هتافات من قلب ملعب رياضي بالعاصمة الليبية طرابلس باسم الرئيس السابق معمر القذافي الذي سقط نظامه في عام 2011، تلاه إعلان نجله سيف الإسلام القذافي، في بيان منسوب له، تحقيق أنصاره فوزاً في الانتخابات البلدية التي شهدتها ليبيا في الـ16 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، مضيفاً “وعليه نقول للذين يحاولون طمس هذه الحقيقة لن يفلحوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً”.
رد فعل
وهذه مؤشرات طرحت سؤالاً عن حقيقة حنين الليبيين إلى فترة حكم القذافي، بخاصة إثر اهتزاز مدرجات ملعب طرابلس الدولي مطلع الأسبوع الماضي هتافاً باسم الرئيس السابق، خلال مباراة كرة قدم جمعت المنتخب الليبي بنظيره البنيني، في حين فشل الفريق الليبي في التأهل لنهائيات كأس أفريقيا لكرة القدم. وفسر بعضهم ذلك بأنه “توق لفترة حكم القذافي خصوصاً في ظل تتالي الخيبات السياسية والانقسامات العسكرية”، بينما اعتبره آخرون بأنه “مجرد رد فعل على فشل الحكومات المتعاقبة في تأسيس دولة عبر انتخابات وطنية تنهي الفوضى الحالية”.
الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي يوسف البخبخي، فسر الأمر بأنه “لا يعدو سوى كونه رد فعل على الإحباط وتردي أوضاع الليبيين المعيشية”، وقال إن “الحنين لفترة حكم القذافي أمر موجود في ظاهره لكنه اعتقاد غير صحيح”. وتساءل عن “سبب توق شعب لحكم مستبد”، قائلاً إن “ما شهدناه من ردود أفعال كتلك الهتافات في الملعب الرياضي إشادة بالقذافي، ليست حنيناً للماضي بل تتنزل في إطار رفض لحالة انتكاسة يعيشها المواطن الليبي انعكست على معيشته”. وأضاف أن “هذا الأمر لا يفسر بأنه رغبة في العودة لتلك الأنظمة السياسية التي كانت هي أساس خروج ثورات الربيع العربي”، موضحاً أن “ثورة الـ17 من فبراير (شباط) 2011، ما كانت لتحدث لو كانت تلك الأنظمة مشاريع سياسية ناجحة حققت لشعوبها الرفاهية”.
دعاية سياسية
وحول تأكيد سيف الإسلام القذافي اكتساح مناصريه لنتائج الانتخابات البلدية التي شهدتها ليبيا منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أوضح البخبخي أنه “مجرد بيان مقتضب لا تفاصيل فيه تدعم هذا الانتصار الذي وصفه ابن القذافي بالكاسح في الانتخابات البلدية”، منوهاً بأن “هذا البيان عبارة عن دعاية سياسية لخطف الضوء من بقية القوائم البلدية الفائزة، في مقابل صناعة انتصار زائف له ولأنصاره”.
وتساءل الباحث السياسي، “كيف يمكن لنجل القذافي الحديث عن انتصار انتخابي من دون وجود مقدمات ما قبل الانتخابات؟ ومن دون ذكر أسماء القوائم الانتخابية التابعة له؟ ومن دون إعلام المواطنين الليبيين أنهم من مناصري النظام الليبي السابق؟”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “عدد المسجلين في الانتخابات البلدية لا يتجاوز 186 ألف ناخب وفق المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في حين أنه سبق وتم الحديث عن نحو 3 ملايين ناخب استلموا بطاقاتهم الانتخابية في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كانت ستجري في ديسمبر (كانون الأول) 2021”. وتساءل البخبخي عن “نسبة الموالين لسيف الإسلام القذافي من هذا العدد، خصوصاً أن رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السايح، أكد أن نسبة المشاركة بلغت 77 في المئة من عدد 186 ألف ناخب، بمن فيهم أنصار نجل القذافي، وهذا يدل على أن عددهم قليل جداً ولا توجد شواهد داعمة لصحة ما جاء في بيان سيف الإسلام القذافي عن اكتساح مناصريه لنتائج الانتخابات البلدية، بقدر ماهي عملية دعائية غايتها سياسية”.
وتابع أن “إشادة رئيس حزب التجمع الوطني أسعد زهيو، الذي يعد الواجهة السياسية لتيار القذافي، بنجاح العملية الانتخابية ونزاهتها وقوله إنها خضعت لموازين القوى، هو تعليق على النقيض من بيان سيف الإسلام، وهو إقرار بأن العملية الانتخابية البلدية لم تأت بالنتائج التي تحدث عنها بيانه، لأن زهيو كان في الحقيقة بصدد نقد هذه العملية الانتخابية ونتائجها التي جاءت لغير صالح تيار القذافي، بل ذهبت للقوى النافذة المتمثلة في كل من قائمة حكومة الوحدة الوطنية (غرب) وقائمة معسكر الرجمة (شرق)”.
“الحديث عن وجود تيار ممثل للنظام السابق، مختزل في سيف الإسلام القذافي، شارك في الانتخابات البلدية الماضية هو أمر غير منطقي”، هكذا علق المحلل السياسي محمد محفوظ على ما يروج عن الحنين لفترة حكم القذافي من خلال نجاح أنصاره في الانتخابات البلدية، موضحاً أن “المعادلة اليوم اختلفت، فكل من انتخبوا على رأس القوائم البلدية سيذهبون شرقاً لقائد قوات الشرق خليفة حفتر أو غرباً لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدببية لكسب المال والحصول على النفوذ”.
وبين محفوظ أنه “كجزء من المعادلة المذكورة سلفاً، لا يمكن توصيف كل أنصار النظام السابق بأنهم مؤيدون لسيف الإسلام القذافي، فحتى قيادات النظام السابق فيهم من خرج يعارضه، وبالتالي وصف نجل القذافي بأن جل من انتخبوا في الانتخابات البلدية هم من أنصاره غير صحيح لأن البلديات التي انتخب غالبها معلوم أنها تشكل الحاضنة الشعبية للنظام السابق أو لمؤيديه، وهي بلديات صغيرة، لأن البلديات الكبيرة كطرابلس وسبها وبنغازي ستجري فيها انتخابات في يناير (كانون الثاني) المقبل”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توق للقذافي
في السياق قال الباحث السياسي موسى امغار إن “جميع الدلائل التي حدثت أخيراً في ليبيا كالهتاف باسم الرئيس السابق معمر القذافي من قلب ملعب رياضي بالعاصمة طرابلس، وخروج مناصري النظام السابق لإحياء ثورة سبتمبر (تتزامن مع الأول من سبتمبر / أيلول من كل عام) واستمرار وجود موالين لهم في عدد من البلديات، تشير إلى توق وحنين من عدد كبير من الليبيين لفترة حكم القذافي”.
وأكد امغار أن “كلام نجل القذافي صحيح، فالحفاظ على وجود موالين للنظام السابق في كثير من البلديات غرب البلد مثل ‘القصر’ على بعد نحو 28 كيلومتراً جنوب طرابلس وبلدية ‘السايح’ المجاورة لها، إضافة إلى بلديات أخرى في كل المنطقة الغربية، وفي الجنوب والشرق الليبيين، على رغم ممارسة حفتر أقصى قدر من البطش ضد أنصار سيف الإسلام القذافي، الذي يعتبره معسكر الرجمة خصماً قوياً له، وذلك جلي من خلال اعتقاله لعدد من الأشخاص الذين يرون أن سيف الإسلام القذافي هو المشروع السياسي الوحيد لاستقرار ليبيا، وهو أمر أكدته الانتخابات البلدية الأخيرة، التي بينت أن لنجل القذافي حظوظاً واوفرة للفوز بالانتخابات الرئاسية أكثر من أي مرشح آخر في ليبيا إذا ما توفر مناخ انتخابي سليم”.
وعارض امغار ما ذهب إليه الباحث السياسي يوسف البخبخي الذي قال إنه لا يوجد حنين لحكم القذافي، معتبراً أنه “على العكس تماماً، فكلما حصل الشعب الليبي على فرصة أرسل رسائل واضحة تعبيراً عن دعمه لسيف الإسلام القذافي وحكم والده، ولعل آخرها هي الشعارات التي رددتها الجماهير الرياضية في ملعب طرابلس الدولي قبل أسبوع”، مشيراً إلى أنها “تأتي في إطار التأكيد على فشل كل من حكم ليبيا بعده، وأن البلاد في فترة القذافي كانت مستقرة سياسياً وأمنياً ومزدهرة اقتصادياً ولعل خروج أنصار النظام السابق في كل ذكرى عيد الفاتح على رغم القيود الأمنية (الأول من سبتمبر 1969 ذكرى انقلاب القذافي على الملك إدريس السنوسي) ما هو إلا دليل على التوق لنظام القذافي”.
ونوه امغار بأن “سيف الإسلام القذافي طرف سياسي لا يمكن الاستهانة به، خصوصاً أنه فرض نفسه من دون أن يستخدم القوة العسكرية أو المالية، بعكس الأطراف السياسية الأخرى، وهو ما أعطاه إضافة وجعل الأمم المتحدة والمجلس الرئاسي لا يغيبون ممثليه عن أية مشاورات سياسية محلية كانت أو دولية”. وأكد امغار على “السخط شعبي الدافع باتجاه لمحو جميع الأجسام السياسية الموجودة حالياً في ليبيا، التي فشلت في الذهاب بالبلد نحو انتخابات وطنية شاملة تنهي المراحل الانتقالية التي باتت مناخاً ملائماً لنمو واشتداد عود الميليشيات المنتفعة من استمرار الفوضى”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية