تظل صناعة الكنافة البلدي واحدة من أبرز العادات الرمضانية التي يحرص عليها أهالي محافظة سوهاج، لما تمتاز به من طعم مميز وقوام مختلف عن الكنافة الآلية، مما يجعلها الخيار المفضل لربات المنازل لتحضير أشهى الحلويات الرمضانية. ورغم ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المعيشية، لا يخلو بيت من الكنافة البلدي، التي تُعتبر من الحلويات الأقل تكلفة مقارنة بالأنواع الأخرى، وتعود جذورها إلى الدولة الفاطمية، حيث كانت تُصنع داخل المنازل.

حرفة متوارثة ومصدر رزق

يؤكد حمدي عبد الرحيم، أحد صانعي الكنافة البلدي، أن هذه المهنة هي إرث عائلي توارثه عن والده منذ أكثر من 20 عامًا، وهي مصدر رزقه الوحيد الذي يعتمد عليه وأبناؤه رغم حصولهم على مؤهلات جامعية، لكنهم فضلوا الاستمرار فيها بسبب قلة فرص العمل.

ويشير إلى أن الطلب على الكنافة البلدي يكون مرتفعًا طوال شهر رمضان، مما يتطلب جهدًا مضاعفًا لمواكبة الإقبال الكبير، رغم أن لها زبائن دائمين على مدار العام.

طريقة التحضير وسر الطعم المميز
يوضح محمد جمال، أحد العاملين في هذه المهنة، أن الكنافة البلدي تُصنع بمكونات بسيطة: الدقيق، الماء، الملح، وصاج كبير مع موقد غاز. ويستخدم الصانع كوزًا معدنيًا لصب العجين على الصينية الدوارة، ليشكل خيوط الكنافة التي تكتسب لونها الذهبي المميز عند النضج. ويضيف أن الكنافة البلدي تمتاز بمرونتها وعدم امتصاصها للزيوت والسمن، على عكس الكنافة الآلية المنتشرة في الأسواق.

تحديات الصناعة وتنافسية الكنافة البلدي
يؤكد جمال أن ارتفاع أسعار الكنافة هذا العام يرجع إلى زيادة تكلفة مستلزمات الإنتاج، حيث بلغ سعر الكيلو 50 جنيهًا، ومع ذلك لا تزال تحظى بإقبال واسع من المسلمين والأقباط خلال شهر رمضان، باعتبارها خيارًا اقتصاديًا مقارنة بالحلويات المصنعة.

ورغم انتشار الكنافة الآلية في مدن وقرى سوهاج، إلا أن الكنافة البلدي استعادت شعبيتها هذا العام بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأخرى، ما جعل الأسر تلجأ إليها كبديل للحلويات الجاهزة. ويشهد صانعوها إقبالًا متزايدًا قبيل موعد الإفطار، مما يجعل شراءها طقسًا رمضانيًا متوارثًا.

بين التقليد والحداثة
يرى محمود عبد اللاه أن أفران الكنافة البلدي تشهد ازدحامًا كبيرًا في القرى، حيث يفضلها الأهالي على الكنافة الآلية رغم فارق السعر، إذ تُباع الأخيرة بـ40 جنيهًا للكيلو. في حين يوضح رأفت عكاشة أن تحضير الكنافة البلدي يبدأ بعد صلاة الظهر، حيث يتم تجهيزها يدويًا بوسائل تقليدية، ما يجعلها أكثر تميزًا عن الكنافة الآلية التي تتطلب معدات باهظة.

أما عبد العال محمد، فيحذر من اندثار هذه المهنة نتيجة الانتشار السريع لماكينات الكنافة الحديثة، مشيرًا إلى المشهد التقليدي الذي اعتاد عليه الناس في سوهاج، حيث يقف صانع الكنافة في الشارع تحت مظلة بسيطة، مستخدمًا أدواته التقليدية ليصنع خيوط الكنافة بحركات دائرية متقنة، في مشهد يعكس أصالة المهنة التي لا تزال تحتفظ بسحرها رغم تغير الزمن.