الأسرة المصرية تواجه أصعب ميزانية
















































العزومات شبه معدومة بسبب غلاء الأسعار
«ديش بارتى».. طريقة ربات البيوت للشعور بـ«لمة العيلة»
ميزانية العيد والمدارس أكبر تحدٍّ بعد الشهر الكريم

حرب شرسة يخوضها المواطنون بين متطلبات شهر رمضان وقدوم عيد الفطر، وسط استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يضع الكثير من الأسر أمام تحديات مالية كبيرة، حيث شهدت الأسواق قفزات متتالية فى أسعار اللحوم والأرز والخضراوات، ما دفع الكثيرين إلى تعديل عاداتهم الشرائية.
ميزانية الربع كيلو.. استراتيجية ملايين الأسر حالياً لمقاومة غليان الأسعار، ولكى يستطيعون توفير متطلباتهم تحت شعار المثل الشعبى الشهير «على قد لحافك»، ففى سوق سليمان جوهر بالدقى، كانت «أم أحمد» تتنقل بين البائعين باحثة عن أرخص سعر للحوم. تقول: «كنت أشترى كيلو اللحم كل أسبوع، لكن الآن لا أستطيع شراء أكثر من ربع كيلو. أقوم بتقطيعه إلى قطع صغيرة وأضيفه إلى الخضراوات لأكفى أسرتى المكونة من خمسة أفراد».
تحول فى عادات الشراء لم يقتصر على «أم أحمد» فقط، بل أصبح شائعاً بين العديد من الأسر، وأصبحت ميزانة الربع كيلو من اللحوم أو الأرز هو الخيار الأمثل لكثيرين لمواكبة الارتفاع الجنونى فى الأسعار.
فى حديثه، يقول عم حسن، وهو رب أسرة يعمل سائقاً: «أشترى الربع كيلو لأشعر بأننى لم أحرم أبنائى من اللحم، وأعتمد أكثر على العدس والفول لتوفير وجبة مشبعة».
مائدة الإفطار.. أشبه بكابوس يواجه السيدات يومياً، تفكير عميق كيف يحضرن الوجبة بأقل التكاليف، قالت «منى»، وهى ربة منزل: «كنا نحرص على تحضير أطباق متنوعة فى رمضان، ولكن الآن أكتفى بطبق واحد رئيسى واعتمد على الخضراوات والشوربة لزيادة الكمية».
فى الأسواق، أصبح من المعتاد رؤية أناس يطلبون كميات صغيرة من المواد الغذائية، الأمر يؤكده البقال أحمد يشير، الذى أشار إلى تغيير كبير فى سلوك الزبائن، قائلاً: «الزبائن أصبحوا يسألون عن الأسعار قبل الشراء، ويطلبون ربع كيلو أو حتى أقل. البعض يشترى حبة أو حبتين من الفاكهة فقط».
لم تتوقف آثار الأزمة عند الجانب الاقتصادى فقط، بل امتدت لتؤثر على الحالة النفسية والاجتماعية للأسر. يعبر محمد، موظف حكومى، عن شعوره بالعجز أمام رغبات أبنائه: «أشعر بالحزن عندما يطلبون منى أشياء بسيطة ولا أستطيع تلبيتها. أصبحنا نحسب حساب كل جنيه».
فى المقابل، تحاول بعض الأسر التغلب على هذه التحديات بروح من التضامن والمساندة. تقول هدى، وهى أم لثلاثة أطفال: «نحن وجيراننا نتشارك فى شراء كميات أكبر لتقليل التكلفة، وأحياناً نقوم بطهى الطعام معاً لتوفير الغاز».
لا تقتصر المعاناة على محدودى الدخل فقط، بل أيضاً على الطبقات المتوسطة التى بدأت تشعر بأثر غلاء الأسعار. عائلات كثيرة اضطرت إلى تخفيض ميزانياتها اليومية، وتحويل الاهتمام إلى المشتريات الأساسية التى تضمن الحد الأدنى من احتياجاتهم. ويؤكد «أبوسامى»، الذى يعمل موظفاً فى إحدى الشركات الحكومية، أنه أصبح يتنقل بين الأسواق باحثاً عن العروض الخاصة أو تخفيضات الأسعار، ويقول: «أحياناً لا أستطيع شراء كل ما أحتاجه. أضطر للانتظار حتى أجد عرضاً مناسباً على الأرز أو الزيت».
تقول «دينا»، وهى سيدة تعمل فى مجال التدريس، إنها أصبحت تخطط لكل وجبة بدقة أكبر، وأنها لم تعد تشترى الخضراوات واللحوم إلا بكميات محدودة جداً. «كل شىء أصبح غالياً. كان رمضان بالنسبة لنا موسماً للتجمعات العائلية والطعام المتنوع، لكن الآن أصبح همى الأساسى هو توفير الطعام بالكميات التى تكفى الأسرة دون الإفراط». وتضيف دينا أنها أصبحت تتبادل الطعام مع جيرانها وأفراد أسرتها فى محاولة لتقليل التكلفة، مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادى الصعب فرض على الجميع هذه النوعية من التعاون الاجتماعى.
«منى» تحدثت عن تجربتها قائلة: «العام الماضى، كان عندى عزومات كبيرة مع الأهل والأصدقاء، لكن هذا العام الوضع اختلف تماماً. الأسعار مرتفعة جداً، والحقيقة أننى بدأت أبحث عن طرق لتقليل النفقات. قررت هذا العام أن أقوم بتنظيم عزومات صغيرة، فقط لعائلتى المقربة، بدلاً من دعوة العديد من الأصدقاء والجيران كما كنت أفعل سابقاً».
حسناء، سيدة فى أوائل الثلاثينات، بدأت تلاحظ تأثير ارتفاع الأسعار على ميزانيتها الشخصية. منذ سنوات، كانت تحرص على حضور العزومات التى يُدعى إليها الأصدقاء والعائلة، لكنها قررت هذا العام اتخاذ خطوة مختلفة.
تقول حسناء: «كنت دائماً أحضر العزومات وأشعر بأنه يجب عليّ الرد بالمثل إذا دُعيت. لكن مع ارتفاع الأسعار، شعرت أننى لا أستطيع تحمل تكلفة الرد، خاصة إذا كان يجب على تحضير طعام أو شراء هدايا. فقررت أن أرفض الخروج للعزومات هذا العام، وأخبرت الجميع بصراحة بأننى لا أستطيع تحمل هذه التكاليف فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى».
وأضافت: «كنت خائفة أن أُعتبر غير اجتماعية أو قاسية، لكن عندما شرحت السبب، تفهم الجميع، وهذا جعلنى أشعر بالراحة. لا داعى للضغط على نفسى مالياً من أجل رد العزومات. وقد استبدلت هذا الأمر بالتواصل مع الأصدقاء والعائلة بطرق أخرى، مثل المكالمات الهاتفية أو الرسائل».
أصبح أحد الحلول التى تم تبنيها بشكل متزايد فى العزومات هو «الديش بارتى»، حيث يساهم كل مدعو بجلب طبق واحد أو مجموعة من الأطباق. هذا الأسلوب يخفف من الأعباء المالية على المضيفين ويتيح للجميع المشاركة فى التحضير. لقد تحولت هذه العادة إلى ثقافة شائعة فى العديد من الأسر.
تروى سيدة تدعى «أمينة» تجربتها مع «الديش بارتى» قائلة: «فى الماضى، كنت أعتقد أنه يجب أن أكون مسئولة عن كل شىء فى العزومة. لكن هذا العام، قررنا مع أصدقائنا وعائلتنا أن نتبع أسلوب الديش بارتى. كل شخص جاء بجلب طبق رئيسى أو حلوى أو حتى مشروبات، وبهذا الشكل أصبح الجميع يساهم، وأصبح الوضع أسهل بكثير».
وأضافت: «حتى مع العزومات العائلية الكبرى، أصبحنا نستخدم هذه الفكرة، وهى توفر لنا الكثير من المال والوقت، ويسعد الجميع بمشاركتهم فى التحضير. هذه الطريقة ليست فقط اقتصادية، بل أيضاً تساعد فى تبادل الأطباق المميزة بين العائلات».
السيدات فى المجتمع العربى غالباً ما يكنّ فى قلب تنظيم العزومات والتجمعات الاجتماعية، لكن مع التحديات المالية الحالية، بدأ العديد منهن فى تغيير طريقتهم فى التخطيط. فإلى جانب تقليل عدد العزومات، يحرصن على أن تكون المأكولات اقتصادية وصحية. السيدة «فاطمة» تقول: «أصبحنا نركز على تحضير أطباق بسيطة تحتوى على مكونات متوفرة بأسعار معقولة، مثل الأرز والخضراوات. نحن لا نحتاج دائماً إلى اللحوم أو الأسماك المكلفة».
وأضافت فاطمة: «أحياناً، نختار الأطعمة التى يمكن تخزينها بسهولة، مثل المعلبات والمكونات المجففة، لتقليل النفقات. كما أننى بدأت ألاحظ أن المدعوين يفضلون الأطباق المنزلية البسيطة أكثر من الأطعمة التى تعتمد على المواد الغالية».
قالت نادية جمال، استشارى العلاقات الأسرية، إن العجز المالى ضمن أكبر الضغوط النفسية التى يواجهها الأفراد، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتلبية احتياجات الأسرة الأساسية، مشيرة إلى أنّ العجز عن توفير هذه الاحتياجات يمكن أن يؤدى إلى تأثيرات نفسية عميقة، تتفاوت بين القلق المستمر، والشعور بالعجز، والضغط النفسى المتراكم، مشيرة إلى أنّ هذا العجز لا يؤثر فقط على الأفراد أنفسهم، بل ينعكس أيضاً على العلاقات الأسرية، ويساهم فى زيادة مشاجرات يومية قد تؤدى إلى تآكل الروابط الأسرية.
وأضافت استشارى العلاقات الأسرية، أنّ الرجل الذى يشعر بالعجز عن تلبية احتياجات أسرته، يصاب بمشاعر مختلطة من الإحباط والذنب، وتابعت: فى المجتمع الشرقى بشكل خاص، تُعتبر المسئولية المالية جزءاً من هويته الرجولية لذا، فإن عدم القدرة على سد احتياجات الأسرة يتسبب فى قلق دائم وشعور بالضياع. قد يبدأ الرجل فى التفكير بأنه فشل فى دوره التقليدى، ما يخلق شعوراً بالعار والخجل.
وأشارت إلى أنّ هناك العديد من الدراسات النفسية التى أكدت أن هذا النوع من العجز المالى قد يؤدى إلى اضطرابات نفسية شديدة مثل القلق والاكتئاب. الرجل الذى لا يستطيع توفير الطعام أو الرعاية الأساسية لأسرته قد يشعر بالذنب المستمر ويشكو من «عجز الكفاءة»، حيث يفقد ثقته فى قدرته على التكيف مع الظروف الاقتصادية أو التغلب عليها. يمكن أن تتطور هذه المشاعر إلى شعور بالإحباط المزمن، يترجم إلى ضعف عام فى تقدير الذات.
وأوضحت أنّ هذا الشعور بالعجز ينعكس سلباً على العلاقات الأسرية، حيث يبدأ الرجل فى الابتعاد عاطفياً عن زوجته وأطفاله. عندما يشعر الرجل بأنه غير قادر على تأمين احتياجات الأسرة، يمكن أن يتأثر تواصله مع أفراد الأسرة. يصبح سريع الانفعال وأكثر حساسية تجاه أى انتقاد، ويزداد عزله وتجنب المحادثات التى تتعلق بالمال أو وضع الأسرة المالى.
وقالت استشارى العلاقات الأسرية إن الضغوط المالية يمكن أن تدفع الرجل إلى اتخاذ قرارات متسرعة أو غير محسوبة، حيث يبحث عن طرق سريعة للحصول على المال، مثل القروض أو الدخول فى استثمارات غير مضمونة، مما يزيد من العبء على الأسرة. فى بعض الأحيان، يمكن أن يؤدى هذا الضغط إلى تدهور العلاقة مع الزوجة، التى قد تشعر بالإحباط أو التوتر بسبب العجز المالى، مما يزيد من حدوث مشاجرات متكررة.
المشاجرات اليومية
تابعت حديثها قائلة: تعد المشاجرات اليومية أحد الأعراض الأكثر وضوحاً لتأثير العجز المالى على الأسرة. يبدأ الضغط النفسى الناجم عن العجز فى التأثير على تصرفات الرجل بشكل غير مباشر، مما يجعله أكثر توتراً وسرعة فى الغضب. يمكن أن تزداد حدة هذه المشاجرات فى ظل نقص الموارد المالية، حيث يصبح أى نقاش أو خلاف، حتى وإن كان بسيطاً، سبباً للاحتكاك والجدال. وبالنسبة للزوجة، فإن دورها فى توفير احتياجات الأسرة قد يتحول إلى عبء إضافى، مما قد يسبب لها شعوراً بالاستياء والضغط، ومن جهة أخرى، قد تصبح المشاجرات أكثر عنفاً أو صمتاً طويلاً، حيث يفضل الرجل فى بعض الأحيان الانعزال عن المشكلات المالية بدلاً من مواجهتها. هذا التوتر المستمر قد يؤدى إلى مشاعر الغربة داخل الأسرة، ويقلل من التواصل العاطفى بين الزوجين، مما يهدد استقرار الأسرة.
واختتمت حديثها بالتنويه إلى تأثر علاقة الأب بالأبناء أيضاً بتراكم هذه الضغوط، حيث الأب الذى يعجز عن تلبية احتياجات أسرته قد يشعر بأنه لا يستطيع تقديم النموذج الأمثل لأولاده، مما يؤدى إلى تراجع ثقته فى قدراته كأب. هذا يمكن أن ينعكس سلباً على العلاقة مع الأبناء، حيث يبدأ الأولاد فى ملاحظة التوتر المستمر فى المنزل وقد يتسبب ذلك فى انعدام الاستقرار النفسى لهم.

 




















نقلاً عن : الوفد