على مدار 14 عاماً من الحرب الطاحنة في سوريا عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل سياسي للقضية التي شردت ملايين وقتلت مئات الآلاف، بل واقتصر دور الأمم المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية وتشكيل منصات التفاوض واستفاضة المتفاوضين، وكان “الائتلاف الوطني السوري” هو الممثل المعترف به دولياً للمعارضة، وانبثقت عنه لاحقاً “هيئة التفاوض السورية”، التي شاركت في اجتماعات اللجنة الدستورية والتفاوض مع النظام السابق حول العملية السياسية، لكن كل هذا لم يؤت أكله، وتمكنت المعارضة السورية من إسقاط نظام بشار الأسد عسكرياً.
وبات السؤال المهم اليوم، بما أن نظام الأسد سقط عسكرياً، فما الدور الذي بقي للائتلاف وهيئة التفاوض؟ وما مصير القرار الدولي 2254 الذي كان مبنياً على تشكيل حكومة سورية مشتركة بين النظام والمعارضة؟
ملغي قانونياً
المحامي والحقوقي السوري زيد العظم يقول في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، إنه “من الناحية القانونية فإن القرار 2254 سقط بجوهره، وعندما يسقط أي قرار قانوناً يعتبر في حكم الملغي، لأنه بخطه العريض كان ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي مؤلفة من المعارضة والنظام، ومع سقوط بشار الأسد سقط ركن مهم بالقرار، لكن “بحسب تقديراتي فإن هناك رغبة روسية في تحقيق أجندة سياسية قد تخدم بعض مصالحها من خلال هذا القرار، وخصوصاً أن البيان المنسوب للرئيس السابق الذي صدر من موسكو لا يذكر فيه تنحيه أو استقالته، واقتصر على شرح سبب هربه”.
ويضيف العظم أن “المسألة الأخرى هي أن القرار 2254 كان ينص أيضاً على إطلاق سراح المعتقلين، وبالفعل تمكن السوريون من تحقيق ذلك، وهذا بند آخر من القرار سقط، فالإصرار على التمسك به غير منطقي وغير قانوني”.
ليست حالة طبيعية
بحسب المحامي السوري فإنه “في ما يخص الائتلاف وهيئة التفاوض، يمكننا تشبيه هذه المنصات بالقرار 2254. هذه المنصات بدأت تتأسس منذ 2012 عندما أنشئ الائتلاف الوطني السوري، وكانت مهمتها تمثيل المعارضة السورية ضد النظام، وهيئة التفاوض بالذات تشكلت لمفاوضة نظام الأسد، لكنه لم يعد موجوداً اليوم لذلك قانونياً انتهى دور المؤسسة التي كانت تفاوضه، ويمكن لهذه المنصات أن تتحول إلى أحزاب سياسية تشارك في مستقبل سوريا السياسي”.
واعتبر أن الدور الذي كان منوطاً بهذه المنصات انتهى بنهاية نظام الأسد، مضيفاً أنه “ما ينبغي الإشارة إليه أيضاً هو أن سوريا حالياً ليست في حالة سياسية طبيعية، بمعنى معارضة وموالاة، إنما تعيش حالة انتقالية، وبطبيعة الحال يجب دعوة الجميع إلى المشاركة سواء على مستوى الشخصيات بصورة فردية أو على مستوى المنصات أو الأحزاب”.
وعن دعوات حل الائتلاف يرى العظم أن “هناك بالطبع مطالبات انتشرت بصورة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بحل هيئة التفاوض والائتلاف، وبالنسبة إلي شخصياً أضم صوتي إليها لأنها تشكل عبئاً مالياً على الدولة الجديدة، والعهد الجديد في سوريا بحاجة إلى دعم أكثر، لذلك حل الائتلاف مطلب مشروع. وبالنسبة إلى الدول التي دعمت منصات المعارضة السورية مادياً فمجهودها يشكر، والأولى اليوم أن يتحول الدعم إلى الداخل السوري، لا سيما أن الوضع الاقتصادي تركه الأسد الهارب في أسوأ أحواله”.
وختم المحامي السوري حديثه بالقول إنه “على الإدارة الجديدة في سوريا أن تشكل في أقرب وقت ممكن هيئة حكم انتقالي تضم أطياف الشعب كافة، ومثل هذه الهيئة ستغلق الباب أمام أي تدخل أجنبي”.
الموقف الرسمي… حكومة تكنوقراط
المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية في دمشق عبيدة أرناؤوط أكد من جانبه في تصريح خاص أن “رؤية الحكومة الموقتة لإدارة سوريا بعد سقوط الأسد هي أن تكون دولة طبيعية، وأن تنسجم مع ثقافة شعبها وهويته العربية عموماً، وأن تكون دولة متنوعة الأعراق ومنسجمة مع الأمم المتحدة والجوار من دون أن تشكل تهديداً لأي من دول المنطقة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال “أما بالنسبة إلى الحكومة الجديدة فهي ستكون حكومة تكنوقراط، وستمنع وجود أية مجموعات مسلحة خارج نطاق وزارة الدفاع التابعة للحكومة الجديدة”، ولم يشر المتحدث السياسي إلى دور الائتلاف أو هيئة التفاوض في المرحلة الانتقالية.
الائتلاف يتمسك بالاستمرار
في المقابل قال رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة في تصريح خاص إن “الائتلاف لا يزال يتابع عمله بعد إسقاط النظام، والهدف هو تحقيق كامل أهداف الثورة وتطلعات الشعب السوري في العدالة والحرية والديمقراطية. أما في ما يتعلق بالقرار 2254 فبعد سقوط النظام بات تنفيذه محصوراً في مكونات قوى الثورة التي تمثل الجهات السياسية والمدنية والعسكرية من مكونات الشعب وأطيافه كافة، من دون وجود تمثيل للنظام البائد، وهذا يعني أنه لا وجود لجهة قادرة على إعاقة تنفيذه، لذلك من مصلحة الشعب السوري وقوى الثورة إنجازه”.
وذكر أنه “في المقابل نرفض أية وصاية على سوريا الحرة وشعبها، ويجب تنفيذ القرار 2254 عبر حوار داخلي من دون أن تتحكم الأمم المتحدة به، على أن يقتصر دورها على تقديم الاستشارات والخبرات والتيسير، ونحن أيضاً ندعم الحكومة الموقتة التي شكلها محمد البشير لضرورة وجود سلطة تنفيذية موقتة تشغل مؤسسات الدولة”.
ولفت الانتباه إلى أن “الالتزام بتنفيذ القرار 2254 من قوى الثورة السورية يطمئن المجتمع الدولي في شأن توجهات الدولة السورية والنظام السياسي المستقبلي، بما يضمن أنها لن تتجه نحو التطرف أو دكتاتورية جديدة، أو إقصاء أي من مكونات وأطياف الشعب. واليوم هناك ضرورة لأن تتضافر جهود القوى العسكرية والسياسية الوطنية في هذه المرحلة من أجل بناء سوريا الجديدة على أسس صحيحة تضمن الاستقرار والازدهار والرفاه للشعب السوري، وتجنب الأجيال القادمة الوقوع في تجارب مشابهة لحقبة الاستبداد البائدة”.
تفاعل مشروط
لكن الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان لا يتفق مع تصريحات رئيس الائتلاف هادي البحرة، وأوضح أنه “في البداية يجب النظر إلى القرار 2254 لأنه بات اليوم نقطة خلاف، وحتى قبل سقوط الأسد كان محل إشكال، إذ لم تكن هناك آلية لتنفيذه، حتى تفاصيله ليست واضحة، وكل طرف وكل دولة كانت تفسره وفق ما يناسب مصالحها، إلا أن الأمر تغير بعد سقوط النظام، إذ فقد القرار ركناً مهماً من أركانه. ووفق وجهة نظر الإدارة السورية الجديدة فهي ترى أنها تجاوزت القرار 2254، وأن مفعوله انتهى بسقوط النظام، لأنه صدر بناء على وجود نظام ومعارضة وكان يهدف للمواءمة بينهما”.
وتابع “على ما يتضح الآن فإن الحكومة الجديدة تعطي رسائل بأنها تلتزم ببعض المفاهيم الأساسية الواردة في القرار مثل أن شكل الحكم سيكون مدنياً ديمقراطياً، وأن موضوع الدستور سيكون بمشاركة الشعب من كل أطيافه، لكن في المقابل نرى أن المجتمع الدولي غير مطمئن حتى الآن إلى أن هذا الوعد سيتحول إلى واقع، فمن حيث المبدأ ينظر المجتمع الدولي بإيجابية إلى الوعود، لكنه لا يزال يشترط أن تتحول إلى برنامج عمل واضح ملموس لكي يتفاعل مع الأمر”.
وذكر أنه “بصورة عامة إذا ما ذهبنا بعيداً من الفاعلين المحليين والخارجيين إلى الشعب السوري وقواه المجتمعية ونخبه السياسية فيبدو الحديث عن 2254 أمراً مستفزاً لأنهم لا يثقون بدهاليز الدخول في أروقة الأمم المتحدة وأن تطول القضية لسنين أخرى، وهذا أمر متفهم بحكم أن الأمم المتحدة منذ 2015 حتى 2024 لم تستطع أن تترجم أي شيء من 2254 على أرض الواقع”.
وأوضح علوان أنه “بالنسبة إلى المعارضة الخارجية من المبكر الحكم على موضوع إشراكها ضمن الإدارة الجديدة في دمشق، لكن على أرض الواقع هناك تمثيل بالفعل لهيئة التفاوض في الإدارة الجديدة، وأيضاً الائتلاف موجود، وما يجب أن أشير إليه هو أن هذه المؤسسات أو المنصات لم تعد تسمى معارضة، لأنها كانت رافضة للنظام السابق وقد زال. علاقة هذه المؤسسات بالإدارة الجديدة لم يتضح بعد، وهذا أمر طبيعي فمن المبكر الحديث عن كل هذا في ظل هذه المرحلة، لكن أعتقد أن العملية السياسية في المستقبل ستنتقل من إطار التفاوض بين فاعلين إلى إيجاد مشاركة واسعة وإنشاء عقد اجتماعي بالحوار بين مختلف القوى التي تشكل المجتمعات السورية”.
بحسب مراقبين، فإنه بعد سقوط نظام الأسد عسكرياً تنظر المعارضة السياسية إلى نفسها أنها فشلت في تحقيق أهداف الثورة في المحافل الدولية، ولم تنجح في إقناع المجتمع الدولي بإجباره الأسد على تحقيق الحل السياسي، لذلك موقفها اليوم يبدو ضعيفاً، لكن في المقابل هي معارضة معترف بها دولياً، وهذه ورقة قوتها الوحيدة، إلا أن اللاعب الميداني أقوى من العامل السياسي، فربما تتجه الإدارة الحالية في دمشق إلى تشكيل حكومة شاملة تضم بعض الشخصيات من المعارضة السياسية، وهكذا قد يكون كنوع من التوافق والخروج من هذا المأزق.
نقلاً عن : اندبندنت عربية