اليوم هو الأول لأيام تداول سوق النفط في 2025، إذ يراقب المستثمرون العائدون من العطلات التعافي في اقتصاد الصين والطلب على الوقود بعد تعهد الرئيس شي جينبينغ بتعزيز النمو.

 وزادت العقود الآجلة لخام “برنت” 17 سنتاً، أو 0.06 في المئة، إلى 74.82 دولار، وذلك بعد إغلاقها مرتفعة 65 سنتاً أول من أمس الثلاثاء، آخر يوم تداول في 2024.

وصعدت العقود الآجلة لخام “غرب تكساس” الوسيط الأميركي 19 سنتاً، أو 0.26 في المئة، إلى 71.91 دولار للبرميل بعد إغلاقها مرتفعة 73 سنتاً في الجلسة السابقة.

مصانع الصين

وفقاً لمسح “كايشين ستاندرد أند بورز غلوبال” حققت أنشطة المصانع بالصين نمواً في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لكن بوتيرة أقل من المتوقع، وسط مخاوف من النظرة المستقبلية للتجارة والأخطار المحتملة من رسوم جمركية قد يفرضها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

في غضون ذلك، يترقب المستثمرون بيانات مخزونات النفط الأميركية الأسبوعية من إدارة معلومات الطاقة التي تأجلت حتى اليوم الخميس، بسبب عطلة العام الميلادي الجديد.

وأظهر مسح لوكالة “رويترز” أن التوقعات تشير إلى أن مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير انخفضت الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت على الأرجح مخزونات البنزين.  

في الوقت ذاته، ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى لها في أكثر من 14 شهراً خلال تعاملات اليوم الخميس، بعد وقف الإمدادات من روسيا عبر أوكرانيا.

وخلال الساعات الأولى من صباح اليوم صعدت أسعار الغاز للشهر الأول وفق بيانات لحظية تتابعها منصة الطاقة المتخصصة ومقرها واشنطن بنحو 4.3 في المئة إلى 51 يورو (52.66 دولار) لكل ميغاواط/ساعة، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

خطر متزايد

من جانبه، قال كبير المحللين في “غلوبال ريسك مانغمنت” في كوبنهاغن أرن لوهمان راسموسن “هناك خطر متزايد من أن يخرج الاتحاد الأوروبي من الشتاء بمستويات تخزين منخفضة للغاز، مما يجعل تجديدها مكلفاً”.

وبالنسبة إلى الدول غير الساحلية في وسط وشرق أوروبا فإن كلفة التسليم من طريق البحر إلى ألمانيا أو بولندا أو اليونان، ثم إعادة التغويز (تحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية)، ثم النقل إلى الخارج، تجعل من الغاز المسال خياراً مكلفاً.

وقدرت سلوفاكيا أن استيراد الغاز من الغرب من شأنه أن يسفر عن كلف إضافية تبلغ 177 مليون يورو (183 مليون دولار).

وتوقفت عمليات تسليم الغاز الروسي عبر أوكرانيا مع بداية العام الجديد، بعد انتهاء عقد العبور بين الدولتين المتحاربتين، من دون وجود بديل.

إلى ذلك، يترقب التجار ما إذا كان فقدان التدفقات الروسية (مصدر مهم للإمدادات لعدد من دول وسط أوروبا) سيؤدي إلى عمليات سحب أسرع من المخازن.

لماذا أوقفت أوكرانيا تدفق الغاز؟

وعلى رغم أن هذا التوقف كان متوقعاً، فإن تداعياته قد تمتد لتؤثر في قطاع الطاقة في أوروبا، وربما على قدرة موسكو في تمويل حربها في أوكرانيا، وفقاً لآراء المحللين.

يشار إلى أن أوكرانيا رفضت تجديد اتفاق كان يسمح لروسيا بنقل الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب إلى أوروبا، وظل الاتفاق قائماً حتى بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022، الذي أشعل أكثر النزاعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ودشن خط الأنابيب الناقل “أورينغوي-بوماري-أوجهورود” في الحقبة السوفياتية لنقل الغاز السيبيري إلى الأسواق الأوروبية، ومن ثم أصبح الممر الرئيس لنقل الغاز إلى حدود أوكرانيا مع سلوفاكيا، وتقع بلدة “سودغا”، الآن تحت سيطرة القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية.

وكان هذا الخط آخر ممر رئيس للغاز الروسي إلى أوروبا، بعد تخريب خط أنابيب “نورد ستريم” المتجه إلى ألمانيا عام 2022، الذي يعتقد أن أوكرانيا وراءه، وإغلاق مسار آخر عبر بيلاروس إلى بولندا.

لماذا حدث ذلك الآن؟

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان قد حذر منذ أشهر من أنه لن يجدد العقد المبرم لمدة خمسة أعوام، الذي انتهى عند منتصف ليل الـ31 من ديسمبر 2024. وتسعى أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون إلى تقويض قدرة موسكو على تمويل جهودها الحربية، والحد من قدرة الكرملين على استخدام الطاقة كوسيلة ضغط في أوروبا، إذ يقول المحللون إن إغلاق خط الأنابيب قد يخفض عائدات روسيا من مبيعات الغاز بنحو 6.5 مليار دولار سنوياً.

في الوقت نفسه، هذه الخطوة تحمل أخطاراً بالنسبة إلى أوكرانيا، فقد تقرر روسيا قصف شبكة خطوط الأنابيب الأوكرانية، التي تجنبت استهدافها إلى حد كبير حتى الآن، نظراً إلى أنها لم تعد تملك حافزاً كبيراً لتركها من دون أذى، بحسب محللين عسكريين.

ماذا يعني ذلك لأوروبا؟

كان انتهاء اتفاق نقل الغاز متوقعاً منذ فترة طويلة، مما أتاح للدول الأوروبية وقتاً كافياً للتحضير، ومن غير المتوقع أن يكون له تأثير كبير في أسعار الغاز نظراً إلى توفر مصادر بديلة.

وقلصت موسكو إمدادات الغاز إلى أوروبا بعد هجومها على أوكرانيا عام 2022، مما أدى إلى ارتفاع فواتير الطاقة وإجبار عدد من الحكومات على الإعلان عن حزم طوارئ لمساعدة الشركات والمواطنين المتضررين، في المقابل خفضت معظم دول الاتحاد الأوروبي اعتمادها على الغاز الروسي وبحثت عن إمدادات بديلة من دول مثل أذربيجان وغيرها.

وعام 2021 ضخت روسيا نحو 40 في المئة من الغاز المستورد في الاتحاد الأوروبي، قبل أن تتراجع هذه النسبة بصورة حادة خلال الأعوام الثلاثة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وبحسب الاتحاد الأوروبي انخفضت حصة روسيا من واردات الغاز الأوروبية إلى أقل من 15 في المئة العام الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والعام الماضي شكل خط الأنابيب المار عبر أوكرانيا نحو خمسة في المئة وحسب من واردات الغاز الأوروبية، لكن انقطاعه قد يؤثر في السوق المحدودة أصلاً، إذ قد يزيد هذا الانقطاع من الضغط على قطاع الغاز الذي يعاني بالفعل التوتر، فقد شهدت أسواق الغاز الطبيعي الأوروبية عاماً مضطرباً، وارتفعت الأسعار المرجعية بأكثر من 50 في المئة خلال العام الماضي، على رغم أنها لا تزال أقل بكثير من المستويات القياسية التي وصلت إليها بعد الحرب الروسية مباشرة.

في حين ما يقلق مراقبي السوق ليس نفاد الغاز، ولكن أن توفير الوقود للدول الأوروبية سيصبح أكثر تعقيداً وكلفة، فأسعار الغاز الطبيعي الأوروبية تبلغ نحو أربعة أضعاف الأسعار في الولايات المتحدة.

وقالت رئيسة تسعير الغاز الأوروبي في “أرغوس ميديا” ناتاشا فيلدينغ، إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، إن “التأثير الحقيقي الذي أراه هو أن كلفة الحصول على إمدادات بديلة من الغاز للدول مثل سلوفاكيا والنمسا وجمهورية التشيك ستزداد”.

الدول الأكثر تأثراً

وعلى رغم الهجوم الروسي على أوكرانيا فقد استمرت ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وهي النمسا والمجر وسلوفاكيا في شراء كميات كبيرة من الطاقة من روسيا.

وقالت الحكومة النمسوية في بيان أمس الأربعاء إنها استعدت سابقاً ووجدت موردين خارج روسيا، إذ ذكرت شركة الطاقة النمسوية “OMV” الشهر الماضي، أنها أنهت عقودها مع شركة “غازبروم” الروسية وهي في وضع جيد مع مصادر بديلة.

أما المجر، التي ضغطت لإبقاء خط الأنابيب الأوكراني مفتوحاً، فإنها تتلقى معظم غازها الروسي عبر خط أنابيب “ترك ستريم” المنفصل، واستمرت أيضاً بعض الدول الأوروبية الأخرى خارج الاتحاد الأوروبي في شراء الغاز من روسيا، بما في ذلك صربيا ودول أخرى في البلقان.

وربما تكون مولدوفا، التي تحد أوكرانيا، الدولة الأوروبية الأكثر تأثراً، ففي ديسمبر 2024، أعلنت حال الطوارئ وسط مخاوف من أن نهاية إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا قد تهدد مصدرها الرئيس للكهرباء، وهي محطة طاقة تعمل بالغاز في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية المدعومة من روسيا، وقال مسؤولون هذا الأسبوع إن الكهرباء الآتية من رومانيا المجاورة ستسمح لمولدوفا بتجنب أزمة طاقة.

وأعلنت شركة الطاقة في المنطقة الانفصالية لعملائها أمس الأربعاء أنها ستوقف إمدادات الغاز للتدفئة إلى المنازل الخاصة في المدن والقرى، إذ قالت إنها ستوفر الغاز للطبخ، حتى ينخفض الضغط في الشبكة إلى مستوى حرج.

ويعكس استعداد روسيا للمخاطرة بإلحاق الضرر بوكلائها في ترانسنيستريا، التي تحتلها القوات الروسية منذ أكثر من ثلاثة عقود، كيف غيرت الحرب في أوكرانيا أولويات موسكو.

نقلاً عن : اندبندنت عربية