سادت حال من الغضب بين أهالي محافظة قابس جنوب شرقي تونس بعد قرار تركيز وحدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، رافضين المشروع بدعم من المجتمع المدني والمتخصصين في أمور البيئة.
وتمحورت مخاوف أهالي المنطقة حول دور هذه الوحدة الجديدة، ومدى احترامها البيئة، بخاصة أن المدينة تعرف منذ عقود تدهوراً بيئياً ناجماً في الأساس عن الصناعات الكيماوية التي أسهمت في تلوث الهواء والبحر وتسببت في انتشار أمراض عدة.
وصدرت القرارات الأخيرة حول هذه الوحدة عن المجلس الوزاري المضيق المنعقد في الخامس من مارس (آذار) الجاري، إذ أكد كاتب الدولة المكلف الانتقال الطاقي وائل شوشان أن كثيراً من المستثمرين انطلقوا في إنجاز الدراسات المتعلقة بمشاريع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
مستقبل مستدام
نبه شوشان وهو مسؤول بوزارة الصناعة في تونس إلى “أهمية الانتقال إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون لتحقيق الأهداف المناخية”، مبرزاً “الدور الإستراتيجي الذي يمكن أن يؤديه الهيدروجين الأخضر باعتباره من الحلول التي تسهم في التقليص من انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، وضمان مستقبل مستدام من جهة والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة تونس كمركز إقليمي للطاقة النظيفة من جهة أخرى”.
وأشار إلى “الجهود المبذولة من الدولة لتنفيذ المشروع النموذجي لإنتاج الأمونيا الخضراء صلب المجمع الكيماوي التونسي الذي يعتبر فرصة فريدة لتونس التي تستورد حالياً 100 في المئة من حاجاتها من هذه المادة، ويعكس في المقابل التزام بلادنا الجمع بين التنمية الصناعية والمحافظة على البيئة”.
وجدد تأكيد أهمية احترام المعايير البيئية الدولية والوطنية في إنجاز هذا المشروع النموذجي وكل المشاريع المستقبلية، وهو ما من شأنه أن يساعد على تحقيق التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية.
سياسات أحادية الجانب
أصدرت جمعية “صوتكم” بياناً نددت فيه بما وصفتها “بالأخطار البيئية الناتجة من قرارات الحكومة بخصوص القطاع الصناعي بمحافظة قابس”.
ودعت كل القوى المدنية والبيئية والصحية في تونس إلى التحرك العاجل لمواجهة هذا القرار الجائر والعمل معاً لحماية الحق في بيئة سليمة.
وعبرت الجمعية عن رفضها المضي قدماً في تنفيذ هذه المشاريع من دون اعتماد دراسات شفافة حول التأثير البيئي ومن دون إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرار. ودانت ما سمته “استمرار تهميش ولاية قابس، التي باتت بيئتها وصحة سكانها ضحية التوسع الصناعي العشوائي من دون حلول مستدامة لحماية البيئة”.
وطالبت “بوقف فوري لإنشاء وحدات صناعية جديدة في قابس إلى حين ضمان معايير السلامة البيئية واتخاذ تدابير واضحة للحد من التلوث القائم”، كذلك حملت الحكومة مسؤولية أي تفاقم للوضع البيئي والصحي في قابس نتيجة ما اعتبرته “سياسات أحادية الجانب”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الناشط في المجتمع المدني فراس الناصفي في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن “الأخطار المحتملة التي يشكلها الهيدروجين الأخضر وفي ما بعد تركيز معمل الأمونيا الخضراء المعروفة لدى أهالي قابس بالأمونياك تتمثل أولاً في انعدام البنية التحتية التي تواكب مثل هذا المشروع الضخم”، وأضاف “حتى فرنسا والدول الأوروبية لم تستطع تركيز هذا المشروع لأنه يستوجب بنية تحتية تحترم فيها البيئة، وهذا ما جعلهم يفكرون في تنفيذه بتونس”، وأوضح أن “الحكومة التونسية لم تتطرق في بنود المشروع إلى الوضع البيئي، وهذا فيه قلة احترام لأهالي المنطقة المتضررين أصلاً من التلوث جراء المصانع”.
ونوه بأن السلطات التونسية قررت تنفيذ الوحدة من دون أن تتشاور مع الأهالي والمتخصصين في مجال البيئة، موضحاً أن المصانع التي تركزت في قابس خلال سبعينيات القرن الـ20 لم تنفع المنطقة في شيء، ولم تحقق التنمية الاقتصادية، فالجهة تشهد أعلى نسب البطالة.
جملة أخطار
رأى متخصصون في البيئة أن المشروع يشكل خطراً على مستوى التخزين والنقل والتسريبات والانفجارات، نظراً إلى قابليته العالية للاشتعال، بخاصة أنه سيكون داخل منطقة صناعية تضم كثيراً من المنشآت الكيماوية.
من ناحية أخرى اعتبرت المهندسة في الفلاحة فوزية السميطي أن “المشروع له تأثير مباشر في الجانب الأيكولوجي للبحر، باعتباره يتطلب تركيز وحدات لتحلية مياه البحر، مما سيسهم في ارتفاع الملوحة، ومن ثم تأثيره السلبي في الحياة البحرية والثروة السمكية، بما يعني إحالة بحارة الجهة على البطالة الإجبارية”.
وأشارت إلى أن اعتماد المشروع على الطاقة البديلة يستوجب إرساء لوحات الطاقة الشمسية على مساحات شاسعة ممتدة على أراض فلاحية، وهذا من شأنه التأثير في الفلاحة والفلاحين، إضافة إلى أن قدرة وطاقة تشغيل هذه المشاريع ضعيفة جداً.
حقوق جميع الأطراف
من جهته قال المتخصص في هندسة الأساليب والبيئة سمير قزبار إن “مشروع الهيدروجين الأخضر المزمع إنجازه في قابس يهدف إلى إنتاج الهيدروجين وهو يستعمل لتعويض الوقود باستخدام الطاقة المتجددة، من خلال عملية التحليل الكهربائي التي تعتمد على فصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأوكسجين باستخدام الكهرباء”.
وذكر أن المشروع يشمل أيضاً إنشاء محطات للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، إضافة إلى محطة لتحلية مياه البحر، مضيفاً “ستسكب المياه المالحة الناتجة من عملية التحلية في البحر على غرار ما تقوم به شركة توزيع المياه في محطات أخرى في الجنوب التونسي، وهي جربة والزارات وصفاقس، أما الانبعاثات الغازية فتحوي فقط الأوكسجين”.
أما على المستوى القانوني، فأوضح أن “المشروع يخضع لدراسة المؤثرات في المحيط، ويشترط الحصول على موافقة الوكالة الوطنية لحماية المحيط قبل منح أية تراخيص إدارية”، معتقداً أنه “من حق المجتمع المدني طلب استشارة عمومية، مما يتيح له الاطلاع على الدراسة البيئية والتعبير عن اعتراضاته في حال وجود أية نقاط قد تؤثر سلباً في المحيط.
وأشار إلى أن هناك مراحل واضحة للاستشارة لضمان حقوق جميع الأطراف، والتأكد من توافق المشروع مع القوانين والمواصفات البيئية، فضلاً عن ضمان القبول الاجتماعي للمشروع.
الدراسة البيئية
المتخصص في هندسة الأساليب والبيئة سمير قزبار مضى في حديثه بالقول “من جهتي، أفضل التريث في إبداء رأي نهائي حول المشروع إلى حين الاطلاع الكامل على محتوى الدراسة البيئية، فهي الأساس لتقييم المشروع من الناحية البيئية، كذلك فإنني أرى أن معارضة المشروع من دون الإلمام الكافي بتفاصيله العلمية والتقنية تعد تصرفاً غير مدروس وقد يتسم بالشعبوية، مما قد ينعكس سلباً على التنمية الجهوية والمصلحة الوطنية”.
وتابع “أتفهم تساؤل المجتمع المدني عن اهتمام دول كفرنسا وألمانيا وإيطاليا بتركيز مثل هذه المشاريع في قابس، الجهة التي تعاني التلوث منذ عقود، بخاصة في ظل ضعف الثقة بالقوى الخارجية”.
من جهة أخرى اعتبر نائب مجلس نواب عن ولاية قابس عبدالسلام الدحماني أنه “في وقت كان ينتظر فيه كل أهالي قابس النظر في القرارات السابقة منذ عام 2019 لتكون منصفة للجهة وتخلصها من شبح التلوث الذي تواصل لأعوام نفاجأ بهذا القرار المسقط والغامض”.
وشدد النائب بالبرلمان التونسي على ضرورة النظر في الوعود المطروحة في الماضي وأيضاً مدى تطبيقها، ثم النظر في حيثيات هذا المشروع الجديد من جوانبه الاجتماعية والبيئية، والانطلاق بيوم دراسي لمشروع الهيدروجين الأخضر يتناول الموضوع من كل الجوانب.
وتعلق الدولة التونسية آمالاً كبيرة على إستراتيجية إنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ تنتظر أن يسهم في تقليص عجزها الطاقي ونقلها إلى مصاف الدول المصدرة للطاقة.
نقلاً عن : اندبندنت عربية