حين أرجأت الإدارة الجديدة في سوريا تنظيم المؤتمر الوطني إلى وقت لاحق، استشعر الشارع السوري بالارتياح لما لهذا التأخير من فوائد تتعلق بالتوصل إلى مخرجات مهمة في أكثر الظروف صعوبة، على رغم الانتقادات التي تطاول العهد الجديد بالإسراع حيال ترسيخ حال الاستقرار السياسي والأمني.

أتى هذا التأجيل بأكثر الأوقات صعوبة في تاريخ سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتسلم إدارة العمليات العسكرية بقيادة أحمد الشرع زمام السلطة، وكل المؤشرات تدل على أنه رجل المرحلة المقبلة في البلاد حال إجراء انتخابات رئاسية مقبلة بعد صياغة دستور جديد.

ضمان استقرار سياسي

ويرجح عضو لجنة تنسيق مؤتمر الحوار الوطني السوري، مؤيد قبلاوي انعقاد المؤتمر في فبراير (شباط) المقبل، ويعزو هذا التأجيل الحاصل إلى استمرار المشاورات مع كافة أطياف الشعب السوري، وأعلن في تصريحات صحافية عن تقييمات مجتمعية وصلت إلى اللجنة التحضيرية المبدئية وضرورة تمثيل أكثر عمقاً لكل أشكال الشعب السوري وأطيافه.

ولفت النظر قبلاوي إلى ضرورة تأسيس معايير تمثيلية مقبولة لدى كل الأطياف، والعمل على تشكيل لجنة دستورية وإطلاق إعلان دستوري موقت لسد الفراغ الدستوري الذي تعانيه المرحلة الحالية، في حين يسعى منظمو المؤتمر إلى ضمان استقرار سياسي، وعدم حضور أية أطرف خارجية للحفاظ على حوار وطني سيادي، ومن المرجح أن تحضر وفود دولية بصفة مراقبين لمناقشة صياغة دستور جديد وتعليق البرلمان.

وفي المقابل يسري تفاؤل لدى فريق بين معارضي نظام الأسد في الخارج حيال هذا التأخير على اعتبار أن ذلك من الممكن أن يجعل المؤتمر أكثر نضجاً بدلاً من صناعته على عجل.

 وعبر عن ذلك رئيس مجلس الائتلاف الوطني لقوى الانتفاضة السابق، جورج صبرا بتفاؤل قائلاً “‏يبدو تأجيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي أعلنت عنه قيادة العمليات العسكرية في وقت سابق، أمراً حسناً، فلكي ينجز المؤتمر مهامه المطلوبة في التأسيس للمرحلة الانتقالية ومدرجاتها ومؤسساتها ومهامها كما يجب، يحتاج لفترة تحضير مناسبة، تتولى مسؤوليتها لجنة حسنة التمثيل واسعة الخبرة”.

أما الأمين العام للحركة السياسية الوطنية زكريا ملاحفجي، يرى في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن النقاش حول المؤتمر الوطني لا يزال يأخذ أصداء لا سيما بوجود محافظتين خارج جغرافية السيطرة الحكومية وهما (الرقة والحسكة) ولدينا نقاشات طويلة حولهما.

وأضاف، “ينبغي على المؤتمر أن يعبر عن قوى سورية ومكونات، ومن المرتقب أن تنبثق منه هيئتان الأولى لها علاقة بصياغة الدستور وثانية أشبه بهيئة استشارية ورقابية تتعلق بالحكومة الانتقالية”.

اجتماع مغلق

وهذا الموضوع جرى فيه نقاشات بين قوى الائتلاف الوطني وإدارة العمليات العسكرية، وهو موضوع حساس، ولا بد من أن يعبر عن رضا السوريين وذهابهم لهذه الخطوات، وهو تحد كبير ويستلزم النجاح به بصورة صحيحة، بحسب رأيه.

وكشف “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” عن فحوى لقاء جمع بين رئيس الائتلاف، هادي البحرة ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس من جهة وقائد الإدارة الجديدة في دمشق، أحمد الشرع من جهة ثانية في قصر الشعب وسط أجواء إيجابية.

الاجتماع المغلق بين الطرفين بجناحيه السياسي والعسكري يأتي وسط الحديث عن المؤتمر الوطني القادم، الذي أخذ سبل نجاحه حيزاً واسعاً من اللقاء، بينما جاء في بيان لائتلاف قوى الانتفاضة دعم جهود الحكومة الموقتة في دمشق في ظل الظروف الصعبة، وأضاف “بحث الاجتماع المؤتمر الوطني المرتقب انعقاده، ولم يتطرق الاجتماع إلى طرح أو بحث أي محاصصات أو مناصب أو أي قضايا لا تهم عموم الشعب السوري”.

ومع ذلك يأتي التريث بانعقاد المؤتمر كما يرى مراقبون مفيداً من جهة أن يكون أكثر “شمولاً” لكل الأطراف السياسية، وجميع المكونات، وهذا ما يعطي نقطة إيجابية في وقت تشهد سوريا حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق مع الدول الأجنبية والعربية، واتصالات مهمة تعزز من عودة دمشق مجدداً للمحيط العربي، ولعل آخرها لقاء مؤتمر الرياض.

خريطة طريق

ويَعد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، جلسات المؤتمر بـ”الجيدة” وأن عقد المؤتمر الوطني بأقرب وقت يطمئن الداخل والخارج، “ويجب أن يخرج بخريطة طريق واضحة المعالم”، وكشف في الوقت ذاته عن تلقي الأمم المتحدة ما وصفها بالضمانات تتعلق بوجود هيئة انتقالية خلال ثلاثة أشهر في سوريا، وتضم هذه الهيئة كل مكونات الشعب السوري.

في المقابل يظل المجتمع المدني بكل أحزابه وأتباعه يشعر بالقلق من الانتهاكات الفردية المقلقة والفلتان الأمني الحاصل علاوة على التصفيات، والجرائم التي يرتكبها الأفراد في ظل غياب رادع أمني، على رغم تصريحات سابقة لقائد العمليات العسكرية، أحمد الشرع يبث بها تطمينات بعدم المساس بحقوق كل السوريين، والاستقرار الأمني والسلم الأهلي، والاحتكام للعدالة بخصوص من تلوثت أيديهم بالدماء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسارعت شخصيات من المجتمع المدني بعد أيام من سقوط النظام بالاحتكام للشارع والتظاهر على خلفية الإجحاف بحقوق المرأة مطالبين بتمثيل لها، فضلاً عن المطالبة بالعلمانية والديمقراطية بعد تأليف حكومة جلها من الإسلاميين، أو حكومة الإنقاذ التي كانت سابقاً تحكم في إدلب شمال غربي سوريا من دون أي تنوع سياسي وطائفي في حكومة تسيير الأعمال، وصولاً إلى احتجاجات حول الانتهاكات التي تمارس في الفترة الأخيرة في حق ما تصفهم هيئة تحرير الشام بـ”فلول النظام”.

إلى ذلك وقعت شخصيات مدنية بياناً طالبت الإدارة الجديدة بقضايا عدة أبرزها ضرورة الإعداد الجيد للمؤتمر الوطني وعدم الاستعجال به وعقده بمنتهى الحرص تفادياً لأية أخطاء قد تبدل أو تشوش الهدف المنشود من المؤتمر وتحوله من عامل استقرار وتقدم إلى عامل خلاف وشقاق ونزاعات لا يعرف لها نهاية، مطالبين الإدارة الجديدة بانتخاب لجنة تحضيرية تشاركية من أفضل الكفاءات الإدارية والقانونية والتنظيمية، وإجراء مشاورات واسعة مع قوى ومنظمات وشخصيات وطنية لمعرفة رأيهم بتنظيم المؤتمر ومواضيعه واختيار المشاركين فيه، وآليات النقاش عدا عن وضع أسس ومعايير واضحة وشفافة لاختيار المشاركين في المؤتمر.

نقلاً عن : اندبندنت عربية