جدد صندوق النقد الدولي دعوته لصناع السياسات بضرورة اليقظة في شأن التوقعات حول الاستقرار المالي على المدى المتوسط خصوصاً أن المخاوف ما زالت قائمة، إذ استمرت الظروف المالية التيسيرية في زيادة نقاط الضعف، مثل التقييمات المرتفعة للأصول في جميع أنحاء العالم، وزيادة مستويات ديون الحكومة والقطاع الخاص، والمزيد من استخدام الاستدانة من قبل المؤسسات المالية، وكل هذا يمكن أن يؤدي إلى تضخيم الصدمات المستقبلية للأنظمة المالية.

شهد العالم تصاعد نقاط الضعف من قبل، وعلى الأخص قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008، وعادة ما يكون التراكم تدريجياً، وهو ما ينبغي أن يمنح صناع السياسات الوقت الكافي للتكيف.

وبحسب صندوق النقد، يتمثل مجال القلق الثاني في الانفصال بين حالة عدم اليقين المتزايدة، خصوصاً المرتبطة بالأخطار الجيوسياسية المتزايدة، وتقلبات الأسواق المالية، إذ انحرف المقياس الموحد للتقلبات إلى مستوى أقل بكثير من مقاييس الأخطار الجيوسياسية، ويشير هذا إلى أن أسعار الأصول قد لا تعكس بشكل كامل التأثير المحتمل للحروب والنزاعات التجارية، وهذا الانفصال يجعل الصدمات أكثر احتمالاً، لأن التوترات الجيوسياسية العالية يمكن أن تؤدي إلى عمليات بيع مفاجئة في الأسواق المالية وتدفع التقلبات إلى العودة مرة أخرى مع ملاحقتها حالة عدم اليقين.

هل تتكرر خسائر أغسطس العنيفة؟

في تقريره الذي حمل عنوان “تزايد الهشاشة المالية العالمية على رغم تخفيضات أسعار الفائدة وانتعاش الأسواق”، قال صندوق النقد الدولي، إن اضطراب السوق في أوائل أغسطس (آب) الماضي، على رغم أنه لم يكن حدثاً جيوسياسياً، إلا أنه لا يزال يقدم لمحة عن مثل هذا السيناريو، وأدى تضييق الفوارق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة واليابان في أعقاب رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في أواخر يوليو (تموز) الماضي، وتقرير الوظائف الأميركية الضعيف في أوائل أغسطس (آب) إلى تعزيز سعر صرف الين مقابل الدولار، وأدى هذا بدوره إلى التعجيل بتفكيك صفقات الين المحملة بالاستدانة وحفز عمليات البيع في أسواق الأسهم.

وفي حين انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية بشكل ملحوظ، هبط مؤشر “نيكاي” القياسي في اليابان بنسبة 12 في المئة، وهو أكبر تحرك له في يوم واحد منذ عام 1987، وأدت عوامل أخرى إلى تفاقم عمليات البيع، إذ بدأ المستثمرون في شراء خيارات بيع الأسهم للحماية من الخسائر، مما أدى إلى زيادة تقلبات الأسهم خصوصاً في اليابان والولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، أدت ارتفاعات التقلبات إلى فرض حدود الأخطار لبعض المستثمرين مثل صناديق التحوط ومتداولي الزخم، مما أدى إلى المزيد من عمليات البيع، ومن المؤكد أن ضغوط السوق أثبتت أنها موقتة ولم تهدد الاستقرار المالي، لكن التحرك الحاد من جانب المستثمرين نحو تجنب الأخطار أظهر بوضوح كيف يمكن للمشاعر المتغيرة أن تؤدي إلى تضخيم التقلبات بسرعة، وفق التقرير.

هناك متغير رئيس آخر بالنسبة لصانعي السياسات المالية وهو التوقعات الاقتصادية، ويربط إطار النمو المعرض للخطر الذي وضعه صندوق النقد الدولي الظروف المالية الحالية بتوزيع النتائج المحتملة للنمو المستقبلي، ويبدو أن الأخطار التي تهدد النمو على المدى القريب جرى احتواؤها عند مستويات معتدلة، إذ تشير التقديرات إلى أن احتمال انخفاض النمو العالمي إلى ما دون خط الأساس لآفاق الاقتصاد العالمي لعام 2025 يبلغ نحو 58 في المئة، والنتائج النهائية ليست شديدة للغاية بسبب الظروف المالية التي ظلت متكيفة إلى جانب النمو الائتماني الصحي.

مع ذلك، سيتعين على صناع السياسات أن يكونوا يقظين، كما يقول الصندوق، ونظراً للانفصال الكبير بين عدم اليقين، والأخطار الجيوسياسية، وتقلبات الأسواق المالية، فمن المرجح أن تكون زيادات التقلبات أكثر انتشاراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سيناريو تتشدد فيه الظروف المالية على غرار ما رأيناه في الخامس من أغسطس الماضي، وتظل عند هذا المستوى مدة ربع كامل، فإن احتمال انخفاض النمو في عام 2025 إلى ما دون خط الأساس في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي يرتفع إلى نحو 75 في المئة، مقارنة بذروة أزمة فيروس كورونا، مما يشير إلى أن أخطار الجانب السلبي قد ترتفع بشكل ملموس حينما تصل التقلبات إلى مستوى عدم اليقين.

مخاوف من انفجار قنبلة الديون

يضيف صندوق النقد “مع استمرار الاقتصاد العالمي في النمو، ومع تيسير السياسة النقدية، من الممكن أن تتزايد معدلات خوض الأخطار من جانب المستثمرين، بالتالي، فإن نقاط الضعف مثل الديون والروافع المالية يمكن أن تتراكم، مما يزيد من أخطار الجانب السلبي في المستقبل”.

في البلدان التي يظل فيها التضخم أعلى من الأهداف بشكل عنيد، ينبغي للبنوك المركزية أن تقاوم توقعات المستثمرين المفرطة في التفاؤل في شأن تخفيف السياسة النقدية، وحينما يكون التضخم قريباً جداً، أو عند الهدف، ينبغي لصناع السياسات أن يظهروا الانفتاح على التيسير النقدي بشكل أسرع، إذا كانت الأدلة تشير إلى أن التضخم قد ينتهي به الأمر إلى الوصول إلى مستوى أقل من الهدف لفترة من الوقت، بحسب الصندوق.

تؤكد الهشاشة التي خلقتها المؤسسات غير المصرفية التي تستخدم المزيد من الرفع المالي وعدم تطابق فترات الاستحقاق الحاجة إلى مشاركة تنظيمية وإشرافية أكثر نشاطاً، ويشمل ذلك تنفيذ المعايير المتفق عليها من قبل مجلس الاستقرار المالي، وتعزيز أطر السياسات الاحترازية الكلية لاحتواء الإفراط في المخاطرة، وجمع البيانات الإضافية لتعزيز الشفافية للمشاركين في السوق وصناع السياسات على حد سواء، بحسب الصندوق.

نقلاً عن : اندبندنت عربية