كتبت رانيا حسن
إن القوة الناعمة، تلك القدرة السحرية التي تمنح الفرد القدرة على الجذب والتأثير بوسائل الإقناع التي تنبع من القيمة والوجدان، هي جوهر ما تمتلكه مصر. فبلاد الكنانة تفخر بتراثها الثقافي الغني، حيث يبرز كوكبة من الكتّاب والصحفيين والفنانين الذين يشكلون ضمير الأمة وينحتون في وعي الشعب.

أنا من المحظوظات اللواتي أتيحت لهن الفرصة لحضور عدد متنوع من الصالونات الثقافية والفنية، والتي تشهد حراكاً ثقافياً يلمس الروح ويعزز الفكرة. ورغم سعادتي الغامرة، فإنني أجد نفسي أمام تساؤل هام : لماذا لا تنتشر هذه الفضاءات التعبيرية في أرجاء الوطن ؟ ولماذا لا تُبث فعالياتها على الشاشات، خصوصاً على المحطات ذات الجماهيرية الكبيرة، لتصل لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع؟

إنه سؤال يطرح نفسه أمامنا، فهل نحتاج لمزيد من الوعى والتفعيل لنعبر بجمال الفنون والثقافة إلى عوام الناس، ونمنحهم فرصة الاحتكاك بمثل هذه التجارب الراقية؟
قبل أيام تلقيت دعوة رقيقة من صديقتي الكاتبة الصحفية دينا شرف الدين، للانضمام إلى صالون الإعلام. كان موضوع الندوة “ثلاثية القوة الناعمة: كلمة السر لتعزيز مكانة الدولة والحفاظ على استقرارها”. وقد نظم هذا الحدث المميز صالون الإعلام، الذي أسسه الإعلامي أيمن عدلي، رئيس لجنة التدريب والتثقيف بنقابة الإعلاميين. انعقدت الندوة في مكتبة مصر، بمشاركة نخبة من الشخصيات اللامعة في مجالات الإعلام والفن والثقافة.
الندوة كانت تضم مجموعة من الخبراء والمثقفين الرفيعي المستوى، من بينهم د. رشا يحيى، الأستاذة بأكاديمية الفنون، ود. نيفين مكرم، الأستاذة بأكاديمية السادات، والكاتبة الصحفية دينا شرف الدين، والكاتب الصحفي عبد الله حسن. كما حضر أيضاً د. جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، والعميد محمد سمير، المتحدث العسكري السابق، والفنان التشكيلي حسين نوح، بالإضافة إلى الكاتب الصحفي أحمد أيوب، رئيس تحرير جريدة الجمهورية.

هل ترون هذا الجمع ؟ 
لقد تحدثوا بعمق عن أهمية الإعلام والفن والثقافة، التي تُعد أعمدة أساسية في بناء الوعي المجتمعي. مواجهة الشائعات والأفكار المتطرفة، وكذلك التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب مواطنًا واعيًا ومثقفًا، قادرًا على فهم المشكلات وحلها بطرائق إيجابية. إن تثقيف المواطن يعد من أولوياتنا، ويبدأ بتطوير منظومة التعليم وتعزيز دور الإعلام في نشر الحقائق.

لا بد من إنتاج محتوى ثقافي وفني هادف يسهم في صياغة الشخصية الوطنية، فهذا يعتبر واجبًا قوميًّا. يجب أن نُعلي الوعي بمخاطر التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والإعلام الموجه، ونعلّم الأفراد كيفية التحقق من المعلومات ومواجهة محاولات الاستقطاب الفكري. فبناء مجتمع قوي يبدأ من بناء إنسانٍ مثقف وواعٍ، لأن وعي المواطن هو درعنا الأول أمام التحديات التي تواجه دولتنا.

“سؤال ينبض بالأهمية: لماذا كل هذه الكلمات المؤثرة والتوعوية لا تكون في متناول جميع المواطنين؟ 
لا أقصد حاضري الصالون فقط، بل أتحدث عن الطلاب والشباب وكل فئات المجتمع. إن هذا التساؤل يؤرقني وأرغب بشغف في إيجاد إجابة.”

ليس هذا فقط فاقبل أيام قليلة، جاءني ايضا شرف الدعوة من مخرج له مكانته الكبيرة في عالم الفن، وهو أشرف فايق الذي أبدع في صالونه الفني المعروف بـ “كلام ف السيمّا”. هذا اللقاء يُعقد في الخميس الثاني من كل شهر بسينما الهناجر، التابعة لقطاع صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية.
في صالونٍ يفيض بعبق الفن وتاريخ السينما المصرية، يسعى فايق عبر صالونه إلى إلقاء الضوء على رموز فريدة أدت أدوارًا حاسمة في صياغة هذا الفن الرفيع . وفي هذا الشهر، يختار لنا شخصية بديعة، قوية التأثير، إنه المنتج الكبير حسين القلا، ذلك الفلسطيني الذي أحاطه عشقُه للحكايات المصرية بكل تفاصيلها.

سحر هذا الصالون يكمن في القرب من النجوم، سواء أكانوا تحت الأضواء أمام الكاميرا أم خلفها. 
وعندما تحدث عنه المخرج أشرف فايق، أطلق عليه لقب “المنتج النجم الجريء المغامر”، تاركًا بصمته في مجال استثنائي.

نتعرف على مشوار القلا الفني الممتد لأكثر من خمسين عامًا، الذي بدأ بدعمه للمخرج العالمي يوسف شاهين في فيلمه “حدوتة مصرية”، ثم توالت خطواته ليقدم كوكبة من الأعمال التي تعتبر علامات مضيئة في تاريخ السينما المصرية.

كانت هناك احتفالية رائعة في صالون “كلام في السيما” لتكريم هذا المنتج الجريء، وتوافد الفنانون على هذا الحدث المبهج، منهم المخرج الكبير محمد فاضل والنجمة فردوس عبد الحميد، ومدير التصوير السينمائي المتميز المخرج دكتور محسن أحمد، وكذلك كبير مهندسي الديكور السينمائي دكتور محمود محسن، والمخرج التليفزيوني اللافت مجدي أبو عميرة، وكاتبة السيناريو والناقدة حنان البنبي.

إن الجلوس مع هؤلاء الكبار والاستماع لآرائهم وذكرياتهم الفنية يعد تجربة غنية ومعززة للوعي، تفتح الأبواب أمام الفكر والفن وتعمل على إثراء الروح بألوان الإبداع.
”أترون ما يضج به المسرح الثقافي من حراك محموم ؟ 
أين موقع المواطن العادي في هذه الدائرة الواسعة من الإبداع والفكر؟ نداء موجه إلى المسؤولين، عسى أن يجدوا الوسيلة المناسبة لنشر هذه الصالونات الثقافية، لما تبوح به من بئر عميق من الوعي والفكر. أنهم يسهمون في بناء وطن مستقر، في زمن تتأرجح فيه الأوضاع. إن القوة الناعمة هي جند مصر البواسل الذين لا يحتاجون إلى بزات عسكرية لتأدية واجبهم. أهيئوا لنا فرصة، لنصنع من الثقافة حصناً ضد الفوضى، ولنعمل معاً في سبيل ذلك.”

نقلاً عن : الوفد