يتساءل الليبيون اليوم عن موعد جني ثمار تحسن مستويات القدرة الشرائية للدينار، خلال وقت أحرزت الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي اختراقات متقدمة على صعيد سوق الصرف الموازية التي تعانيها البلاد، ليهبط الدولار صوب ستة دنانير من تسعة دنانير قبل شهر من الأزمة المتفجرة، على خلفية قرار المجلس الرئاسي في البلاد إقالة المحافظ السابق الصديق الكبير وتعيين آخر، في خطوة عدها مجلس النواب مخالفة للصلاحيات الممنوحة لـ”الرئاسي” بموجب الاتفاق السياسي.
المحافظ الجديد لـ”المركزي الليبي” ناجي عيسى والذي يزور حالياً العاصمة الأميركية واشنطن على رأس وفد بلاده للمشاركة في اجتماعات صندوق النقد الدولي، تعهد العمل على تقوية الدينار الليبي وتنظيم سوق الصرف الأجنبي وتوفير السيولة، والتوسع في المدفوعات الإلكترونية في بلاده بموجب خطة قصيرة الأجل، بحسب ما أبلغ مسؤولين من المؤسسة الدولية.
حصار سوق الدولار
تجلت إحدى ملامح خطة المحافظ الجديد لمصرف ليبيا المركزي حين أصدر قراراً منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الجاري يتعلق بتشديد الرقابة على عمل شركات الصرافة المرخص لها بالعمل في البلاد، عبر مراجعة الشركات التي سبق الموافقة لها على مزاولة النشاط من قبل الإدارة السابقة للمصرف، عبر تعبئة نماذج جديدة ستخضع بدورها إلى مراجعة قسم متابعة المؤسسات المالية غير المصرفية بإدارة الرقابة على المصارف والنقد، اعتباراً من الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ومن بين حزمة الإجراءات المتخذة على صعيد تطويق السوق الموازية للصرف في ليبيا، أصدر المصرف المركزي خلال وقت سابق من الشهر الجاري المنشور رقم 16 في شأن الضوابط المنظمة للتعامل بالنقد الأجنبي، والتي من بينها الاعتمادات المستندية والأغراض الشخصية وتحويلات المغتربين والحوالات الخارجية المباشرة للشركات الصناعية والجهات الاعتبارية العامة وشركات الطيران والتأمين، متضمنة ضوابط جديدة تشدد أعمال الرقابة على تداول النقد.
متى يتراجع التضخم؟
لكن مع النجاحات السريعة المحرزة على صعيد محاصرة السوق الموازية للصرف في ليبيا والحد من صور المضاربات مع النزول بسعر صرف الدولار أمام الدينار الأميركي إلى مستوى ستة دنانير، يتبادر السؤال الأوضح لدى المواطنين الباحثين عن قدرة شرائية أكبر لعملتهم الوطنية حول موعد وكيفية استجابة معدلات التضخم في البلاد للهبوط الأخير في سعر العملة الأميركية، وانعكاس ذلك على أسعار السلع والمنتجات التي تستورد البلاد غالبها من الخارج.
ويلقي المتخصص في الشأن الاقتصادي بجامعة “مصراتة” مختار الجديد اللوم على التجار والمستوردين في بطء استجابة أسعار المنتجات للتراجع الملحوظ في سعر الصرف، ويقول إن ارتفاع الدولار الأميركي لبضعة أشهر سرعان ما يترجم في استيراد السلع والبضائع بكلفة أعلى، لكن مع تراجع الدولار صوب مستويات متدنية، فإن الأسعار لا تستجيب بالسرعة ذاتها، بدعوى شراء البضائع بأسعار الصرف المرتفعة، وهو أمر يتفهمه المتخصص الاقتصادي.
“جشع التجار”
لكن في المقابل يقف مختار الجديد من التجار والمستوردين موقف المستهجن خلال الآونة الأخيرة، معتبراً أن احتفاظهم بأسعار البضائع والسلع على ارتفاعها غير مبرر، مضيفاً “في المرة الأخيرة لم يستمر ارتفاع السعر فترة طويلة وعاود الانخفاض سريعاً ولم يشتر التجار بضائع بسعر صرف مرتفع، وما حصل في ارتفاع الأسعار هو زيادة سعرها على الأرفف والمخازن لذلك لا عذر لهم في عدم تخفيض الأسعار، خصوصاً مع ارتفاع أرباحهم خلال الأسابيع الماضية واستغلالهم ارتفاع سعر الصرف ورفعهم للأسعار بينما البضائع على الأرفف من دون تغيير في الكلفة”.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى توقعات باستقرار معدلات التضخم في ليبيا خلال عامي 2024 و2025 عند مستوى 2.4 في المئة، بفعل انخفاض أسعار السلع الأساس العالمية واستقرار السياسات النقدية بفعل انتهاء أزمة المصرف المركزي، خلال وقت سجل التضخم في العام الماضي زيادة بنحو 2.4 في المئة استناداً إلى بيانات مصرف ليبيا المركزي.
اكتناز الدولار
وفي المقابل ثمة ما هو أكثر أهمية من تراجع سعر الدولار أمام العملة الليبية، فمن منظور رجل الأعمال الليبي حسني بي تحظى عودة الثقة في الدينار بأهمية أكبر، ولعل أحد أهم مؤشرات تجدد تلك الثقة خلال الوقت الراهن هو تراجع الطلب على بطاقات الـ4000 دولار بنسبة 95 في المئة خلال أكتوبر الجاري مقارنة بسبتمبر (أيلول) الماضي، في ظل غياب مردود المضاربة على شراء البطاقات.
وخلال الآونة الأخيرة يلحظ حسني بي ظاهرة التخلص من الدولار لدى قطاعات واسعة من مكتنزيه قبل أسابيع، مسرعين نحو تحويل مدخراتهم إلى العملة المحلية، وهو ما من شأنه الدفع صوب تراجع أسعار السلع والمنتجات والخدمات خلال أقل من 90 يوماً، وهو الهبوط الذي عكسته مؤشرات مصرف ليبيا المركزي حين كشفت عن تراجع التضخم نحو اثنين في المئة في أكتوبر الجاري على أساس شهري.
تضخم عصي
وسجل التضخم خلال سبتمبر الماضي 2.7 في المئة مقارنة بـ2.5 في المئة خلال أغسطس (آب) من العام الماضي بحسب بيانات “المركزي الليبي”، مشيراً إلى أن هذا الارتفاع يأتي استجابة لضغوط تضخمية متزايدة في عدة قطاعات حيوية، أبرزها المواد الغذائية والمشروبات الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 0.5 في المئة ليصل المؤشر إلى 354.3 نقطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسجل أحدث تقرير من برنامج الأغذية العالمي ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية في ليبيا بصورة ملحوظة، إذ زادت كلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء الأساس بنسبة 3.3 في المئة بين شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، لتصل إلى 984.4 دينار ليبي (203.8 دولار)، مع ملاحظة تباين في ارتفاع الأسعار بين المناطق بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور 900 دينار ليبي، أو ما يعادل 186 دولاراً.
وسيظل التساؤل حول موعد انعكاس تراجع سعر الدولار أمام الدينار الليبي على فواتير المواطنين حديث الشارع الليبي والشغل الشاغل لدى قطاعات واسعة أرهقتها الأزمة الاقتصادية التي عانتها البلاد بفعل الانقسام السياسي والاقتتال الأهلي، خلال وقت تتراشق الحكومتان في شرق وغرب البلاد الاتهامات بالمسؤولية حول تفاقم الأوضاع الاقتصادية وشيوع الفساد.
نقلاً عن : اندبندنت عربية