يبدو أن الدائرة التي ضاقت بالأذرع الإيرانية في المنطقة لن تتوقف في الشام، فثمة مؤشرات تشير إلى احتمال امتدادها لتشمل اليمن، حيث تسيطر ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام الإيراني على العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها.
وطالبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً باعتماد إستراتيجية أميركية جديدة لمساعدتها في مواجهة تهديدات جماعة الحوثيين المتزايدة على البلاد والمنطقة، وطرحت الشرعية اليمنية عبر سفيرها لدى الولايات المتحدة محمد الحضرمي ثلاثة تدابير مقترحة للإستراتيجية المطلوبة، تتمثل في “تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار ‘حزب الله’ والحرس الثوري الإيراني، وثانياً دعم القوات الحكومية وحلفائها لاستعادة ميناء الحديدة”، فيما طرحت في مطلبها الثالث “الاستهداف المباشر لقيادات الجماعة بهدف تفكيك هيكلها القيادي”.
القوة فقط
وقال الحضرمي خلال إحاطة في مجلس الشيوخ بعنوان “التصدي لحرب طهران وإرهابها”، إن هذه التدابير من شأنها أن “تؤدي إلى منع وصول الدعم الإيراني للحوثيين وتعزيز أمن البحر الأحمر وإضعاف عملياتهم البحرية وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب ومحاسبتهم على أفعالهم، إضافة إلى توفير الضغط اللازم لإجبارهم على الدخول في المفاوضات مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن”.
وشدد الحضرمي على غياب أي خيارات أخرى غير القوة في التعامل مع الجماعة، وقال “أخشى بأنه لا يوجد أي خيار آخر، فالدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، فقد حاولنا ذلك معهم لأعوام عدة، والسلام من خلال القوة هو المجدي”.
وربما هذا هو الطلب اليمني الصريح أو المعلن للدعم الأميركي المباشر بهدف القضاء على المشروع الحوثي عقب 10 أعوام من انقلاب الجماعة المتطرفة التي ترى أن لها “الحق الإلهي” في حكم اليمن والمنطقة، خصوصاً وأن السفير اعتبر أن “الدعم الإيراني هو ما مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً على اليمن والمنطقة والعالم”، باعتبار أن ذلك الدعم مصدر قوتهم وأنه “بوجود الإستراتيجية الصحيحة يمكن تحييد هذا الدعم”.
إستراتيجية صحيحة
وحملت إحاطة السفير اليمني طلباً ضمنياً بتغيير الإستراتيجية الأميركية السابقة من الأزمة اليمنية، إذ اتُهمت من قبل الحكومة الشرعية في أوقات سابقة بعدم الجدية في اتخاذ موقف من الممارسات الحوثية بحق اليمن ودول الجوار، ولهذا أكد الحضرمي أن “وجود إستراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعد أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام فيها”.
وقال إن اليمنيين قادرين على إيقاف جماعة الحوثيين، مضيفاً “نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهتهم والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر، ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا فنحن بحاجة إلى دعمكم واعتماد نهج جديد لمعالجة هذه التهديدات”.
ويقول المستشار الإعلامي لدلى السفارة اليمنية في السعودية صالح البيضاني إن كل مقومات سقوط المشروع الحوثي في اليمن باتت متوافرة، بخاصة بعد تهاوي “حزب الله” والنظام السوري المواليين لإيران، إضافة إلى عوامل إقليمية ودولية تجعل سقوطهم أمراً حتمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك يشير البيضاني إلى “كثير من العوامل الداخلية وفي مقدمها ضعف الجماعة الحوثية وهشاشتها وافتقارها إلى الحاضنة الشعبية حتى في مناطق نفوذها التاريخي، نتيجة ممارساتها ونهج قياداتها الذي أضر باليمن واليمنيين، في ظل ارتهانها لمصالح وقرارات طهران على حساب المصالح الوطنية اليمنية، فقد تحولت إلى مخلب قط إيراني في البحر الأحمر مع تعطيلها حركة الملاحة الدولية لتنفيذ أجندات طهران”.
توجه داخلي ودولي
ويأتي هذا في ظل تصاعد المزاج الشعبي والرسمي في اليمن لإنهاء سيطرة الميليشيات الحوثية على العاصمة وباقي المحافظات الخاضعة لها، بالتزامن مع ما تشهده سوريا التي يمثل سقوط نظام بشار الأسد رسالة قوية بمصير حوثي مماثل، كونهما ذراعان إيرانيان في المنطقة العربية، ووفقاً لذلك فقد جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني وعيده للحوثيين “بسيناريو متوقع لما جرى في سوريا من سقوط لنظام الأسد والميليشيات المدعومة من طهران”.
فيما قال عضو المجلس الرئاسي طارق صالح إن “توجه المجتمع الدولي اختلف اليوم عما كان عليه عندما أوقف معركة تحرير مدينة الحديدة بعد أن تكشفت للعالم كل الحقائق، وأن أدوات إيران تهديد لليمن واليمنيين وللمنطقة والملاحة الدولية.”
ويقود صالح قوات “المقاومة الوطنية” المتمركزة في السواحل الغربية وتعد القوة الضاربة الأكثر جاهزية وتهديداً للوجود الحوثي، وقد أشار خلال لقاء مع القيادات العسكرية في محوري البرح والحديدة على ساحل البحر الأحمر إلى أن “سوريا واليمن يواجهان عدواً مشتركاً هو المشروع الصفوي التوسعي الإيراني”، وقال إن “مصير عبدالملك الحوثي في صنعاء لن يختلف عن مصير الوصاية الإيرانية في دمشق”، مضيفاً أن “الشعب السوري أسقط نظام الوصاية الإيراني في دمشق إلى الأبد، وصنعاء ستشهد يوم الخلاص الوطني قريباً”.
وفي بيان له قال وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني إن “اليمن لن يبقى بمعزل عن التطورات الإقليمية، وأن العلم الوطني سيرفرف فوق كل شبر في بلادي”، في إشارة إلى مساعي حكومته إلى بسط سيطرتها على باقي المناطق الواقعة في قبضة الجماعة الحوثية.
الهدف التالي
وجاءت المطالب بمواجهة الحوثيين أيضاً من الجانب الغربي عبر مقالة لقائد قوات حلف شمال الأطلسي السابق جيمس ستافريديس في وكالة “بلومبيرغ”، إذ توقع أن يكون الوكيل الإيراني الحوثي الهدف الثاني بعد النظام السوري.
وقال جيمس إن هناك أهدافاً مغرية يمكن قصفها لشل حركة الأدوات الإيرانية مثل “مواقع الأبحاث والبناء للأسلحة النووية الإيرانية ومرافق إنتاج النفط والمنشآت العسكرية الصناعية الأخرى”، مستدركاً “لكن هناك عدواً أخيراً بالوكالة يجب التعامل معه على نحو أكثر إلحاحاً، حيث الإرهابيون الحوثيون الذين ينشطون في اليمن وعلى شواطئ البحر الأحمر”.
وتساءل “كيف قد تبدو الحملة ضد الإرهابيين الحوثيين بالتزامن مع سقوط الأسد وتراجع أنصاره الروس، وتراجع موقف إيران العسكري والنجاحات الإسرائيلية في مختلف أنحاء المنطقة، وإدارة دونالد ترمب القادمة التي لن تخشى استخدام القوة العسكرية؟”.
ويجيب “إن الهدف الأولي سيكون تدمير القدرات العسكرية للحوثيين، القوارب والمروحيات والطائرات من دون طيار والصواريخ ومخابئ الذخيرة ومنشآت الرادار”، مضيفاً “تشمل الموجة الثانية من الأهداف محطات القيادة والسيطرة البرية والمراكز اللوجستية المستخدمة لإصلاح وتخزين الآلات العسكرية للحوثيين، وإذا لزم الأمر فقد يتبع ذلك تدمير القوات البرية لهم، مما يعوق قدرتهم على مهاجمة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي يقاتلونها في حرب أهلية تبدو بلا نهاية”.
في أضعف حال
وكشف قائد قوات حلف الأطلسي السابق السيناريو العسكري المرتقب ضد الحوثيين من خلال “قوات التحالف البرية التي سيجري نشرها لتنفيذ عمليات محددة بدقة، ثم تسحب بسرعة إلى البحر بعد إنجاز مهماتها، وهذا هو الأسلوب الذي استخدمته قوات حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي في ملاحقة القراصنة الصوماليين بنجاح قبل عقد من الزمن”.
وخلص ستافريديس إلى أن “أوراق طهران هي الأضعف منذ عقدين من الزمن ومنذ أن شرعت في بناء شبكتها المعقدة من وكلائها الإرهابيين، والواقع أن القضاء على التهديد الباقي على شواطئ البحر الأحمر يشكل المسار الأفضل لإضعاف النظام الفاسد في طهران، وإعادة فتح أحد أهم ممرات الشحن في العالم”.
وأنعش انهيار نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، آمال اليمنيين المشردين بالعودة لديارهم صنعاء كما فعل أهل دمشق، على المستويين الشعبي والرسمي.
وعلى رغم محاولات الجماعة إظهار عدم اكتراثها بالتطورات الجارية التي تعيشها المنطقة، إلا أن خطابات قادتها حملت خشية واضحة من تنامي الضغط الشعبي والدولي ضدهم.
وتمحور خطاب زعيم الميليشيات الأخير حول سوريا، محاولاً إظهار رباطة الجأش وتبرير ما جرى هناك بأنه مؤامرة صهيونية، مغفلاً الحديث هذه المرة عن “مظلمة فلسطين” كما جرت العادة، واتهم الشعب السوري بالخيانة والعمالة والإرهاب لمصلحة “الاحتلال الإسرائيلي” ضد إيران التي تمثل “الخصم للاحتلال”.
وبدت المرارة على حديث الحوثي، فراح يطلق التهم على الثوار السوريين “بالذل والجبن والخور والضعف والمسامحة الكريمة تجاه الاحتلال”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية