العراقية مسألة اكتساب الجنسية منذ إعلان القانون بصنفين من مواطنيها، الأول الصنف (أ) لمن يقدم وثائق عثمانية مع شرط الولادة والصنف (ب) للأجانب ممن لا يحملون وثائق عثمانية لكنهم يفضلون العيش في العراق، وشمل تبعيات إيرانية وهندية وباكستانية وأرمينية وغيرها، لكن المشرع تغاضى عن تلك الشروط للعرب من أبناء القبائل التي وفدت إلى العراق من منطلق الحدود المفتوحة للأرض العربية. لكن ظلت الحدود بالنسبة إلى أكثر بلدان المنطقة، ومن بينها العراق، تواجه هجرة مستمرة عبر الحدود السياسية كما يحدث في هجرة القبائل الكردية بين العراق وإيران لأنها مناطق رعي، وكذلك لقبائل الجاف الموزعة بين العراق وإيران وبعض القبائل العربية مثل شمر بين الأقطار العربية، وفق ما يؤكد الباحث الونداوي الذي يضيف أن “المفارقة ظهرت في سبعينيات القرن الماضي حين بدأ ظهور أعداد من القاطنين في العراق من أصول هندية وباكستانية وبقايا النظام الإنجليزي، لا سيما من أصول باكستانية الذين لم يجرِ التوجه إليهم إبان حملة إبعاد الإيرانيين من العراق عام 1979 وإبعاد عشائر “الكرد الفيلية” الذين يقطنون المناطق المحاذية للحدود الإيرانية من العمارة العراقية حتى ديالى، ويتميزون عن كرد السليمانية بأنهم من الطائفة الشيعية ومتمسكون بعلاقتهم بمرجعية النجف وكربلاء”.

إبعاد أم تسفير؟

أما عن أزمة الإبعاد الكبرى التي عمد إليها النظام السياسي لعام 1981، فيقول الونداوي “يستند الإبعاد إلى قرار مجلس قيادة الثورة الصادر عام 1981 الذي أقر تسفير الأجنبي الذي لم يسوِّ وضعه القانوني في اكتساب الجنسية وأن كثيرين من التابعية الإيرانية لم يحسموا ذلك وأن آخرين لديهم جنسية وهم مواطنون عراقيون، لكن النظام توسع في عملية إبعاد هؤلاء وإجبارهم على مغادرة البلاد قسراً، على رغم أنهم غير مشمولين بالقرار لأنهم أخذوا الجنسية بالاكتساب، وتضرر عشرات آلاف المسفرين ولا توجد أرقام رسمية بالمشمولين بالإبعاد أو من غادروا من دون رجعة”.

إشكالية مجتمعية

ويرى باحثون أن “الدولة العراقية وقعت بخطأ تصنيف العراقيين إلى نوعين، الأول كمواطنين من الدرجة الأولى، والثاني ويشمل الذين اكتسبوا الجنسية العراقية من أصل فارسي بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية التي استند إليها نظام البعث في قضية إبعاد الآلاف من مكتسبي الجنسية واعتبارهم مبعدين وجب ترحيلهم كما فعل النظام السابق، مما أثار إشكالية مجتمعية كبيرة. وأفضت حملة الإبعاد التي شملت آلاف الموطّنين بصورة شرعية إلى حال من فقدان الأمان التي عاشها الشعب، وزادت الطين بلة سياسة التهجير القسري لعراقيين يوصفون بالتبعية لإيران بأعداد كبيرة ورميهم على الحدود الشرقية للبلاد بهدف إخراجهم لأنهم غير مرحب بهم للعيش في العراق، على رغم أن المئات من بينهم وُلدوا في العراق ويحملون الجنسية العراقية بالاكتساب منذ عشرات السنين”.

التشريعات والتحديات

 وحين سقط النظام السابق عام 2003 واحتُلت البلاد تدفقت حشود القاطنين في إيران ومناطق أخرى من العالم عبر الحدود البرية ليستعيدوا بيوتهم وممتلكاتهم السابقة ويعودوا للسكن في العراق من جديد ويقدرون بـ20 ألفاً، وانعكس هذا القرار على المتطلبات المجتمعية في البلاد وفتح باب أزمات بدأت ولم تنتهِ منذ نكبة التهجيرين القسريين الشهيرين لهم، الأول مع تسلم حزب البعث للسلطة في العراق مطلع التسعينيات والثاني مطلع الثمانينيات إبان الحرب العراقية- الإيرانية.

تطور قوانين الجنسية

وتطورت التشريعات الخاصة بالتجنيس لغير العراقيين خلال المئة عام الماضية منذ صدورها في 1924 جراء اتساع المجتمع من سبعة ملايين نسمة مطلع العشرينيات إلى 42 مليوناً، فصدر قانون منظم للتجنس رقم 43 لسنة 1963 والقانون رقم 5 لسنة 1975، وأتيحت الجنسية فقط لمن تزيد أعمارهم على 18 سنة تحت سلسلة شروط من بينها السمعة الجيدة والسجل الجنائي النظيف ويجب أن يكون الشخص الذي يسعى إلى الحصول على الجنسية عربياً، أو متزوجاً بعراقي لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع الإقامة داخل البلاد، ويتعين على المواطنين المجنسين أداء يمين الولاء أمام شخص مختص مرخص له.

المناصب السيادية

ويلاحظ وضع المشرع شرط منع المجنسين من شغل منصب عضو البرلمان أو وزير لمدة لا تقل عن 10 أعوام بعد تاريخ التجنيس، إضافة إلى أن المجنسين لا يستطيعون شغل منصب رئيس وزراء العراق أو رئيس العراق ويمنع تجنيس الفلسطينيين توافقاً مع قرارات الجامعة العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الإقفال إلى الانفتاح

وظل العراق بلداً مقفلاً لأعوام الحرب والحصار (1980-2003) وفقد خاصية أنه بلد مفتوح مثلما كان خلال السبعينيات حين ودع شعب العراق آخر ما عاشه من ترف العيش وانقطع التواصل مع العالم، فكانت البلاد تغص بالوافدين من أصقاع العالم شتى، لا سيما البلدان العربية التي يأتي مواطنوها حتى من دون موافقة دخول مسبقة، حتى إن الكليات والمعاهد العراقية كانت تستقبل مئات آلاف الطلاب من مختلف بقاع الأرض، لكن حرب الثمانينيات وما خلفته من نتائج كارثية غيرت كل مناخات الدولة وعسكرت المجتمع.

قانون الجنسية الجديد

وعايش العراق واقعاً سياسياً جديداً بعد عام 2003 الذي شهد تفكيك أجهزة الدولة السابقة وإنشاء شكل سياسي آخر. وتحولت قوانين الدولة وكُيّفت وفق قانون الجنسية العراقية الجديد الذي صدر عام 2006 والذي أثار جدلاً واسعاً، لا سيما في الفقرة الأولى من المادة 6 على أنه يحق لوزير الداخلية أن يقبل تجنيس غير العراقي الذي “أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن 10 سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب”. لكن التعديل الذي يجري الجدل في شأنه قلص المدة إلى عام واحد، مما يضاعف أعداد المعنيين بإجراء التجنيس، وهنا مكمن خشية العراقيين أن تؤثر تعديلات القانون المتوقعة في تركيبة بلادهم الديموغرافية وتطمس خصوصيتها العربية، بخاصة في العاصمة والمدن الشيعية مثل النجف وكربلاء وسامراء، حيث يوجد آلاف المقيمين من جنسيات عدة يتطلعون إلى نيل الجنسية العراقية وجلهم من الباكستانيين والأفغان والبنغال الشيعة وأن يُجنسوا لحسابات سياسية ومذهبية، مما يهدد مصالح السنة والأكراد والأقليات الدينية والعرقية، لكن المشرع ذهب إلى المهنية في التجنيس والبعد القانوني كما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 6 في القانون الحالي، إذ “لا تُمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق”. ومن السهل تمرير التعديلات المثيرة للجدل في ظل الغالبية التي تمتلكها الأحزاب الولائية من خلال تحالف “الإطار التنسيقي” وضعف الكتل المنافسة وصعوبة إقامة تحالفات قادرة على التصدي للتغييرات التي يجري الإعداد لها.

ضوابط صارمة

الضوابط القانونية أعلاه كما يقول العقيد عمار العتبي “هي المعمول بها حالياً وهي التي تطبق على طالبي التجنيس من دوائرنا المختصة ولا صحة لما يروج من خلال الإعلام والـ’سوشيال ميديا‘ حول الأعداد الكبيرة التي جرى تجنيسها وهماً وبدوافع غير قانونية ولا أساس لها من الصحة، بل حتى المقترنين بزوجات عربيات أو غير عربيات فسيخضعن لشروط التجنيس والمكوث في البلاد مدة خمسة أعوام، حتى لو أنجبن أبناءً، فلا بد من استيفاء شروط الاستقامة والسمعة الجيدة”.
ويقول ضابط في الأمن الوطني العراقي رفض ذكر اسمه “بحسب متابعتي الأمنية فإن ما ينشر مبالغ فيه وأؤكد أن التجنيس تم لعدد محدود ووفقاً للقانون لزوجات العراقيين بعد مضي خمسة أعوام وأزواج العراقيات كذلك وأبناء العراقيات بعد إقامة خمس سنوات. كما أن عدداً من العراقيين الذين هجرهم صدام وأسقط عنهم الجنسية بدواعي التبعية لإيران أعيد تجنيسهم وتجنيس أبنائهم بحسب القانون. ولم يؤشر لدى الجهات الأمنية تجنيس خارج الضوابط أو بأعداد كبيرة”.

الأبواب المشرعة

زائر العراق، لا سيما المناطق ذات الطابع الديني، تلفته حتماً أعداد الأجانب في البلاد جراء استقبال المدن المقدسة بالنسبة إلى الشيعة أعداداً لا حصر لها من زوار المراقد والعتبات المقدسة، والأعداد المتزايدة لطلبة الحوزة الدينية الذين يفضلون ارتداء أزيائهم القومية ويسهل مجيئهم عبر الحدود المفتوحة مع العراق وحصولهم على أنواع من التأشيرات، إضافة إلى دخول بعضهم في حقل العمل كعمالة رخيصة الكلف، لا سيما في أعمال الخدمة المنزلية والحراسة، فلا توجد ملاحقة جدية للوافدين.

نقلاً عن : اندبندنت عربية