خرج عبد العزيز علي، الموظف الإداري السابق بإحدى المدارس الابتدائية في حي العمارات بالخرطوم، مرتجفًا من هول ما رآه، إذ عثر على قذيفة غير منفجرة مدفونة تحت كومة من القماش داخل مبنى المدرسة التي عاد لتفقدها بعد أن استعادت القوات المسلحة السيطرة عليها في أعقاب عامين من الحرب الأهلية.

القذيفة، التي يبلغ طولها نحو 40 سنتيمترًا وتشبه المقذوفات المضادة للدروع، ليست سوى واحدة من آلاف الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في شوارع ومباني العاصمة، والتي تهدد حياة المدنيين العائدين إلى منازلهم ومدارسهم بعد أن غادرتها قوات الدعم السريع.

تهديد كامن وسط الأنقاض

يحذر علي، البالغ من العمر 62 عامًا، من الخطر الذي تمثله هذه القذائف، قائلًا: “هذه مدرسة أطفال، ولا نستطيع إزالة هذه الأشياء بأنفسنا، يجب على الجهات المختصة التدخل فورًا”. ويشير إلى وجود قذائف أخرى ملقاة على الطريق قرب روضة أطفال، فضلًا عن صواريخ داخل سيارات مدمرة.

وفي مبانٍ أخرى، عُثر على طائرات مسيّرة وذخائر، بعضها أُزيل، لكن لا تزال مخاطر كبيرة قائمة، إذ يقول أحد الحراس: “يكفي انفجار واحد ليدمر كل المكان”.

عودة محفوفة بالمخاطر

منذ أن بسط الجيش سيطرته على مناطق واسعة من الخرطوم ووسط السودان، عاد أكثر من 100 ألف شخص إلى منازلهم، رغم استمرار الدعم السريع في شن هجمات بطائرات مسيّرة من مناطق سيطرتهم في غرب البلاد. لكن هذا النزوح العكسي يتزامن مع خطر القذائف والألغام، ما جعل العودة محفوفة بالموت.

وبحسب المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان، تم تدمير أكثر من 12 ألف جسم متفجر منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، في حين لا تزال أكثر من 5 آلاف قذيفة قيد التعامل، وسط تقارير عن مقتل 16 مدنيًا على الأقل وإصابة العشرات مؤخرًا بسبب هذه المتفجرات.

نقص حاد في الدعم والموارد

قال مدير مكتب المركز في الخرطوم، جمال البشري، إن هناك فقط خمس فرق تعمل بالعاصمة، وتركز جهودها على الطرق والمباني الحكومية، بينما يقدّر اللواء الركن خالد حمدان الحاجة إلى 90 مليون دولار لبدء عمليات المسح والإزالة بشكل فعّال.

فرق العمل، التي تعمل يدويًا في نقل القذائف، تبذل جهودًا مضنية لتأمين الأحياء، وبدعم جزئي من متطوعين ومبادرات محلية. في حي أمبدة، قال أحد القائمين على هذه المبادرات، حلو عبد الله، إنهم يتلقون ما بين 10 إلى 15 بلاغًا يوميًا.

ورغم تدخل كندا لدعم “برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام” بعد تعليق الدعم الأميركي، إلا أن الحاجة الملحة تبقى لمئات الفرق المتخصصة، في ظل صعوبات لوجستية، من بينها تصاريح الحركة التي تعيق عمليات التطهير.

مآسي مستمرة وسط غياب المسح الكامل

وفي مشهد مؤلم، فقد فتى يبلغ من العمر 16 عامًا ذراعه اليسرى وأُصيب بجروح خطيرة بعد انفجار قذيفة أثناء إزالة أنقاض منزل أسرته في جزيرة توتي. رواية عمه كشفت حجم الكارثة: “بينما كنا ننظف المنزل، انفجرت القذيفة فجأة، كانت مدفونة داخل كرسي بلا أي مؤشرات على وجودها”.

وفي ظل عدم وجود مسح كامل، يُترك الأهالي لحماية أنفسهم من خطر الموت الكامن في أنقاض منازلهم، وهو ما يجعل القذائف غير المنفجرة وجهًا جديدًا للحرب التي لم تضع أوزارها بعد، حتى بعد توقف الاشتباكات.