كشفت دراسة حديثة عن أن سكان المناطق الأكثر حرماناً في المملكة المتحدة يواجهون خطراً أعلى بالوفاة من السرطان بنسبة 60 في المئة مقارنة بنظرائهم في المناطق الميسورة، وأن احتمال تشخيص الإصابة بالسرطان لدى الفئات الأكثر فقراً بعد زيارة طارئة لقسم الحوادث والطوارئ يزيد بأكثر من 50 في المئة مقارنة بنظرائهم من الفئات الأكثر ثراءً.
ووجد تقرير جديد صادر من مؤسسة أبحاث السرطان البريطانية أن هناك أكثر من 28 ألف حالة وفاة إضافية سنوياً بسبب السرطان مرتبطة بالحرمان الاجتماعي، وأن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر فقراً معرضون بنسبة تصل إلى الثلث للانتظار أكثر من 104 أيام لبدء العلاج، على رغم وجود إحالة طبية عاجلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أظهرت الدراسة أن الأشخاص المنتمين إلى الفئات الأكثر حرماناً لا يميلون إلى المشاركة في برامج الفحص [الرصد الطبي] الوطنية، وأن فرصهم في الحصول على البرامج العلاجية المتطورة تقل بمقدار النصف مقارنة بأولئك الذين ينتمون إلى الفئات الأقل حرماناً.
وعلى رغم التحسن الملحوظ في رعاية مرضى السرطان على مدى العقود الأخيرة، حيث شهد العام الماضي اكتشاف مزيد من حالات السرطان في مراحل مبكرة وقابلة للعلاج أكثر من أي وقت مضى، فإن البحث الجديد يكشف عن وجود نسبة تفاوت كبيرة في مستوى الرعاية المقدمة.
وفي تعليقه على هذه النتائج أوضح المدير التنفيذي في قسم السياسات والمعلومات في مؤسسة أبحاث السرطان البريطانية الدكتور إيان ووكر أن فرص العلاج والنتائج يجب أن تكون متساوية بين الجميع، بغض النظر عن مكان السكن أو مستوى الدخل. وأضاف قائلاً: “لا ينبغي أن يكون أي شخص أكثر عرضة للوفاة بسبب هذا المرض المدمر لمجرد مكان إقامته. هذه الأرقام صادمة وغير مقبولة، لكن الأهم من ذلك، أن من الممكن تجنبها”.
وفي سياق متصل أكد المسؤول الطبي في تحالف مكافحة السرطان في لانكشاير وجنوب كامبريا الدكتور نيل سميث أنه شهد بنفسه الصعوبات التي يواجهها المرضى في الوصول إلى الخدمات الصحية.
وقال الدكتور سميث: “ينبغي أن تكون الرعاية عالية الجودة متاحة للجميع عند الحاجة إليها، لكن في بعض الأحيان، تكون الخطوة الأصعب هي مجرد الوصول إلى الطبيب في المقام الأول”.
“ستلقى حتفك”: الخوف من السرطان ناجم عن الجهل
بدأ نورمان مورس العمل في صيد الأسماك ببحر الشمال منذ كان في الـ15 من عمره، حيث كان يقضي فترات طويلة في عرض البحر لكسب رزقه.
وقال مورس (70 سنة)، الذي تم تشخيص إصابته بسرطان القولون بعد الخضوع لفحص التنظير في 2019، لصحيفة “اندبندنت” إن “أخذ إجازة من عمل خطر وشاق لزيارة الطبيب يعد رفاهية لا يملكها أمثاله”.
وأضاف مورس: “أنت تعمل لحسابك الخاص، لذا فإن أي وقت تأخذه كإجازة يكلفك مالاً. هناك ضغط على الصيادين للاستمرار في العمل من دون توقف”.
وأشار مورس إلى أنه بسبب عقلية “الرجال لا يتحدثون عن مشكلاتهم الصحية”، كان فهمه محدوداً لمعنى تشخيصه وخياراته العلاجية عندما تلقى الخبر.
وأوضح قائلاً: “ما تسمعه فعلياً هو أنك ميت”.
وعلى رغم مرور ثلاث سنوات على تشخيصه وخضوعه للجراحة، وصف مورس نتيجة علاجه بأنها “لا تصدق”. وأكد أنه الآن يعرف كثيراً عن السرطان وتداعياته، لكنه استدرك قائلاً: “هناك كثير من الصيادين النشطين [العاملين] الذين ما زالوا غير مدركين تماماً لهذه الأمور”.
وفي هذا السياق تأتي أهمية برنامج “سي أوير” التجريبي، الذي تديره جمعية Fishermen’s Mission الخيرية للرعاية البحرية. ويهدف هذا البرنامج إلى تبديد الأساطير والوصمات المرتبطة بالسرطان بين مجتمع الصيادين، مع العمل جنباً إلى جنب مع مقدمي الرعاية الصحية لتوفير خدمات مكافحة السرطان على أرصفة الموانئ.
وفي تعليقه على هذه المبادرة قال مدير الطب السريري الوطني لمكافحة السرطان في هيئة الخدمات الصحية الوطنية بإنجلترا البروفيسور بيتر جونسون: “إن توصيل الخدمات إلى المجتمعات، بدلاً من انتظار الناس ليأتوا إلينا، أمر حيوي لتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة”.
وأضاف جونسون: “نحتاج إلى التفكير بصورة نشطة ومستمرة في كيفية التغلب على الحواجز والصعوبات التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية”.
“التغيير ممكن”
في الوسع رؤية مثال واضح للمشكلة وحلها في حال سرطان الرئة.
وفقاً لتقرير مؤسسة أبحاث السرطان البريطانية، فإن ما يقارب نصف (47 في المئة) الوفيات الإضافية البالغة 28400 حالة سنوياً والمرتبطة بالحرمان الاجتماعي سببها سرطان الرئة.
وقد عملت هيئة الخدمات الصحية الوطنية الإنجليزية على معالجة هذه المشكلة من خلال برنامج فحص الرئة الذي يستهدف كبار السن ممن لديهم تاريخ في التدخين ويعيشون في مناطق ذات مستويات عالية من الحرمان ومعدلات مرتفعة للوفيات بسبب هذا المرض.
وقد ساعد هذا البرنامج في تشخيص ما يقارب 5500 حال من سرطان الرئة، معظمها تم اكتشافها في مراحل مبكرة.
وأكد البروفيسور جونسون إنه بفضل هذا البرنامج أصبح لدى الأشخاص من ذوي الفئات الأكثر حرماناً فرصة أكبر بتشخيص سرطان الرئة لديهم في مرحلة مبكرة. وأضاف “هذا أمر مهم للغاية لأنه يخبرنا أن وضع برنامج وتصميمه بصورة حسنة وتزويده بالموارد المناسبة، يمكننا بالفعل من إحداث فرق [التأثير وتغيير واقع الأمر]”.
ويعتبر خبراء الصحة أن نجاح هذا البرنامج يمثل نموذجاً يحتذى في مكافحة التفاوت الصحي [التفاوت الاجتماعي في مستويات العلاج الصحي]، ويؤكد أهمية تصميم برامج مخصصة تستهدف الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وفي ختام تصريحاته أشار البروفيسور جونسون إلى التحدي القادم قائلاً: “يتمثل التحدي أمامنا في الخطة القادمة لمكافحة السرطان في تحديد كيفية توسيع نطاق هذه الجهود، وكيفية البناء على هذه التجربة، وكيفية إيصال الخدمات إلى الناس بدلاً من انتظارهم ليأتوا إلينا”.
من جانبه أكد وزير الصحة ويس ستريتنغ الذي تعافى من سرطان الكلى ويشرف حالياً على تطوير خطة وطنية جديدة لمكافحة السرطان هذا العام، على أهمية التشخيص والعلاج المبكر.
وقال ستريتنغ: “أدرك تماماً مدى أهمية التشخيص والعلاج في الوقت المناسب. سيترتب على أهدافنا الجديدة لتشخيص وعلاج السرطان فحص نحو 100 ألف مريض إضافي في الوقت المحدد العام المقبل”. وأضاف “لقد بدأنا أيضاً في استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي الرقمية للمساعدة في اكتشاف المرض في مراحله المبكرة”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية