في تطور لافت للموقف الشعبي حيال سقوط نظام الأسد، والتداعيات الأمنية والسياسية التي تركتها الحرب في سوريا على الأردن، قدم ناشط حقوقي أردني مذكرة رسمية لدى النيابة العامة الأردنية تطالب بملاحقة الرئيس السوري السابق بشار الأسد قضائياً وعبر الإنتربول بسبب جرائم ارتكبها ضد مواطنين أردنيين من بينها القتل والاعتقال والتعذيب والإخفاء قسراً.

ودعا محامون أردنيون نقابتهم إلى التحرك وإقامة شكوى أمام النائب العام ضد الأسد وفقاً لما تم توثيقه من جرائم ارتكبت في حق الأردنيين ضمن سجونه.

وجاء في بلاغ قدمه المحامي سميح العجارمة للنائب العام أن نظام الأسد اعتقل أردنيين من دون محاكمة أو سبب ولأعوام طويلة، ثم قتل أردنيين وعذبهم في السجون السورية معتبراً أن الرئيس السوري هو المسؤول الأول والمباشر عن هذه الجرائم خلافاً لقوانين العقوبات الأردنية وللقوانين الدولية.

وطالب المحامي العجارمة بتحرك الادعاء العام للتحقيق بجرائم الرئيس السوري السابق بشار الأسد ضد الأردنيين والمطالبة بتسليمه في حال صدور قرار قطعي بإدانته.

أبعاد دبلوماسية

يتبنى المحامي العجارمة موقفاً سياسياً واضحاً إزاء سقوط الأسد فهو يرى أن انتصار المعارضة السورية مصلحة أردنية عليا، فأياً كان النظام السياسي الذي سيكون عليه في دمشق فهو أفضل للأردن من نظام الأسد من منطلق سياسي، وبخاصة أن “نظام الأسد دموي وانتقامي ولديه عداء مع دول جوار سوريا، كما أن زواله سيبعد الخطر الإيراني عن الحدود الأردنية فضلاً عن تهديد تهريب المخدرات”، وفق قوله.

 لكن مراقبين يقولون إن هذه الخطوة محاولة قانونية لفتح ملف المساءلة الدولية، إلا أنه في الوقت ذاته يرتبط بأبعاد دبلوماسية مهمة فالأردن الرسمي يحاول الحفاظ على سياسته البراغماتية والمتزنة تجاه سوريا الجديدة، وفقاً لمصادر حكومية تحدثت إلى “اندبندنت عربية”.

تضيف هذه المصادر أن الانخراط في ملف قانوني كبير لا يمكن حالياً دون تحرك دولي وأممي وعلى أعلى المستويات، كما أن تحريك دعاوى ضد الأسد بحاجة إلى دعم من دول غربية ومنظمات حقوقية دولية، على رغم أنه في المقابل قد يواجه انتقادات من دول كانت داعمة للنظام السوري مثل روسيا وإيران.

تشير المصادر إلى عدم تحمس الدولة الأردنية حالياً لدعم هذه الدعاوى، لأنها قد تتداخل مع المصالح الأمنية والسياسية، وتحتاج إلى سردية مدعمة بالأدلة الجنائية والشهادات الموثقة وهو ملف يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير، في وقت تركز فيه عمان على ضمان استقرار سوريا باعتبار ذلك مصلحة أردنية خالصة.

محكمة دولية خاصة

وتصاعد الحديث منذ سقوط الأسد عن ملف المعتقلين في السجون السورية، وفق المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة العنف التي تقول إن عدد المعتقلين يبلغ 236 شخصاً، وأن هذا الملف يتم العمل عليه منذ أعوام طويلة لكن ذلك توقف بعد تصاعد الأحداث في سوريا عام 2013.

تؤكد المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن ثمة ملفاً تم توجيهه للحكومة والخارجية الأردنية يضم بيانات لعدد يتجاوز 236 معتقلاً، فيما تتوالى بيانات تصدرها عائلات أردنية يوماً بعد آخر تتحدث عن مفقودين أردنيين منذ أعوام وتطالب الحكومة بالبحث عنهم.

ويصف معهد القانون والمجتمع ما تعرض له أردنيون في سجون الأسد بأنه “اختفاء قسري” وهي جريمة وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشمل الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف ومن ثم عملية إنكار لوجود الشخص المحتجز أو إخفاء مصيره ومكان وجوده، خلافاً للاتفاقية الدولية لحماية الأفراد من الاختفاء القسري لعام 2010.

ويرى المعهد أنه يمكن تشكيل محكمة خاصة بموجب قرار دولي لمعاقبة بشار الأسد ونظامه عن هذه الأفعال، في حال لم تكن المحكمة الجنائية الدولية مختصة بالقضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين يتيح القانون الأردني وفق خبراء قانونيين وبحسب المادة التاسعة من قانون العقوبات ملاحقة من تورطوا بسجن أو إيذاء المواطنين الأردنيين، على اعتبار أن ذلك عمل إرهابي يندرج في إطار قانون منع الإرهاب.

إرادة سياسية وضغوط

ولم يتضح بعد إن كانت النيابة العامة الأردنية قبلت أو تجاوبت مع البلاغ الذي قدمه المحامي الأردني في حق الأسد، لكن هذه الاستجابة تعتمد على الإرادة السياسية والضغوط المحلية والدولية.

في السياق ذاته كشفت مصادر برلمانية عن توجه يقوده نواب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لتبني مذكرة برلمانية تطالب الحكومة الأردنية بالتحرك قانونياً ضد نظام الأسد وبخاصة بعدما كشف عن معلومات حول حجم الأردنيين وعددهم ممن تعرضوا للتعذيب والقتل في السجون السورية طوال عقود مضت.

إذ وجه النواب الإسلاميون سيلاً من الأسئلة للحكومة حول عدد الأردنيين الذين كانوا معتقلين في السجون السورية، وخطط الحكومة لتأمين عودتهم ومتابعة حالهم الصحية والنفسية، وطبيعة التهم الموجهة لهم وظروف اعتقالهم.

وطالب النواب الحكومة بإرسال فريق قانوني أو دبلوماسي أردني للتعاون مع السلطات الجديدة في سوريا في ملف المعتقلين والمفقودين واستعادتهم.

ومن شأن هذا التحرك البرلماني أن يشكل ضغوطاً على الحكومة التي لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة نسبياً مع موسكو التي لجأ إليها بشار الأسد بعد منحه لجوءاً إنسانياً.

وتبدو الحكومة في موقف محرج في حال عدم تحركها في هذا الملف وبخاصة بعد الاتهامات التي طاولتها بالتقصير في استعادة المعتقلين الأردنيين في سوريا، والأردن عضو في المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2002، وكان من أوائل الدول العربية الموقعة على ميثاق روما.

ولم يسبق للأردن أن شهد قضايا رفعت ضد مسؤولين أجانب، إذ تعتمد عمان بصورة أساسية على الأدوات الدبلوماسية والقانونية التقليدية، بدلاً من التوجه للمحاكم الدولية لحل النزاعات الإقليمية أو الدولية.

لكن الذاكرة تعود بالأردنيين إلى قضية زيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى المملكة الأردنية عام 2017، إذ أثير الجدل حينها لعدم توقيفه من قبل السلطات الأردنية وتسلميه للمحكمة الجنائية الدولية، لكن عمان بررت موقفها بأنها استندت إلى حصانة رؤساء الدول، وأحالت المحكمة الجنائية الدولية الأردن وقتها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لامتناعه عن تنفيذ أمر الاعتقال الصادر في حق البشير لكنها ألغت هذا القرار لاحقاً.

وأسهم الأردن في تشكيل لجان تحقيق دولية ومحاكم خاصة كمحكمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

المحاكمة ممكنة ولكن

ويشير متخصص القانون الدولي ليث نصراوين إلى أن اللجوء الإنساني الذي منحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقرار شخصي لبشار الأسد وإن اختلف في مبرراته وأسبابه عن اللجوء السياسي فإنهما يشتركان معاً بتأثيرهما في المسؤولية الجنائية الدولية. 

ويضيف نصراوين “بصرف النظر عن ماهية اللجوء الذي حصل عليه الرئيس السابق، فإنه لن يحول دون محاكمته أمام الجهات القضائية الدولية وذلك وفق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان”.

 ويوضح نصراوين أن المسؤولية الجنائية الدولية للأسد تثبت بموجب نظام روما الأساس الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، إذ ينعقد الاختصاص لهذه المحكمة على الأفراد بصفاتهم الشخصية وليس باعتبارهم رؤساء دول. 

بهذا المعنى يؤكد المتخصص القانوني نصراوين أن الرئيس الأسد على رغم حصوله على اللجوء الإنساني فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية الجنائية، على رغم أن الملاحقة القضائية قد تعتريها مجموعة من العقبات الإجرائية كون سوريا ليست من الدول الأعضاء الموقعين على نظام روما.

نقلاً عن : اندبندنت عربية