تواجه المنظمات الدولية وغير الحكومية العاملة في دول الساحل الأفريقي، خصوصاً تلك التي تحكمها مجالس عسكرية منبثقة من انقلابات، معادلة صعبة حيث يعاقب كثير منها بتعليق نشاطه وطرده من البلاد إلى غير ذلك.

في أحدث حلقات التصعيد التي تشنها السلطات الانتقالية في الساحل الأفريقي ضد المنظمات غير الحكومية والدولية، قام المجلس العسكري النيجري بطرد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في خطوة بدت لافتة ومثيرة.

وتأتي هذه التطورات في وقت يحكم النيجر رئيس المجلس العسكري عبد الرحمن تياني، ورئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري، ورئيس المجلس العسكري في مالي آسيمي غويتا، وهم قادة يميلون إلى فرض قيود مُشددة على المجتمع المدني والأحزاب السياسية وسط وعود منهم لإنهاء المرحلة الانتقالية.

إلا النظام الحاكم

ولم يعد من الواضح ما إذا كانت المنظمات الأجنبية وغير الحكومية ستُحافظ على مستقبلها في دول الساحل في قادم الأيام، مع اتخاذ خطوات نحو تقييد أنشطتها، إذ أصدرت الحكومة في نيامي على سبيل المثال أمراً لتلك المنظمات من أجل إلزامها باتباع توجهات النظام الحاكم.

ونص مرسوم أصدرته الحكومة النيجرية على إنشاء لجنة تحت إشراف وزير الداخلية لمتابعة وضمان توافق تدخلات المنظمات غير الحكومية مع المحاور الاستراتيجية الأربعة التي حددها المجلس العسكري بقيادة الجنرال تياني.

 

تجدر الإشارة إلى أن هذه المحاور تشمل تعزيز الأمن والتماسك الاجتماعي، وتعزيز الهوية الوطنية، وتطوير أسس الإنتاج لتحقيق السيادة الاقتصادية، ودعم الحوكمة الرشيدة.

المؤرخ والباحث السياسي ورئيس تحرير “ديبلومات ميديا” رولان لومباردي، اعتبر أن “الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، التي تغذيها المشاعر القومية والرغبة في التحرر من النفوذ الخارجي، تنظر بشكل متزايد إلى بعض المنظمات الدولية باعتبارها تهديداً أو في الأقل كيانات تُحاول فرض وجهة نظر غربية، وهي وجهة نظر غير مقبولة بالنسبة إلى هذه الأنظمة”.

وتابع لومباردي لـ “اندبندنت عربية”، أن “طرد اللجنة الدولية للصليب الأحمر يرمز إلى هذه القطيعة بين هذه الأنظمة والمنظمات الدولية، وهي جزء من ديناميكية تجسد تصلب المجالس العسكرية في منطقة الساحل”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستدرك “مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر إنسانية كبرى، إذ إن خفض أو إلغاء المساعدات الدولية من شأنه أن يزيد من معاناة السكان المحليين، وقد يضعف بشكل أكبر الدول التي تواجه بالفعل تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة”.

وأنهى لومباردي حديثه بالقول إنه “من خلال سعيها لتعزيز سلطتها وإظهار استقلالها قد تجد الأنظمة العسكرية نفسها في نهاية المطاف بصدد خلق مزيد من عدم الاستقرار والسخط، في سياق يظل التعاون الدولي وبخاصة المساعدات الإنسانية أمراً حاسماً للملايين من الناس في منطقة الساحل الأفريقي”.

محل اتهام كبير

ويُثير التوجه لتقييد عمل المنظمات الدولية في منطقة الساحل الأفريقي تساؤلات حول تداعيات ذلك على العمل الإنساني وغيره مما يحتاجه الملايين من الأشخاص الذين يضطرون إلى ترك منازلهم فراراً من الحروب في دول مثل تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وقال الباحث السياسي في شؤون الساحل الأفريقي الصادق الرزيقي، إن “المنظمات الدولية والأممية العاملة في الساحل ظلت محل اتهام كبير منذ فترة طويلة، إذ تُتهم بأنها تعمل كغطاء للأعمال التي تخدم مصالح الدول الممولة لها وبخاصة الغربية”.

 

وأبرز الرزيقي أن “هذه المنظمات، ولا سيما التي تُطرد الآن من منطقة الساحل الأفريقي، لعبت أدواراً مختلفة في جمع المعلومات والتعاملات الاستخبارية، وكذلك التورط في صراعات إثنية وعرقية وسياسية تدور في المنطقة، كما أن لها علاقات مثيرة مع حركات التمرد في هذه البلدان”.

وأضاف “يبدو أن هناك موجة عارمة من المواقف السياسية والرفض الكامل لكل واجهات العمل الأممي والمدني، خصوصاً المرتبط بالغرب، ولا سيما أن كبار الموظفين في هذه المنظمات ظلوا لعقود طويلة ينتمون إلى دول غربية”.

ورأى الرزيقي أنه “مع التحولات السياسية الكبيرة والانعطاف الأفريقي نحو الشرق أو روسيا أو الصين من قبل كثير من دول الساحل، وصعود قادة جدد في هذه الدول، جعل السلطات تعيد النظر في عمل هذه المنظمات”.

ولم يعلق على الفور عديد من المنظمات التي واجهت تجميداً وتعليقاً لأنشطتها، على التهم التي تم توجيهها إليها. وهنا يقول الرزيقي إن “تجربة هذه المنظمات سيئة، فكل أموال الدعم والتمويل المخصصة لها تذهب إلى الموظفين في شكل حوافز ومرتبات، ولا توجد تنمية حقيقية تقدمها”.

وفي رأيه فإن “هذه المنظمات لم تستطع تقديم صورة مقنعة للمواطن الأفريقي، خصوصاً في منطقة الساحل، بأنها قادرة على التعامل بحياد أو تستطيع أن تقدم شيئاً مفيداً له، سواء على صعيد التنمية أو غيره، وهناك عمل منسق من قبل المجالس العسكرية في الساحل الأفريقي تجاه هذه المنظمات يندرج في إطار عملية تحرر أفريقي”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية