في عام 2024، تجاوزت روسيا اليابان لتصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم من ناحية القوة الشرائية، ومع ذلك، هناك تدهور في السياق المالي وضعف في الاستقرار الاقتصادي وسط توقعات بتراجع حاد في نمو الاقتصاد الروسي.

فعلى صعيد السياسة الخارجية، كثفت موسكو جهودها لتعزيز موقف مضاد لـ”مجموعة السبع”، على رغم انتكاساتها في الشرق الأوسط.

والسؤال الأبرز هو كيف ستكون حال روسيا ومكانتها في العالم عام 2025؟ وما واقع أداء الاقتصاد الروسي وإلى أين يتجه؟.

تلك أسئلة تناولتها جلسة في اليوم الثالث من أيام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس حملت عنوان “روسيا… ماذا بعد؟”، لتظل روسيا هي الغائب الحاضر خلال الاجتماعات في سويسرا.

وشاركت في مناقشات الجلسة وزيرة المالية السويدية إليزابيث سفانتيسون ومفوض الاقتصاد والإنتاجية والتنفيذ والتيسير في المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، بينما أدار الجلسة رئيس تحرير مجلة “فورين بوليسي غروب” رافي أغراوال.

“الاقتصاد الروسي ليس بالقوة التي يدعيها بوتين”

وقالت سفانتيسون، “كنت قلقة منذ فترة طويلة في شأن السردية المحيطة بالاقتصاد الروسي التي تبدو وكأنها تتماشى مع تصوير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو يصور لنا أن اقتصاد بلاده قوي ويعمل بصورة جيدة، لكن نظرة أعمق تكشف عن واقع مختلف، فخلال العام الماضي تعمقت في تلك المسألة بالتعاون مع موظفي الخدمة المدنية والباحثين وطلبت منهم تقريراً في السويد صدر قبل نحو ستة أشهر، يوضح أن الاقتصاد الروسي ليس بالقوة التي يدعيها بوتين”.

وأضافت أن “التحدي يكمن في أن المؤسسات الاقتصادية والإعلام والسياسيين في بعض الأحيان أسهموا بصورة أو بأخرى في تعزيز هذه السردية التي يريدها بوتين، ومع ذلك، عندما ننظر إلى مصادر مستقلة (ليس الشخصيات الرسمية الروسية فحسب)، نجد أن التضخم، على سبيل المثال، أعلى بكثير مما تشير إليه الأرقام الرسمية، فقبل شهر واحد، بلغ معدل التضخم ما بين 20-22 في المئة، ومعدل الفائدة الذي حدده البنك المركزي الروسي الآن هو 21 في المئة، مما يكشف أيضاً عن المشكلات العميقة التي يعانيها الاقتصاد”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال دومبروفسكيس، “من الواضح أننا كعالم ديمقراطي غربي بحاجة إلى الاستمرار في الضغط على روسيا ما دام أنها تواصل عدوانها ضد أوكرانيا، ويجب علينا أيضاً ضمان أن تدفع روسيا كلفة الأضرار التي تسببت فيها في أوكرانيا”.

وأضاف أنه “بالنظر إلى العقوبات المفروضة، يمكن القول إن العقوبات تحقق تأثيرها بصورة عامة، مثلما أشارت الوزيرة سفانتيسون، بالفعل فإن هناك كثيراً من المؤشرات على ذلك، فالتضخم الرسمي في روسيا بلغ في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024، 9.5 في المئة، بينما تقدر منظمات بحثية مستقلة بأن هذا الرقم أعلى بكثير، وصندوق الثروة الوطني الروسي يتناقص بسرعة، خصوصاً على مستوى السيولة، إضافة إلى أن معدلات الفائدة لإعادة التمويل آخذة في الارتفاع في روسيا، إذ وصلت الآن إلى 16 في المئة”.

وأشار دومبروفسكيس إلى أن الروبل (العملة الروسية) فقد قيمته أمام جميع العملات الرئيسة، بما في ذلك اليوان الصيني الذي تجرى من خلاله التعاملات التجارية، خصوصاً في ما يتعلق بالبضائع الخاضعة للعقوبات، إذ نلاحظ تراجعاً في قطاعات صناعية مختلفة، ومع ذلك لا يمكننا أن نكون على علم كامل بالصورة الشاملة، إذ توقفت روسيا عن نشر كثير من الإحصاءات الاقتصادية منذ بداية الحرب، إضافة إلى عدم إمكان الاعتماد على الإحصاءات الرسمية الروسية”.

روسيا والالتفاف على العقوبات

وبسؤال مدير الجلسة لـدومبروفسكيس عن العائدات الروسية الضخمة من مبيعات الطاقة وعن العقوبات الأوروبية على قطاع الطاقة الروسي، قال إن المصدر الأكبر لإيرادات روسيا هو صادراتها من الطاقة خصوصاً النفط والغاز، وتجد روسيا طرقاً للالتفاف على العقوبات، إذ تشغل أسطول ناقلات الظل التي تخضع حالياً لعقوبات متزايدة، فعلى سبيل المثال، في ما يتعلق بالغاز الروسي، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من التوصل إلى اتفاق لفرض عقوبات على الغاز الروسي، ومع ذلك، خفضنا الاعتماد على الغاز الروسي بصورة كبيرة”.

الاتفاق على العقوبات يتطلب إجماع الدول الأعضاء

مدير الجلسة سأل دومبروفسكيس مرة أخرى “إذا كان هناك مجال لفرض عقوبات أشد، فلماذا لم تستخدموا ذلك من قبل؟ لماذا لم تفرضوا تدابير أكثر صرامة في وقت مبكر؟.

فردّ دومبروفسكيس، قائلاً “لا شك في أن السياسة الداخلية تقوم بدور في هذا السياق، والديناميكيات تختلف بصورة كبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأذكّر بأن الاتفاق على العقوبات يتطلب الإجماع من جميع الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، والحقيقة أننا تمكّنا من الاتفاق على 15 حزمة من العقوبات بالفعل، مما يعكس قدرتنا على التوافق في شأن كثير من الأمور، إذ فرضنا عقوبات واسعة النطاق وغير مسبوقة ضد روسيا، ولكن لم نتمكن من تحقيق الإجماع على كل شيء، فمثلاً لم نتفق على عقوبات الغاز الطبيعي الروسي بسبب اعتراض بعض الدول الأعضاء على ذلك”.

أساطيل الظل

وتابع مدير الجلسة، قائلاً “هناك تقارير تفيد بأن كثيراً من النفط الروسي يكرر في أماكن مثل الهند وينتهي به المطاف في أوروبا بأسعار أرخص، ووجدت أوروبا طرقاً لتحقيق مكاسب مزدوجة… أليس كذلك؟.

فأجاب مفوض الاقتصاد والإنتاجية والتنفيذ والتيسير في المفوضية الأوروبية، “اضطررنا إلى التحرك سريعاً للابتعاد من إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، وهذا ما قمنا به بالفعل، وأصبحت النرويج الآن أكبر مورد للغاز الطبيعي لنا، بينما تُعدّ الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال، ونحن نستورد أكثر من نصف حاجاتنا من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، ونعمل أيضاً مع موردين آخرين، وتمكّنا من تأمين بدائل للإمدادات، مما يعني أن روسيا لم تعُد قادرة على استخدام هذا المورد كأداة ضغط ضدنا”.

وأوضح أنه بالنسبة إلى تأثير العقوبات الأوروبية في الاقتصاد الروسي، فإنه لا توجد تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأوروبي، ولكن بالتأكيد يمكننا فعل مزيد لتحقيق توافق سياسي بين الدول الأعضاء.

وأردف أنه “في ما يخص أسطول ’السفن الظل‘، فهو ليس مسألة متعلقة بإمداد أوروبا بالطاقة، فهذا الأسطول يطلق عليه ’الشبح‘ لأنه غير مسموح له بدخول الموانئ الأوروبية، وفي أحدث حزمة من العقوبات، أضفنا عدداً من ناقلات هذا الأسطول إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات، مما يعني أنها أصبحت كيانات خاضعة للعقوبات بصورة مباشرة”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية