خرجت ظهر اليوم السبت مسيرات وتظاهرات عفوية في مدن سودانية عدة احتفالاً بنجاح الجيش والقوات المساندة له باستعادة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة من قبضة قوات “الدعم السريع”، بعد تمكن الجيش والقوات المتحالفة معه من عبور جسر حنتوب الرئيس، المدخل الشرقي للمدينة التي كانت احتلتها تلك القوات منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2023.

القيادة تهنئ

وهنأت “هيئة قيادة القوات المسلحة” الشعب السوداني بدخول الجيش صباح اليوم إلى مدينة ود مدني وهي تعمل الآن على تنظيف جيوب المتمردين داخل المدينة.

وقالت الهيئة في بيان صحافي على صفحتها الرسمية في “فيسبوك”، “نؤكد لشعبنا الأبيّ أن قواتكم المسلحة والقوات المساندة لها تتقدم بعزيمة وإصرار في كل المحاور لتنظيف كل شبر دنسته ميليشيات آل دقلو الإرهابية في البلاد”. وأورد البيان أت “التهنئة للقوات المسلحة والقوات المساندة لها في كل مكان ولشعبنا وهو يسترد كرامته وأمنه واستقراره”.

كما هنأ وزير الثقافة والإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر، الشعب السوداني “بالانتصارات التي تحققت في ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني”. ووجه “التحية باسم الحكومة لكل الصابرين والصامدين المنتصرين في مدينة ود مدني وولاية الجزيرة وكل ولايات السودان”.

اقتحام وتحرير

وأضاف الإعيسر في منشور على منصة “فيسبوك” أن “الشعب السوداني صاحب الإرادة القوية لا يقهر، وسيظل مشحوناً بقوة الإيمان والتصميم على النصر بعزيمة ستبقى ثابتة كالجبال في مواجهة التحديات، وصامداً في وجه الأزمات مهما طالت الأوقات وتعددت المؤامرات”.

‏وحيّا المتحدث باسم الحكومة، “القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية وجهاز المخابرات والقوات المشتركة والمستنفرين وكل من أسهم في نصرة الهم الوطني من الصابرين والصامدين المنتصرين في مدينة ود مدني وولاية الجزيرة وكل ولايات السودان”.‏

وأعلن اركو مني مناوي، حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة جيش تحرير السودان من جانبه أن “قوات ’الصمود والكرامة‘، المكونة من القوات المسلحة والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية، نجحت في اقتحام مدينة ود مدني وتحريرها من سيطرة البؤس والعدوان”.

وأكد مناوي أن “المدينة التي أصبحت حرة ستظل رمزاً لشرف وتضحيات أبناء السودان، بخاصة ضحايا ود النورة وغيرهم”، ورأى في سيطرة الجيش عليها “انتصاراً للعدالة، في وقت تشهد البلاد هروباً للمجرمين وأعوانهم من المعتدين”.

زحف المحاور

وبدأ الجيش منذ أسابيع زحفه نحو مدينة ود مدني عبر محاور عدة (الشرقي الجنوبي والغربي) وتمكن بالفعل من عبور جسر حنتوب الرئيس إلى داخل المدينة من الجهة الشرقية.
وأوضحت مصادر ميدانية أن “قوات الجيش بمساندة قوات درع السودان وجهاز المخابرات والمشتركة والاحتياطي المركزي و’كتائب البراؤون‘ و’كتائب المستنفرين‘ استعادت مقر الفرقة الأولى، كما دخلت أحياء في مدينة ود مدني الملكية والإنقاذ، علاوة على سيطرتها على مستشفى ود مدني للطوارئ والإصابات”.

وبث جنود من الجيش مقاطع فيديو من أمام مقر الفرقة الأولى مشاة في المدينة، كما ظهر قائد “قوات درع السودان” أبو عاقلة كيكل في مقطع فيديو وهو يتجول داخل شوارع المدينة. وكان كيكل هو نفسه من قام باحتلال مقر الفرقة الأولى مشاة، قبل انسلاخه عن “الدعم السريع” وانضمامه إلى الجيش.

معارك ضارية

وأضافت المصادر أن دخول قوات الجيش ظهر اليوم، جاء بعد معارك ضارية على تخوم المدينة والقرى المحيطة بها استمرت لأكثر من أسبوعين توغل خلالها الجيش بمشاركة وحدات خاصة من القوات البحرية، كما نُفذت عمليات إنزال جوي ناجحة خلف خطوط العدو، وتمكنت من الالتفاف على ارتكازات “الدعم السريع” والدخول إلى المدينة. وأضافت المصادر ذاتها أن “الجيش السوداني أحرز والقوات المتحالفة معه التقدم الأكبر على المحور الشرقي، وتمكن من بسط سيطرته على قرى وبلدات عدة أبرزها منطقة الشبارقة، مما مكنه من اختراق دفاعات ’الدعم السريع‘ ودخول المدينة من الجهة الشرقية”.

وتعتبر مدينة ود مدني، ثاني أكبر مدن السودان بعد الخرطوم، شرياناً اقتصادياً يربط بين معظم ولايات البلاد، ومركزاً تجارياً محورياً يضم أكبر ميناء جاف للصادرات العابرة إلى ميناء بورتسودان الرئيس على البحر الأحمر.

تضييق الحصار

وكشفت المصادر عن أن الجيش ظل يعمل على تضييق الحصار على المدينة وإغلاق منافذها من جهتي الشرق والغرب بما في ذلك جسرا حنتوب شرقاً وبيكة غرباً تمهيداً لعمل كبير لتحرير المدينة، مشيرة إلى أن الوحدات المتقدمة تمكنت من تدمير وتحييد مجموعات قتالية كبيرة لقوات “الدعم السريع” على تخوم مدينة المناقل، في وقت تابع الطيران الحربي ضرباته ضدها في محيط المدينة وضواحيها من القرى المجاورة.

في السياق، اعتبر المراقب العسكري إسماعيل يوسف أن “تحرير ود مدني يعني بداية القضاء على التمرد في كل ولاية الجزيرة والانطلاق لمطاردته في كل أنحاء السودان لأن تلك المدينة تمثل ملتقى كل طرق السودان ومحور حركتها للتواصل بين شرق البلاد وغربها وجنوبها”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خنق الخرطوم

وأضاف يوسف أن “سيطرة قوات الجيش على عاصمة ولاية الجزيرة والطرق والجسور المحيطة بها كافة تعني بداية خنق قوات ’الدعم السريع‘ داخل ولاية الخرطوم وقطع كل سبل الإمداد البشري والمادي إليها من الشمال والجنوب والشرق، مما سينعكس تغييراً كبيراً في موازين القوة على الجبهات القتالية في الخرطوم”.

وأوضح أن “قوات ’الدعم السريع‘ كانت استدعت تعزيزات قوات كبيرة من جبهات القتال الأخرى للدفاع عن ود مدني، وركزت في تلك المناطق على هجمات الطائرات المسيّرة بضربات تنشط نحو مدن ولاية نهر النيل وشمال كردفان”.

وأشار المراقب العسكري إلى أن “قوات ’الدعم السريع‘ الهاربة من المدينة باتت الآن مشتتة على مناطق فرعية عدة في ولاية الجزيرة تحاول العبور نحو غرب السودان، بينما يترصدها الطيران الحربي في كل المنافذ”، لافتاً إلى أن “تلك القوات أوقعت نفسها منذ البداية في ورطة داخل أراضي الجزيرة، وأصبحت الآن داخل صندوق أمني محكم، منوهاً إلى الدور الكبير الذي قامت به المقاومة الشعبية في ولاية الجزيرة، بخاصة ضمن المحورين الجنوبي والغربي في تعزيز عمليات المشاة البرية”.

أكثر من عام

ومنذ أكثر من عام، في الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) 2023، سيطرت قوات “الدعم السريع” بقيادة أبو عاقلة كيكل على مدن عدة في الجزيرة، بينها ود مدني مركز الولاية، وسيطرت تلك القوات وقتها على أجزاء واسعة من الولاية عدا مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها وتمددت حتى حدود ولاية سنار جنوباً، وغرباً حتى حدود ولاية النيل الأبيض.

وكان الجيش السوداني أعلن وقتها أن قواته انسحبت من المدينة وأن تحقيقاً يجري في الأسباب والملابسات التي أدت إلى انسحاب جنوده من مواقعهم.

التمدد بالوسط

وبعد بسط سيطرتها على عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، واصلت قوات “الدعم السريع” تمددها وانتشارها في غرب الولاية بدخولها واجتياحها لعدد من المدن والقرى الغربية على رأسها مدينتا الحصاحيصا وفداسي، وبعد ذلك اجتاحت المدن والأرياف الشرقية في الولاية، وقامت بعمليات نهب واسعة للمنازل والعربات والمحال التجارية.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” حرباً تسببت بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وأجبرت أكثر من 11.4 مليون شخص على النزوح من منازلهم وفر نحو 3 ملايين من بينهم عبر الحدود إلى الدول المجاورة. ويحتاج نحو نصف سكان السودان المقدر عددهم بـ 48 مليون نسمة إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يواجه أكثر من 755 ألف شخص أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي وظروف المجاعة.

نقلاً عن : اندبندنت عربية