إن الحديث عن عيد المرأة ليس مجرد حديث عن مناسبة عابرة نحتفل بها في كل عام بل حديث عن رمزية عميقة تجسد دور المرأة في تشكيل ملامح التاريخ الإنساني، وفي عيدها العالمي، لا نُعيدُ طرح الأسئلة التي أرهقتها التكرارات، بل نُسجِّل الحقيقة كما وُجدت حتى نتفادى من عبثيّة الحقيقة، فهي ليست ضلعًا قاصرًا، ولا كائنًا اجتماعيا ضعيفا يبحث عن اكتماله في غير ذاته، هي كيانٌ متكامل، روحٌ حرة، ووجودٌ يفيض بالحياة والمعنى، لا يُختزل في دور مرسوم، ولا وظيفة محددة سلفًا.
و منذ أن ارتقت خشبة المسرح، كانت كأنها أنشودة العائدين، حين تتراقص ومنذ أن أمسكت الفلاحة بمعولها في الحقل، ومنذ أن دخلت قاعات المعرفة، وخطّت اسمها على جدران الفنون والآداب، أعلنت المرأةُ للعالم أنها ليست ظلًّا لأحد، بل شمسًا لها إشراقها الخاص،
حتى في الفن بما فيه من تحرر وتمرد وتجريب، كان شاهدًا على ذلك الحضور الأنثوي الأصيل، من السريالية التي مزّقت قوالب الوعي الجامد، إلى الحداثة التي فتحت أبواب الخيال، إلى النسوية التي رفضت أن تُصوَّر المرأة موضوعًا للمتعة، بل رسّامة ترسم ذاتها والعالم برؤيتها الخاصة.
المرأة في الفن ليست حكاية طارئة على القرن العشرين، بل هي قصة ضاربة في جذور الضوء واللون، في الذاكرة الأولى للبشر، وعلمت العالم كيف يكتب عنها على جدران الكهوف التي كانت تُصوّر كأم وصائده، نِدًّا للرجل، لا أقل شأنًا منه، وفي أساطير الحضارات الأولى، لم تكن كائنًا تابعًا، بل كانت تحكم وكانت آلهة تُعبد : إيزيس، وكيليوباترا، رموزٌ خالدة، لا تمثل مجرد قِوَى خارقة، بل هي التجسيد الأول لسلطة الأنثى في خيال البشرية، وحين أزهرت الفنون، حملت المرأة وجه الجمال والتراجيديا معًا، في المسرح ، وفي الأوبرا كانت الصوت العميق المترنم بالحب والخذلان، في كارمن وفي اللوحات تحولت من صورة باهتة في أروقة دافنشي إلى رمز للمقاومة على مر العصور بأشكال مختلفه
أما السينما، هذا الفن الذي وُلد ليحاكي الحياة، فلم يكن دخولها عاديًا، بل كان إعلانًا عن عودة الصوت المسلوب فالمرأة لم تقتحم الشاشة فحسب، بل أعادت تشكيلها لم تكن المرأة متفرجةً قط، بل كانت دومًا في قلب المشهد، تؤلّف، تُغني، تُخرج، ترسم، وتُعيد تعريف ذاتها في كل مرة حاول أحدهم حصرها، ليست نصفًا باحثًا عن تكامل، بل كُلًّا له ملامحه النقية، وصوته الفريد، وموقعه الذي لا يُمحى من زوايا الفن، لذا فهي النور الذي لا يخبُو، والجمال الذي لا يُقيد، والقوة التي لا تنكسر بل نجمة لا تعرف الغياب، باقية فوق سماء الإبداع مشرقةً، لا تتبدّل رمزية حضورها، لأنها لم تكن يومًا تفصيلًا في اللوحة، بل كانت اللوحة ذاتها.
اليوم، المرأة هي المصوّرة التي تلتقط اللحظة، هي الناقدة التي تُضيء المعنى، هي النحّاتة التي تصوغ الواقع، هي الرسّامة التي تخلق العوالم، هي المخرجة التي تنفخ الروح في النصوص، هي الكاتبة التي تعبّر عن اللامرئي، هي الممثلة التي تُجسّد الأحاسيس، هي الأستاذة التي تُعلّم الفنون بكافة اشكالها هي الأم التي تروي القصص وتنسج الذاكرة، هي المُبدعة في كل زوايا الإبداع.
والآن، جاء دوركِ ايتها المرأه لتكتبي سطركِ في ملحمة الفن، لتضعي الكاميرا حيث يليق بنظركِ، وتختاري ألوانكِ التي تظهر روحكِ، وتنسجي الديكور على نبض رؤيتكِ. قولي “أكشن”، وابدئي الحياة من جديد، فأنتِ من تصنعين اللحظة، وتمنحينها الحياة، فأنتِ المبدعة التي تُعيد تشكيل العالم كما تشائين.
مورا سليم
نقلاً عن : الوفد