علقت قضية تجديد الخطاب الدينى فى أذهان الكثيرين خاصة فى ظل عالم المتغيرات والتقنية والتكنولوجيا اليوم.. وعلى مدى سنوات طوال تعالت مطالب تجديد الخطاب الدينى، وأقيمت فى هذا المضمار ندوات ومؤتمرات ما بين محلية وعربية وإسلامية بل ودولية، ليدلى الجميع بدلوه من علماء الأمة، فى محاولة لتأصيل مفهوم التجديد وشرح وإيضاح معناه للناس إلى الحد الذى وصل فيه الأمر إلى أن أصبح المعنى ملتبسا على فئة البسطاء من الناس، وأصبح حديث «النخبة» على وسائل الإعلام المختلفة، وهناك من يرون أن المؤسسة الدينية هى المنوط بها وحدها تجديد الخطاب الدينى الذى بات ضروريًا فى ظل عالم التكنولوجيا والأحداث المتواترة على الساحة العالمية، وأنه لا مفر من ضرورة تجديد الخطاب الدينى، بينما يتحاشى بعض المسلمين حتى الاعتراف بضرورة التجديد ليظل كل شىء كما كان يعهد، فهو يفضل أن يظل فكره وخطابه وطريقته وعلمه كما هو ثابتًا بدلا من أن تناله يد التجديد أو تطوله بواعث التحديث.
أزمات الخطاب الدينى
بداية يقول الدكتور جمال رجب سيدبى إن قضية تجديد الخطاب الدينى من القضايا المهمة التى شغلت أذهان المفكرين ورجال الدين فى عالمنا المعاصر، لقد حاول البعض طرح هذه القضية من زوايا مختلفة سواء ثقافية أو فكرية أو غيره من الرؤى، ولقد شغلت هذه القضية الفكر الإسلامى المعاصر ما بين مؤيد للمصطلح وما بين رافض، وكلتا النظرتين فى حاجة إلى إمعان نظر لتحديد المصطلح مما ران عليه من غبش نتاج الفهم المتسرع تارة والفهم المغلوط تارة أخرى، ومنهجنا الذى تعتمد عليه فى جل القضايا والموضوعات التى تطرح على العقل المسلم من منطلق الاعتدال والتوازن أو المنهجية الإسلامية الشاملة التى تنظر إلى الحقيقة من كافة جوانبها، إن إعمال العقل فى القضايا والمستجدات المطروحة فى ظل عالم التكنولوجيا المخيف على العقل المسلم لمن أهم الأولويات فى واقعنا المعاصر، وهذا بطبيعة الحال يجرنا إلى فتح الاجتهاد بضوابطه وتجديد الخطاب الدينى وفق آليات جديدة تلبى أشواق وطموحات العقل الإسلامى لا أن نعيش أفكارا ربما يكون قد تجاوزها الزمن، لكن السؤال المطروح وهو ما المقصود بتجديد الخطاب الدينى، وهو سؤال مبرر ومشروع ويتعين علينا أن نحرر المصطلح مما ران عليه من غبش ونبرز الصورة الصحيحة حتى ننطلق إلى معالجة بقية الموضوعات، ولابد أن نفرق بين الثوابت والمتغيرات، ففى مجال القطعيات أو المنطقة المحرمة مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة أو قطعى الثبوت قطعى الدلالة، فلا مجال لتجديد الخطاب الدينى فيه، فكثيرًا من المشتغلين بالدعوة الإسلامية يقلقون قلقًا بالغًا إثر سماعهم مصطلح تجديد الخطاب الدينى خشية تحويل القطعيات إلى متغيرات أو الاجتراء على ثوابت الدين ومن جانب آخر ربما يعتقد البعض أن هذه دعوة غريبة من أجل إخراج الدين من أصالته وثوابته.
وليس من نافلة القول إن هناك مشكلات كثيرة تعترض التجديد فى واقعنا المعاصر والتى من أهمها وأصعبها المغالطة فى المفاهيم مثل مفهوم الحرية والديمقراطية وعمل المرأة ومكانتها فى المجتمع الإسلامى، أيضا الجمود فى فهم النص التراثى فينبغى أن تقرأ النص فى ضوء تحديات ومستجدات العصر لا أن نعيش بفكر القرون الماضية «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» (البقرة: 134). وليس معنى ذلك رفض التراث جملة وتفصيلا، إنما نأخذ من تراثنا الحضارى ما يلائم معطيات العصر وتحدياته بطريقة متوازنة تجمع بين الأصيل والمعاصر، أيضا البعد عن الغلو والتطرف والذى هو من أخطر المشكلات التى تواجه تجديد الخطاب الدينى ورابعًا الفهم الخاطئ للدين، أيضا لابد من إدراك فقه الدنيا والآخرة، فالبعض يعتقد أن المقصود بالاجتهاد فى الأمور والقضايا الدينية وحسب، والتى تستلزم اجتهادًا فى حين أن الإسلام يحض المسلم على أن يجتهد فى أمور الدنيا أيضًا، ومن الأخطاء الكبرى أن يتخلى الخطاب الدينى عن العصر ومشكلاته وهمومه، فلابد من أن يسهم الخطاب الدينى العاقل المتزن فى حل القضايا التى تؤرق الضمير الإنسانى المعاصر مثل مشكلات البيئة وحقوق الإنسان.. إلخ، أيضا من ضمن أزمات الخطاب الدينى إساءة الظن بالمذاهب، وهذه بطبيعة الحال بعض المشكلات أو العقبات التى تواجه تجديد الخطاب الدينى، وحسبنا الإشارة إلى بعضها.
ضرورة شرعية
الدكتور عبدالفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة يقول إن التجديد فى الفكر الإسلامى هو أمر مقرر شرعًا وسنة أخبر عنها النبى صلى الله عليه وسلم الذى تعد شريعته هى الشريعة الخالدة القائمة لجميع ما سبقه من شرائع، فالمولى عز وجل أنزل كتابه الخالد بدلائله وألفاظه التى تصلح لمعطيات الحياة ما بقيت الحياة، فعطاء القرآن لا ينفد، والإسلام أعطى الحق لأهل التخصص ممن بلغوا رتبة الاجتهاد وتحققوا من أدواته أن يعملوا النظر فى نصوص الشرع من كتاب أو سنة أو قياس أو إجماع كما هو معلوم من الدين بالضرورة من مصادر التشريع المتفق عليها، أو المختلف عليها، بين الفقهاء، فلا يلزم أن يكون الأمر مقصورًا على الأزهر فقط، فالبعض يقول إن الأزهر يريد أن يعطى نفسه الوصاية، وهذا كلام غير صحيح، بل إننا نقول من كان مؤهلا من أهل الفكر سواء كان الإعلام أو التربية والتعليم أو الثقافة أو السياسة فى كل التخصصات، لأن الإسلام ليس فيه كهنوت أو ما كان يطلق عليه قديمًا «رجل الدين» أما بالنسبة لاستبعاد التراث الخاص بالعلماء السابقين من التجديد، فهؤلاء الأئمة قدموا زناد الفكر وأعطوا للأمة تراثًا ضخمًا من الثقافة يشيد به القاصى والدانى، العدو قبل الصديق، ولو قرأنا شهادات المستشرقين ممن ليسوا من أهل ديننا لوجدنا ما يجعل المسلم يباهى ويفاخر الأمم بتلك الثروة الفقهية التى تركها الأئمة العظام رضى الله عنهم، فإننا إذا أردنا أن نجدد فعلينا أن ننتفع مما تركوه من أصول ونضيف عليها ما تنتجه العقول المنضبطة بقوانين الشرع.
أزمة فكر
الكاتب والروائى الكبير يوسف القعيد يقول: نحن فى أمس الحاجة إلى خطاب دينى جديد، كما أننى أعترض من الأساس على كلمة «الخطاب» لأنها ترجمة مغربية أو شمال إفريقية لكلمة فرنسية وأصبحنا نستخدمها بمناسبة ودون مناسبة، ودون وعى، وأرى أن التركيبة الدينية نفسها نحتاج فيها إلى رؤية جديدة، وفهم جديد مختلف عما هو قائم، نظرًا لأن القائم صعب، نقول إن هناك شيئًا مطلوبا تجديده ونحن نريد شيئًا جديدًا تمامًا، وبالطبع فتجديد الفكر الدينى لا ينصرف إلى الإسلام فقط بل ينصرف إلى الإسلام والمسيحية وكل دين على الأرض، فمفهوم الدين الحقيقى هو أن الأديان تنظم علاقتنا بربنا وتنظم علاقتنا ببعضنا البعض وحياتنا وتعاملاتنا اليومية، وأرى أن الأزمة فى الخطاب الدينى تكمن فى عدم القدرة على التفرقة بين «المقدس» وهو علاقة الإنسان بربه وبين الأمور الحياتية واليومية التى تختلف عن الأمر المقدس المتفق عليه والتى ينظمها الدين أيضًا، فالدين مسألة حاكمة ومصدر للتشريع وهنا لا خلاف على أن الثوابت أو المقدسات لا يمكن الاقتراب منها أما المتغيرات وهى التعاملات اليومية فيجب تطويره والتوقف أمامها، وبالتالى فإن الأزمة فى الفكر وليس الخطاب فقط.
نقلاً عن : الوفد