خرج طرفا النزاع الليبي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بعد اجتماع وفديهما داخل مدينة بوزنيقة المغربية باتفاق سياسي، عبارة عن تفاهمات أساس أنعشت آمال الليبيين في طي صفحة الأزمة السياسية والأمنية التي عمرت طويلاً داخل البلاد.

وأشادت الأطراف الليبية المتنازعة بدور المغرب في إبرام هذا الاتفاق الذي يتيح التمهيد لإجراء العملية الانتخابية في البلاد، إذ وفرت الرباط الرعاية الكافية لعقد هذه اللقاءات سواء في بوزنيقة أو قبل أعوام عدة داخل مدينة الصخيرات، التي شهدت مفاوضات ماراثونية بين الفرقاء تُوجت باتفاقات سياسية مهمة لم تُنفذ على الأرض.

ويرى مراقبون أن المغرب يمتلك كل مقومات “الوسيط الموثوق” بالنظر إلى إقامته علاقات طيبة وإيجابية مع جميع أطراف الأزمة الليبية في بنغازي وطرابلس، فضلاً عما تمليه المصالح المشتركة في ضمان استقرار المنطقة المغاربية التي تشهد توترات دولية مزعزعة للاستقرار، من دون نسيان ملف الصحراء الذي تراهن الرباط على كسب ليبيا في صفها عند حل الخلافات وإقامة الدولة الليبية المستقرة.

اتفاقات ليبية

واستعرض الاتفاق الجديد بين مجلسي النواب والدولة الليبيين أمس الأربعاء في بوزنيقة ملامح المرحلة التمهيدية، لإجراء الاستحقاقات الانتخابية داخل هذا البلد المغاربي.

ونص الاتفاق على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية بناء على المادة الرابعة من الاتفاق السياسي الليبي المعتمد بقرار مجلس الأمن رقم 2259 لعام 2015، بُغية إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق القوانين الانتخابية.

وتبعاً لنص الاتفاق عينه، ستُشكل لجنة عمل مشتركة في شأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة، تشمل مهامها التواصل مع البعثة الأممية ومختلف الأطراف المحلية والدولية، ومراجعة آلية الاختيار المقترحة في “لقاء القاهرة” بين المجلسين، وتقديم مقترح بالضوابط الكفيلة بضمان عمل الحكومة وفق معايير تدعم الشفافية واللا مركزية، وكذلك مسار الانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسرى الاتفاق بين المجلسين معاً على “تشكيل لجان عمل مشتركة للنظر في المسار الاقتصادي والمالي والحكم المحلي، وفي شأن الملف الأمني وأيضاً استكمال إعادة تكليف المناصب السيادية، مع تشكيل لجنة مشتركة بين المجلسين لمتابعة ملف الأموال المهربة وغسل الأموال”.

وأصدر المجلسان بياناً ختامياً اليوم الخميس أكدا خلاله أن “الحل في ليبيا وإنهاء المراحل الانتقالية واستعادة الاستقرار، لا بد أن يمر عبر العودة إلى الليبيين بانتخابات حرة ونزيهة استناداً إلى قوانين (6+6) التي اعتمدتها المؤسسات الرسمية، وأكدها مجلس الأمن في قراراته ورحبت بها كل مكونات المجتمع ومؤسساته الأهلية والأحزاب السياسية”.

ووفق البيان الختامي، سيتم الانطلاق في العمل المشترك بين المجلسين على معالجة مختلف الملفات عبر مسارات محددة، أهمها مسار الانتخابات وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية والإصلاح المؤسسي والمالي والمسار الأمني، فضلاً عن ملف المصالحة الوطنية والتوزيع العادل للموارد والتنمية عبر حكم محلي فاعل”.

ملامح الدور المغربي

وأثنى كل من عضو مجلس النواب الليبي سارة السويح وعضو المجلس الأعلى للدولة صلاح ميتو على مضامين الاتفاق الجديد، على أمل أن يسهم في إنهاء حال الفوضى داخل البلاد، وثمنَا دور المغرب في رعاية هذه الاجتماعات والتفاهمات الليبية من خلال توفير أجواء سياسية مناسبة لتقريب وجهات النظر المتناحرة.

وبالنسبة إلى المغرب، أفاد وزير الخارجية ناصر بوريطة بأن بلاده “تعتمد عدم التدخل واحترام إرادة الليبيين ومؤسساتهم ودعم كل اختيارات المؤسسات الليبية الشرعية”، وبأن “الحل هو دائماً ليبي-ليبي وليس هناك حل يفرض على الليبيين أو يأتي من الخارج”، وفق تعبيره.

ويعلق المتخصص في العلاقات الدولية إدريس لكريني على الموضوع بقوله، إنه “لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه المغرب في مسار الأزمة الليبية منذ اندلاعها على مستوى الدعم الإنساني، واستضافة عديد من الفرقاء بهدف ردم الفجوة بين الأطراف الليبية المتخاصمة، وإرساء حوار بناء يدعم تجاوز التدخلات الأجنبية في النزاع، والسعي نحو تعزيز الصف الليبي وخلق مسار حل مستدام يسمح بحل المشكلات المتراكمة”.

ولفت لكريني إلى أن المغرب احتضن أهم اللقاءات التي شهدتها المفاوضات الليبية، إذ إن “اتفاق الصخيرات” رسم خريطة طريق دعمتها الأمم المتحدة، وعدَّتها حينئذ بمثابة مدخل أساس لإقامة سلام مستدام في هذا البلد.

يُذكر أن مدينة الصخيرات احتضنت عام 2015 جولات من الحوار بين أطراف الملف الليبي، أثمرت عن ميلاد “اتفاق الصخيرات” الذي كان وراء تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وتأسيس آليات لتوحيد مؤسسات الدولة.

ويرى لكريني أنه “من أسباب نجاح الرعاية المغربية لهذه الاتفاقات، سواء الصخيرات سابقاً أو بوزنيقة حالياً، كون المغرب حافظ على مسافة حيادية من جميع أطراف النزاع بالنأي عن خدمة أية أجندات خارجية، مما جعل الدور المغربي يحظى بقدر كبير من الثقة”.

وخلص المحلل ذاته إلى أن “المغرب يملك كل المقومات السياسية لإيجاد حل دائم في ليبيا ويدعم استكمال لبنات دولة قوية ديمقراطية، في إطار وعيه بإرساء دعائم الاستقرار في المنطقة المغاربية، واعتباراً لأواصر العلاقات الطيبة التي تجمع الشعبين المغربي والليبي”.

مكاسب سياسية مغربية

ومن جهته أورد المتخصص في العلاقات الدولية حسن بلوان أن المغرب أضحى منذ اتفاق الصخيرات قبلة لاجتماعات ومفاوضات الفرقاء الليبيين، الرامية إلى توحيد المؤسسات والأجهزة الليبية من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية، واحتضن ست جولات بين مجلسي النواب والدولة الليبيين في بوزنيقة وطنجة.

واستطرد بلوان “توالي هذه الاجتماعات على رغم حجم الاختلاف بين الطرفين يعكس الثقة التي يتمتع بها المغرب كوسيط موثوق، يحتفظ بعلاقات متميزة مع جميع أطراف الخلاف في بنغازي وطرابلس، إضافة إلى أن انخراط المغرب في الدينامية الأممية يمليه دوره الإقليمي في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار داخل المنطقة المغاربية، من دون أهداف أو أجندات سياسية ضيقة أو مصالح أو مكاسب اقتصادية في ليبيا، التي تزخر بموارد مالية وطاقية مهمة”.

وتابع بلوان “انخراط المغرب في جهود حلحلة الملف الليبي تمليه المصالح المشتركة في ضمان استقرار المنطقة المغاربية في ظل توترات دولية مزعزعة للاستقرار، وفي الوقت نفسه الحفاظ على دينامية الدور الدبلوماسي الذي تلعبه المملكة في الفضاء المتوسطي كلاعب أساس وشريك أممي موثوق في حفظ الأمن والاستقرار داخل المنطقة، وبخاصة مع إطلاق مبادرة أممية جديدة حازت تأييد الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية المؤثرة في الملف الليبي”.

وأكمل المتحدث عينه “بغض النظر عن حرص المملكة على وحدة الأراضي الليبية كخط أحمر، فإن المغرب ينظر إلى الملف الليبي استكمالاً لأمنه القومي المرتبط بقضية الصحراء، كما أن توحيد الحكومة الليبية سيصب لا محالة في تأييد موقف المغرب في نزاع الصحراء، بعيداً من هوية وشكل الحكومة الليبية المقبلة، التي لن تنسى جهود المغرب في تحقيق هذا الهدف ووقوفه الدائم إلى جانب الشعب الليبي وجميع أفرقائه السياسيين”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية