شهد العام الماضي أكبر خروج للشركات من بورصة لندن منذ الأزمة المالية العالمية.

فقد أشارت مؤسسة “إرنست أند يونغ” المتخصصة في المحاسبة إلى تخلي 88 شركة، بما في ذلك “بادي باور” (مالكة “فلاتر”) ومجموعة “توي” للسفر و”جاست إيت”، عن سوق لندن وانتقالها إلى بورصات أميركية وأوروبية.

يأتي ذلك في خضم مخاوف من تقلص أهمية العاصمة البريطانية كمكان مناسب لممارسة الأعمال بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.

والشهر الماضي، لفت الرئيس السابق لبورصة لندن كزافييه روليت إلى وجود “تهديد حقيقي” بنقل شركات بريطانية إضافية تسجيلها إلى أميركا مع تراجع التداول في لندن ومعدلات النمو هناك.

وأشارت “إرنست أند يونغ” إلى أن خسارة 88 شركة هي الخسارة الأكبر من نوعها منذ عام 2009. وخلال الفترة نفسها، سجلت 18  صفقة [عملية طرح أسهم] جديدة قضي ببيع الشركات المعنية أسهمها للمرة الأولى إلى الجمهور.

وكان تراجع مكانة لندن كسوق عالمية منحى مطرداً، قبل 20 سنة عندما هيمنت المصارف وشركات التصنيع وشركات النفط وشركات الأدوية على قوائم الشركات الكبرى، كانت الأسهم المدرجة في المملكة المتحدة تمثل 11 في المئة من السوق العالمية، والآن تقتصر النسبة على أربعة في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا المنحى وثيق الصلة بنمو أسواق أميركا على قدر ما يتعلق بأفول سوق لندن، إذ تهيمن الولايات المتحدة وأسهم شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على الأسواق العالمية.

يذكر أن قيمة مؤشر “أف تي أس إي 100” لأفضل الشركات المدرجة في المملكة المتحدة أداء، بما في ذلك الأسماء المألوفة “تيسكو” و”إتش إس بي سي” و”شل” و”المجموعة الدولية الموحدة لشركات الطيران” (مالكة “الخطوط الجوية البريطانية”)، تبلغ بالكامل نحو تريليوني جنيه استرليني (2.5 تريليون دولار).

في المقابل، نمت شركة “أبل” المدرجة في بورصة نيويورك وحدها لتصل قيمتها إلى 3.72 تريليون دولار (2.97 تريليون جنيه استرليني).

أما كبرى الشركات المدرجة في بورصة نيويورك التي تسهم في تفوق السوق الأميركية على أي منافسة كانت، فهي كلها شركات تكنولوجيا تزيد قيمتها على تريليون دولار، بما في ذلك “أمازون” و”تسلا” و”مايكروسوفت” و”ميتا” و”ألفابت” (مالكة “غوغل”) و”إنفيديا”.

في المقابل، ليس هناك أية شركة مدرجة في بورصة لندن تزيد قيمتها على 165 مليار جنيه استرليني، أو [يفوق حجمها] بضع نقاط مئوية من حجم “أبل”.

وهذا يدل إلى حد كبير على أن بورصة لندن تحتاج إلى إدراج شركات تكنولوجيا كبرى من أجل تعزيز تنافسيتها، وتضم بريطانيا عدداً قليلاً من هذه الشركات، لكن أكبرها شركة “إيه آر إم” لتصميم الرقائق، اختارت نيويورك لإدراج [وطرح] أسهمها عام 2023 عندما باعها “سوفت بنك” المالك لها.

ما أهمية ذلك؟ قال الأستاذ في جامعة برمنغهام ديفيد بايلي إن الشركات ترغب عادة في الإدراج في بورصات قريبة من مساهميها، مما قد يبعد مزيداً من الشركات عن بريطانيا حيث الوظائف مكلفة والضرائب مرتفعة في شكل عام فتدرج أسهمها في بورصات أخرى.

وإذا تقلصت سوق لندن، قد يؤثر ذلك أيضاً في الجاذبية الأوسع للبورصة كمكان لجني الأرباح.

وقال الأستاذ بايلي: “في نهاية المطاف، إذا لم تعتبر بورصة لندن سوقاً جذابة للشركات الكبرى لكي تدرج أسهمها فيها، من شأن ذلك أن يثير علامة استفهام حول ما إذا كان بإمكان الشركات البريطانية جذب الأموال”.

تضم لندن أيضاً أسواق ديون ضخمة [منصات يتداول فيها المستثمرون سندات قروض]، إضافة إلى أسواق لتداول المعادن، وسوق متطورة للتأمين، وغير ذلك من الخدمات التي تحتاج إليها الشركات الكبرى.

وإذا بدأ السبب الرئيس لوجود الشركات في لندن في التلاشي، قد تتضرر هذه الأسواق الأخرى أيضاً.

من المتوقع أن تبدي الحكومة حرصاً على تجنب ذلك، وفي حين يعد اعتماد بريطانيا على القلب التجاري للندن نقطة ضعف، وذلك منذ الأزمة المالية العالمية، لا تزال المنطقة تستضيف مئات الآلاف من الوظائف ذات الأجور المرتفعة، علاوة على ذلك جمعت وزارة الخزانة 79 مليار جنيه استرليني في عوائد ضريبية من القطاع المالي عام 2023 استناداً إلى بحث أجرته شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”.

وفي الوقت نفسه، استعادت بورصة لندن هذا العام مكانتها كأكبر سوق للأسهم في أوروبا، متجاوزة بورصة باريس.

وكانت سوق لندن خسرت مركزها الأول هذا عام 2022 بعد بريكست وإثر صدور الموازنة المصغرة التي وضعتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، لكن الأزمة السياسية الأخيرة في فرنسا أثرت في سوق باريس أيضاً.

وفي حين أن التنافس مع بورصة نيويورك قد يبدو الآن وكأنه حلم [بعيد المنال]، يبدو أن الحفاظ على موقع لندن كعاصمة مالية في أوروبا أمر أكثر واقعية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية