لم يفارق القلق نفوس أبناء الطائفة العلوية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد منذ أكثر من شهر، لا سيما بعد إعلان القوى الأمنية التابعة لإدارة العمليات العسكرية ملاحقة من وصفتهم بـ “فلول النظام” بغية اعتقالهم وتوقيفهم وسحب السلاح منهم. وبالتزامن مع عمليات الاقتحام والتفتيش التي تطاول غالبية مناطق الساحل غرب سوريا وأرياف حمص وحماة، ظهرت انتهاكات عدة قالت عنها “هيئة تحرير الشام” التي تتزعم العملية إنها “فردية” ولا تعبر عن موقف الإدارة الجديدة.
وفي آخر التطورات في الساحل، تمكنت حملة أمنية من فك أسر جنود يتبعون لإدارة العمليات العسكرية بعد أسرهم من قبل مجموعة مسلحة من “فلول” النظام السوري السابق، وكان قائد المجموعة أطلّ في مقطع مصور دعا فيه الإدارة إلى سحب قواتها من كامل منطقة جبلة بريف اللاذقية وإلا فسيعمدون إلى “ذبح الجنود بالسكاكين” بحسب تعبيره، ويأتي هذا التصرف بعد جملة تصفيات لشخصيات أمنية وعسكرية ارتكبت أعمالاً إجرامية بحق المعارضين.
“حزب الله”
وقال “مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن إن بسام حسام الدين أطل وأسر عناصر في منطقة عين الشرقية “على ما يبدو بتوجيهات من سهيل الحسن وجهات معينة لتأليب الرأي العام، لكنه قُتل وعاد الهدوء للمنطقة”.
وأضاف في تصريحات صحافية أن هذا يفسر وجود “حزب الله” والنظام وكذلك “داعش” وسط تساؤلات يتم تداولها حول أين ترك “حزب الله” سلاحه؟ وتابع “لقد انتهى الحزب لكن هناك من يريد أن يعود وهؤلاء ينتظرون التسليح من إيران، فإيران و’حزب الله‘ وفلول الحزب يريدون ضرب السلم الأهلي وأن يطلوا برؤوسهم من جديد”.
وكان حكم حافظ الأسد للبلاد منذ عام 1970 بانقلاب في صفوف الحزب الحاكم، وزج قادته في السجون ونفيهم خارج البلاد في ذلك الوقت، واستحواذه على قيادة البلاد ومن بعده ابنه بشار طوال خمسة عقود، أتاحت لأبناء الطائفة العلوية وهي الطائفة التي ينتمي لها الأسد، من تسلّم مناصب في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي أحكمت قبضتها على الحياة السياسية والحكومية، وفي المقابل لم يكُن كل العلويين مؤيدين لتصرفات عائلة الأسد، بل إن معظم أبناء الطائفة عاشوا ظلم عائلة حكمت البلاد بالنار والبارود وسخّرت الطائفة للحفاظ على سدة الحكم.
وروى المحامي والناشط الحقوقي جبران عطا الله عن وجود عائلات طاولها “جور العائلة الحاكمة”، ونوّه أنه لا بد من التفريق بين الطائفة العلوية والطائفة الأسدية، وتابع أنه “لا بد من التفريق بين تلك الطائفتين فقد كان الموالون والمقربون من الأسد ومن كان في الحكم يتمتعون بكل الامتيازات والقبضة الحديدية لممارسة الظلم والفساد حتى على أبناء العلويين الذين ترفض غالبيتهم ما حدث عام 2011 وما بعده من حرب أهلية، ويعتبرون أن الحل الأنسب في ذلك الوقت كان يقضي بتسليم الأسد للسلطة وتجنب الحرب الداخلية بدلاً من زج أبناء الطائفة منذ عقد من الزمن في صراع أهلي، فسقوط شبابهم ليس دفاعاً عن الوطن كما كان يروج له النظام بل لحماية كرسي الرئاسة”.
تفاؤل حذر
ورأى عطا الله أن “وجود أصوات من المعارضة في وجه الأسد كان له دور مهم وكبير في الانتفاضة السورية، ومن أبرزها القيادي البارز في ’حزب العمل الشيوعي‘ عبدالعزيز الخير المعتقل منذ الـ20 من سبتمبر (أيلول) عام 2012 وما زال في عداد المفقودين، ولا أثر له حتى بعد سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، فقد رفع وعلويون معارضون للظلم الصوت عالياً في وجه النظام”.
والعلويون الذين يشكلون نسبة تناهز 12 في المئة من إجمالي عدد سكان سوريا (قرابة 23 مليون نسمة) يلجأون إلى الانكفاء خلال هذه الفترة وسط اضطرابات تسري في قراهم، بينما يقول الشاب تمام “نلتزم بيوتنا خلال هذه الفترة، نشاهد كل شي على وسائل التواصل الاجتماعي ونشعر بالخوف، هل سنذبح؟!. وحين نشاهد تطمينات الإدارة الجديدة نشعر بالتفاؤل، لكنه تفاؤل حذر، نريد القانون والعدالة حيال كل من أساء وظلم بصورة عادلة، نريد محاكمات عادلة ونستهجن هذه الطريقة من القتل والتصفيات في الشوارع، ونرفض ثقافة الثأر لأنها لا تولد إلا مزيداً من الدم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، طالبت أصوات بالحماية الدولية لـ”كف يد ’هيئة تحرير الشام‘ والإدارة الجديدة التي يتزعمها أحمد الشرع”، عن الساحل السوري والتزام تطبيق محاكمة عادلة للخارجين عن القانون.
ويتحدث خبراء عن لجوء “فلول النظام” إلى الساحل أو إلى ريف حمص الجنوبي والمناطق الحدودية القريبة من لبنان حيث الجبال وعرة ويصعب الوصول إليهم بغية التخفي والتواري عن الأنظار، ومن جهة ثانية لتأليف خلايا مقاتلة تنتظر الدعم من الحرس الثوري الإيراني، وتشكيل ما يسمى “مقاومة شعبية” تتألف من أمنيين وعسكريين سابقين في النظام.
وظهر شخص يدعى صالح المنصور في مقطع مصور أثناء حضور تشييع في قريته، مطالباً بالحماية من الحكومة الفرنسية لضمان حقوق أبناء الطائفة العلوية إذا ما بقيت حالات الخطف وقتل الشبان والتصفية، وتوعد بإعداد وثيقة تضم ملايين التواقيع من الطائفة العلوية لتسليمها إلى الأمم المتحدة.
دعوات “مشبوهة”
في المقابل، سارع عدد من مشايخ الطائفة العلوية، ومن بينهم رئيس شعبة أوقاف القرداحة الشيخ عيسى بهلول إلى استنكار حديث المنصور وأكدوا أنه لا يمثل الطائفة وهو غير معروف من قبلهم، وأصدروا بياناً جاء فيه “نستنكر كل ما تحدث به جملة وتفصيلاً ونكذب الأخبار التي تتحدث عن قتل للطائفة العلوية لمجرد أنهم علويون، وهذا عارٍ من الصحة جملة وتفصيلاً، إلا بعض الحالات التي تكون لها أسبابها وليست للهيئة صلة بها، كما نستنكر كلامه حول الاستعانة بأية جهة خارجية للتدخل في الشأن السوري الداخلي”.
ودعا وجهاء الطائفة إلى محاسبة كل من يثبت تورطه بارتكاب جرائم بحق الشعب السوري كائناً من كان بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو الديني أو العرقي والمحافظة على السلم الأهلي في كل المناطق، وإدانة ما قامت به العصابة الخارجة عن القانون في قرية عين الشرقية بعد اختطافهم عناصر من الأمن العام أثناء قيامهم بواجبهم.
إلى ذلك تستمر القوى الأمنية منذ أسابيع بتمشيط واسع لأراضي الساحل وأطلقت حملات اعتقال تطاول الخارجين عن القانون والرافضين لتسليم السلاح والآلاف من أفراد الجيش والأمن.
وكانت “حركة الشغل الديمقراطي” التي تضم شخصيات سورية من مختلف المكونات بمن فيها معارضون علويون منذ عام 2011 أصدرت بياناً يدين بصورة غير مباشرة خطاب صالح حسن المنصور، إذ أكدت الحركة رفضها القاطع للدعوات المشبوهة المطالبة بحماية دولية، واعتبرت الحركة وفق بيان صادر عنها أن هذا يشكل تهديداً للسلم الأهلي ووحدة البلاد.
في وقت تظهر مقاطع مصورة أشخاصاً مسلحين يبرحون معتقلين ضرباً وتعذيباً، وإعدامات لأشخاص مضرجين بالدماء، ويطالب أبناء الطائفة العلوية الإدارة الجديدة بالإسراع لوقف الانتهاكات الفردية التي أثارت مخاوف واسعة بين الأهالي والعائلات.
نقلاً عن : اندبندنت عربية