ماذا تحمل سوق النفط في 2025 مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ التساؤل يخفي كثيراً من القلق لكن الترقب سيظل قائماً مع زيادة الإنتاج من دول خارج “أوبك+”.

اليوم استقرت أسعار النفط إلى حد كبير، وسط تعاملات ضعيفة قبل نهاية العام، في وقت يترقب فيه المتعاملون مزيداً من البيانات الاقتصادية من الصين والولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع لتقييم النمو لدى أكبر مستهلكين في العالم.

بين “برنت” والخام الأميركي

انخفضت العقود الآجلة لـ”خام برنت” أربعة سنتات إلى 74.13 دولار للبرميل، وسجل عقد مارس (آذار) الأكثر تداولاً 73.75 دولار للبرميل بانخفاض أربعة سنتات أيضاً، وتراجع خام “غرب تكساس الوسيط” الأميركي سنتاً واحداً إلى 70.59 دولار للبرميل.

وصعد الخامان 1.4 في المئة الأسبوع الماضي بدعم من انخفاض أكبر من المتوقع في مخزونات الخام الأميركية في الأسبوع المنتهي في الـ20 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مع ارتفاع استهلاك المصافي وزيادة الطلب على الوقود في موسم العطلات.

التفاؤل يخيم على السوق

وتلقت أسعار النفط كذلك دعماً من التفاؤل في شأن النمو الاقتصادي في الصين العام المقبل، الذي قد يرفع الطلب من جانب أكبر دولة مستوردة للنفط الخام.

وذكرت وكالة “رويترز” الأسبوع الماضي أن السلطات الصينية وافقت، بهدف إعطاء زخم للنمو، على إصدار سندات خزانة خاصة بقيمة قياسية تبلغ 3 تريليونات يوان (411 مليار دولار) في 2025.

وقال كبير متخصصي السلع الأولية لدى “ماريكس” رايان فيتزموريس، “بلغ استهلاك النفط العالمي أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2024، على رغم أن أداء الصين جاء دون التوقعات، وتتجه مخزونات النفط لدخول العام المقبل عند مستويات منخفضة نسبياً”.

وأضاف “من المتوقع أن تتحسن البيانات الاقتصادية الصينية في المستقبل مع ترسيخ تدابير التحفيز الأخيرة في عام 2025، كذلك فإن انخفاض الأسعار في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من شأنه أن يدعم استهلاك النفط”، وفقاً لما ذكرته وكالة “رويترز”.

وقالت مصادر تجارية إن الصين خصصت أيضاً ما لا يقل عن 152.49 مليون طن من حصص استيراد النفط الخام لشركات التكرير المستقلة في ثاني دفعة حتى الآن خلال 2025.

ورفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني في 2024 و2025، لكنه حذر من أن تراجع ثقة المستهلكين والشركات، إلى جانب التحديات في قطاع العقارات، سيواصلان التأثير في النمو العام المقبل.

ويترقب المستثمرون بيانات مؤشر مديري المشتريات بالمصانع في الصين المقرر صدورها غداً الثلاثاء واستطلاع معهد إدارة التوريدات الأميركي ديسمبر الجاري والمقرر صدوره الجمعة المقبل.

اتفاق الغاز

وفي أوروبا، تتلاشى الآمال في التوصل إلى اتفاق جديد لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، بعدما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لم يتبق وقت هذا العام لتوقيع اتفاق جديد”.

وذكر محللون أن توقف الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب من شأنه أن يدفعها إلى استيراد مزيد من الغاز الطبيعي المسال.

 العرض والطلب

وفي ظل الأوضاع الحالية، من المتوقع أن يتجاوز العرض الطلب بنحو مليون برميل يومياً في العام المقبل، ويتوقع المحللون استمرار نمو العرض من خارج “أوبك+”، بما في ذلك الولايات المتحدة.

في الوقت ذاته يترقب السوق وعود ترمب بتخفيف القيود التنظيمية على صناعة النفط والغاز، فيما تسريع التصاريح قد يصطدم بجدار العرض العالمي المتزايد باستمرار، وقد تؤدي سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب الداعمة للنفط إلى تعزيز إنتاج النفط الخام الأميركي بما يتجاوز النمو المتوقع حالياً.

الحفر… الحفر

مع ذلك، فإن تعهد ترمب بشعار “الحفر، الحفر، الحفر” والوعود بتخفيف القيود وتسريع التصاريح في صناعة النفط والغاز قد تواجه تحديات بسبب النمو المستمر في العرض العالمي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الإنتاج الأعلى من المنتجين من خارج “أوبك+” إلى تحويل السوق إلى فائض كبير في عام 2025، حتى لو التزمت منظمة “أوبك+” تعهدها الحالي بزيادة العرض بدءاً من أبريل (نيسان) المقبل، وفقاً للمحللين والمتوقعين.

وفي ظل الأوضاع الحالية من المتوقع أن يتجاوز العرض الطلب، إذ يدرك مراقبو السوق أن “الجغرافيا السياسية” ستلعب بالتأكيد دوراً في أسعار النفط في المستقبل، ويجمعون على أن أكبر عامل غير متوقع هو سياسة ترمب تجاه إيران وفنزويلا وروسيا، إضافة إلى التأثيرات المحتملة للتعريفات الجمركية في أسعار الطاقة في أميركا والاقتصاد والنمو الاقتصادي العالمي.

“أوبك+” قد يواجه خفوضات طويلة

وبحسب محللين في شؤون النفط، يتوقع استمرار نمو العرض من خارج “أوبك+”، بما في ذلك الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا النمو إلى تعويض جزء كبير من الخفوضات الجارية في إنتاج تحالف “أوبك+”. ومع وجود أكثر من مليوني برميل يومياً من خفوض التحالف، تتمتع سوق النفط العالمية بقدرة فائضة مريحة تزيد على 5 ملايين برميل يومياً، تتركز في بعض أكبر منتجي “أوبك” السعودية والعراق والإمارات والكويت، وفقاً لما ذكره المحللون في عدد من وكالات الأنباء.

الطلب المعتدل

إلى ذلك يتوقع المحللون أن يؤدي النمو المتواضع في الطلب لعام 2025 وزيادة العرض القوية من المنتجين خارج تحالف “أوبك+” بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا والأرجنتين إلى إبقاء أسعار النفط العام المقبل عند المستويات الحالية لـ”خام برنت” عند أدنى مستويات السبعينيات، وأسعار خام “غرب تكساس الوسيط” عند نحو 70 دولاراً للبرميل، حتى إذا بدأ “أوبك+” في تخفيف خفوض الإنتاج في أبريل 2025 كما هو مخطط حالياً، فإن السوق ستشهد فائضاً العام المقبل، وفقاً لتقديراتهم.

وقررت مجموعة “أوبك+” في أوائل ديسمبر تأجيل بدء تخفيف خفض الإنتاج البالغة 2.2 مليون برميل يومياً إلى أبريل 2025 بدلاً من يناير (كانون الثاني) 2025، ومددت المجموعة الفترة التي ستخفف فيها جميع هذه الخفوضات إلى العام التالي حتى سبتمبر (أيلول) 2026.

بسبب قرار تحالف كبار المنتجين قد لا يكون الفائض في العام المقبل كبيراً كما كان يخشى سابقاً، لكن السوق ستظل تشهد فائضاً، وفقاً للبنوك.

إلى ذلك من المتوقع أن تؤدي عقوبات أكثر صرامة من واشنطن ضد إيران تحت إدارة ترمب، والتوترات الجيوسياسية، إلى تعزيز أسعار النفط، لكن في الوقت الحالي تشير العوامل الأساس إلى تفوق العرض على الطلب، مما يمثل خطراً هبوطياً على أسعار النفط في عام 2025.

ماذا عن اقتصاد الخليج؟

وفق هذه النتائج، كيف ستتقبل أسواق المنطقة هذا التغيير والتذبذب؟ وما معدل النمو في قطاعات الإنتاج؟ في هذه المؤشرات يبدو الاقتصاد السعودي قد تحول إلى النمو بـ 2.8 في المئة للربع الثالث وسط تلاشي أثر خفض إنتاج النفط تحول الاقتصاد المحلي إلى النمو في الربع الثالث من العام الحالي على أساس سنوي، بعد أربعة فصول من الانكماش، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء الصادرة اليوم.

وبحسب وحدة التحليل المالي في “الاقتصادية”، يمثل النمو الاقتصادي في الربع الثالث أفضل أداء في ستة فصول، أو منذ الربع الأول 2023.

جاء نمو الاقتصاد السعودي مدعوماً بصورة رئيسة من تلاشي أثر خفض إنتاج النفط (مستويات الإنتاج نفسها في الفترتين)، مما أدي إلى تحول القطاع النفطي للنمو بـ 0.05 في المئة بعد خمسة فصول من الانكماش تزامناً مع خفض إنتاج النفط مقارنة بالفترات المقارنة.

استقرار الإنتاج

في حين استقر إنتاج الرياض في الربع الثالث من العام الحالي عند نحو 9 ملايين برميل يومياً وهي مستويات الفترة نفسها من العام الماضي، تخفض البلاد إنتاجها من النفط ضمن التزامها باتفاق تحالف “أوبك+” الهادف إلى استقرار الأسواق. وأسهم بصورة رئيسة في النمو الاقتصادي للربع الثالث، نمو القطاع غير النفطي 4.3 في المئة على رغم التباطؤ عن الربع الثاني. ظل التركيز على القطاع غير النفطي لدعم النمو الاقتصادي محط اهتمام، في ظل قطع الإنتاج شوطاً كبيراً في التنوع الاقتصادي ضمن برنامج الإصلاح الهادف إلى تقليص الاعتماد على النفط.

وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال الأعوام المقبلة بمتوسط ستة في المئة، في وقت شكل كل القطاع غير النفطي 50 في المئة من الاقتصاد السعودي في 2023 للمرة الأولى، بعد نموه 4.4 في المئة.

ووفق التقرير فإنه في ما يخص الأنشطة الحكومية في الاقتصاد، فقد نمت 3.1 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي كأفضل أداء في سبعة فصول، وتراجع الاقتصاد السعودي 0.8 في المئة في 2023 بمعدل أعلى من توقعات وزارة المالية السعودية البالغة 0.3 في المئة، بضغط من انكماش القطاع النفطي تسعة في المئة في 2024.

وتتوقع وزارة المالية السعودية نمواً اقتصادياً 0.8 في المئة وهو أقل من توقعات صندوق النقد الدولي البالغة 1.5 في المئة، فيما يتوافق الطرفان على توقعات بنمو 4.6 في المئة العام المقبل. كان صندوق النقد الدولي ووزارة المالية السعودية خفضا توقعات النمو الاقتصادي مع استمرار خفض إنتاج النفط.  

ترقب كبير

في الوقت ذاته أكد المدير العام السابق لتسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان، علي الريامي، أن هناك ترقباً كبيراً لعودة الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، موضحاً أن القرارات التي قد تتخذها الإدارة الجديدة ستؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أسعار وأسواق النفط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح الريامي في تصريحات إلى “اندبندنت عربية”، أن هذه الإشارات قد تعطي بارقة أمل لتحسين صادرات النفط الروسي، لكن في المقابل ستبقى إيران وفنزويلا تحت وطأة العقوبات، إضافة إلى احتمالات فرض ضرائب على الصين، التي تواجه بالفعل تحديات اقتصادية كبيرة.

وأوضح الريامي أنه في أول أيام التداول شهدت السوق انخفاضاً محدوداً في أسعار النفط تقريباً في حدود واحد في المئة، لأسباب متعلقة بالمخزونات الأميركية، في وقت استقبلت أنباء الدعم الصيني بكثير من التفاؤل والأمل، لذلك تحسنت الأسعار.

وأشار إلى أن هناك زيادة طفيفة من الممكن أن تحدث، ومن ثم تصحيح وضع السوق اليوم، وهو التصحيح الذي سيستمر خلال اليومين المقبلين، مضيفاً “بالنسبة إليَّ حقيقة لا أهتم كثيراً لهذه التذبذبات اليومية، لأن هذا الاهتمام دائماً يكون للمضاربين في الأسواق، وما يهمني أساسات السوق وتوازنها وأثر ذلك في أسعار النفط في المدى القصير، وأيضاً في المديين المتوسط والبعيد”.

وتابع المتخصص، “في ما يتعلق بموضوع وجود ترمب في سدة الحكم لأربعة أعوام مقبلة وهدفه هو زيادة إنتاج أميركا، فمع استمرار الأسعار على ما هي عليه في الوقت الحاضر بين الـ60 والـ70 دولاراً للبرميل، لا تستطيع الشركات الأميركية زيادة الإنتاج بصورة كبيرة، لأن هذه الأسعار غير مناسبة أو غير مربحة بالنسبة إلى تكل الشركات، وهي بحاجة إلى أسعار فوق 75 دولاراً للبرميل حتى تستطيع أن يكون لها عائد من إنتاج النفط الجديد، علاوة على أن الأهم هو أن الشركات تعمل خارج سيطرة الحكومة، وهمها الأول طبعاً الربح… لكن الإدارة الأميركية الجديدة من الممكن أن تساعد ترمب على فتح مجالات كانت مغلقة في فترة بايدن، عبر تقديم تسهيلات للشركات وفتح مجال للاستكشافات الجديدة”.

واستبعد تأثر المنتجين في منطقة الخليج كثيراً بالإنتاج الأميركي، “إذ ليس بإمكان الولايات المتحدة خلال عام أو عامين أن تضيف كميات كبيرة من النفط، لكن ربما التأثير الوحيد سيكون في إيران وتصديرها للنفط، وبالإمكان تغطية العجز المتوقع من إيران بسهولة عبر العودة مرة أخرى إلى زيادة الإنتاج وتعديل القرار الأخير بتمديد الخفوضات الطوعية بعد ثلاثة أشهر من الآن إذا حصل أي نقص في الإمدادات”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية