على طرفي نقيض، يترقب الأردنيون بحذر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد مضي 14 عاماً على وجودهم في المملكة، حيث يُنظر إلى ذلك باعتباره فرصة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على البلاد وبخاصة البنى التحتية والخدمات العامة، لكن في الوقت نفسه، تثير عودة نحو 300 ألف عامل سوري قلقاً في قطاعات التجارة والأعمال، إذ سيترك هذا الأمر فراغاً اقتصادياً كبيراً، وتساؤلاً ملحاً حول قدرة الأردن في التعامل مع هذا التحول.

عمالة “ماهرة”

توصف العمالة السورية في الأردن بأنها “ماهرة”، وحتى عام 2021 كان يُسمح للاجئين السوريين بالعمل فقط في قطاعات الزراعة والبناء والتصنيع، لاحقاً مُنحوا استثناءات كبيرة طاولت قطاع الرعاية الصحية وبخاصة خلال جائحة كورونا، إضافة إلى قطاعات الخدمات والمبيعات والحرف والصناعات الأساسية.

وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن نحو 30 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن يعملون في الزراعة، في محافظات مثل المفرق وإربد والرمثا لأسباب عدة كانخفاض متطلبات العمل، وتوفر فرص عمل موسمية، وضعف الرقابة الرسمية في هذا القطاع.

أما في قطاع الإنشاءات والبناء، فتبلغ العمالة السورية فيها ما نسبته 20 في المئة، لارتفاع الطلب على العمالة اليدوية في أعمال الهدم والصيانة والسباكة.

وفي قطاع الخدمات، فإن أبرز الأعمال الشائعة في المطاعم والتنظيف والعمل كحراس أمن، وهي مهن تتسم بالمرونة وعدم الحاجة إلى شهادات متخصصة.

وفي قطاع الصناعة تبرز مهن الألبسة والتغليف وتجميع المواد، في حين يعمل كثيرون في مجالات العمل الحر، كالنجارة والحدادة والميكانيك.

 عودة 125 ألفاً

إلى ذلك رصدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين زيادة كبيرة في عدد اللاجئين السوريين العائدين من الأردن إلى بلادهم خلال عام 2024.

ووفقاً للمفوضية فقد بلغ إجمال عدد العائدين نحو 17 ألفاً و200 لاجئ خلال 2024، وأضافت المفوضية أن الأشهر الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في عدد العائدين مقارنة بالأعوام السابقة.

وبينت المفوضية أن 64 في المئة من العائدين هم من الرجال والفتيان، و36 في المئة من النساء والفتيات، في حين بلغت نسبة عودة العائلات بأكملها 36 في المئة.

وتقدر المفوضية أن أكثر من 125 ألف سوري في الأردن عادوا إلى البلاد منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وبحسب وزارة الداخلية الأردنية، بلغ العدد الكلي للمغادرين من اللاجئين السوريين عبر مركز حدود جابر 11 ألفاً و315 لاجئاً.

وتقدر الحكومة الأردنية كلفة استضافة اللاجئين السوريين بنحو 2.4 مليار دولار سنوياً، تشمل قطاعات التعليم والصحة والمياه والبنية التحتية والدعم الغذائي، وهو ما يقارب ستة إلى ثمانية في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

ويتلقى الأردن دعماً مالياً من الدول المانحة والمنظمات الدولية لتغطية جزء من هذه الكلف لكن تبقى هناك فجوة تمويلية، ففي عام 2023 على سبيل المثال تلقى الأردن 1.7 مليار دولار فقط.

ووفق إحصاء للأرقام الرسمية قامت به “اندبندنت عربية” يتوقع أن تنخفض نفقات التعليم بنحو 150 مليون دولار سنوياً بالنظر إلى عودة 140 ألف طالب سوري لاجئ إلى بلادهم.

وفي قطاع الصحة تقدم الحكومة الأردنية خدمات صحية تقدر بين 200 و300 مليون دولار سنوياً، أما الضغط على البنى التحتية والخدمات العامة كالمياه والكهرباء والنقل، فيمكن أن يتراجع مما يوفر سنوياً نحو 100 مليون دولار.

وتشير هذه التقديرات إلى توفير بين 400 و700 مليون دولار سنوياً وذلك اعتماداً على عدد اللاجئين الذين سيعودون واستمرار تدفق الدعم الدولي.

 430 ألف تصريح عمل

ومنذ عام 2016 وهو العام الذي تقرر فيه السماح للاجئين بالعمل، أصدرت السلطات الأردنية أكثر من 430 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين في الأردن، فيما شهد عام 2024 الماضي إصدار رقم قياسي في تصاريح العمل للاجئين السوريين بلغ 90 ألف تصريح.

وجاء هذا التوسع في منح تصاريح عمل للاجئين السوريين، بعد تعهد دولي بتقديم منح ومساعدات ضمن مبادرات لتحسين وصول اللاجئين إلى فرص التعليم والعمل القانوني، بحيث يقل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية والتحول إلى أفراد منتجين.

ويستضيف الأردن نحو 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، من بينهم نحو 642 ألف لاجئ مسجلين لدى المفوضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تنخفض البطالة؟

من جهة أخرى، ينظر مراقبون بإيجابية إلى عودة العمالة السورية من حيث توفر شواغر في قطاعات اقتصادية محلية كانوا يشغلونها، وبخاصة في وظائف متدنية الأجور والقطاعات غير الرسمية، ويعتقد هؤلاء أن من شأن هذا التحول أن يسهم في تقليل نسب البطالة في البلاد، بشرط استغلال الحكومة لهذا الملف على نحو إيجابي وتحفيز الأردنيين وتدريبهم للعمل في المهن التي كانت تنشط فيها العمالة السورية.

وهنا يؤكد مدير مركز “الفينيق” للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، وجود مؤشرات على عودة عدد كبير من العمال السوريين على رغم أن ذلك مرهون بتحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا.

لكنه يتوقع توفر آلاف الشواغر في قطاعات عدة كان يفترض أن يعمل فيها الأردنيون لولا أنها كانت تخلو من غياب الحوافز والمظلات الاجتماعية، عدا عن ضعف الرواتب، وهي أمور تسببت بالعزوف عنها محلياً.

تتحدث الأرقام الرسمية عن بلوغ معدل البطالة في الأردن نحو 23 في المئة مما يشير إلى تحديات كبيرة في سوق العمل المحلية، كما أن عودة اللاجئين السوريين من شأنها تقليل التنافس على الوظائف وإتاحة الفرصة للعمالة المحلية، مما دفع مراقبين للمطالبة بوضع سياسات تشغيل تدعم دمج العمالة المحلية في القطاعات التي كانت تعتمد على العمالة السورية.

ويفسر اقتصاديون عمل اللاجئين في قطاعات يرفضها الأردنيون بقبولهم بأجور أقل من العمالة المحلية مما يجعلهم مفضلين لدى أصحاب العمل، كون معظمهم يملكون مهارات في الأعمال اليدوية والزراعية، مما يسهل انخراطهم في هذه المجالات، فضلاً عن القرب الجغرافي والثقافي والتشابه في العادات والثقافات بين المجتمعين الأردني والسوري الذي سهّل اندماجهم في بعض القطاعات.

نقلاً عن : اندبندنت عربية