قبل توليه منصبه رسمياً بأسابيع قليلة، حذر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دول الاتحاد الأوروبي بأنها ستتعرض للمعاقبة إذا لم تشتر كميات أكبر من النفط والغاز من الولايات المتحدة.
وكتب ترمب على موقعه للتواصل “تروث سوشيال” اليوم الجمعة “قلت للاتحاد الأوروبي إن عليهم التعويض عن عجز الميزان التجاري الكبير مع الولايات المتحدة بشراء كميات كبيرة جداً من نفطنا وغازنا، هذا وإلا فهي الرسوم والتعرفة الجمركية على طول الخط!!!”.
يأتي التحذير كأول هجوم تجاري من ترمب على أوروبا منذ انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وإن كان تأكيداً لوعوده خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم وتعرفة جمركية على واردات أميركا من كل شركائها التجاريين، ما عدا الصين، بنسبة 20 في المئة، أما الصين فوعد ترمب بفرض رسوم وتعرفة جمركية على صادراتها ما بين 60 و100 في المئة.
ويتولى الرئيس المنتخب منصبه رسمياً في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025، لكنه بدأ يتصرف كرئيس بالفعل، ويواجه الآن احتمال “إغلاق الحكومة” مع رفض الكونغرس اقتراحه بموازنة فيدرالية موقتة تضمن عدم توقف الحكومة عن العمل.
يسعى الاتحاد الأوروبي منذ انتخاب ترمب إلى تفادي الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وبالفعل وضع الاتحاد خلال نوفمبر الماضي خططاً في شأن سبل تفادي الرسوم والتعرفة الجمركية بزيادة مشتريات الأوروبيين من السلع الأميركية بما فيها الغاز الطبيعي المسال.
الاعتماد الأوروبي على أميركا
منذ حرب أوكرانيا زاد اعتماد الدول الأوروبية على استيراد الطاقة من الولايات المتحدة مع تراجع ثم توقف وارداتها من روسيا ونتيجة العقوبات التي فرضت على موسكو بسبب الحرب، وأصبحت الولايات المتحدة أحد أكبر مصدري النفط والغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وحققت شركات الطاقة الأميركية الخمس الكبرى العام الماضي زيادة في أرباحها بعشرات مليارات الدولارات نتيجة التصدير لأوروبا.
مطلع العام الحالي، نشر معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي أرقام العامين الأولين من حرب أوكرانيا مع تراجع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، إذ استوردت دول أوروبا كميات من الغاز الطبيعي المسال بقيمة أكثر من 170 مليار يورو (184 مليار دولار)، وذلك في عامي 2022 و2023، بينما جاءت الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في المقدمة بمقدار 75.15 مليار يورو (81.35 مليار دولار)، واحتلت واردات الغاز الطبيعي المسال من روسيا المرتبة الثانية بقيمة 23.84 مليار يورو (25.81 مليار دولار)، تليها واردات أوروبا من قطر التي بلغت قيمتها على مدى العامين 23.80 مليار يورو (25.76 مليار دولار).
صحيح أن أوروبا على مدى الأعوام الأخيرة خفضت الطلب على النفط والغاز في إطار سياسة ترشيد الطاقة، لكنها لا تزال تحتاج إلى استيراد كميات معقولة منهما.
وفي النصف الأول من هذا العام 2024 استوردت دول الاتحاد الأوروبي نحو 48 في المئة من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، مقارنة مع 16 في المئة وحسب من روسيا، وفي الربع الثالث من هذا العام مثلت صادرات أميركا من النفط لأوروبا 15 في المئة من الواردات الأوروبية، بحسب أرقام وبيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) التي نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز”، وهكذا تظل الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط والغاز إلى أوروبا.
سعة الإنتاج الأميركية
مع أن المفوضية الأوروبية على استعداد لتقديم أي تنازلات لتفادي العقوبات والرسوم الأميركية، بل قالت رئيسة المفوضية أورسولا فوندرلاين، إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يستعيض عما لا يزال يستورده من غاز طبيعي مسال من روسيا بالغاز الطبيعي المسال الأميركي، لكن المشكلة أن السعة الإنتاجية الإضافية للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة محدودة.
ويرى كثير من المحللين أن أميركا في حاجة للاستثمار بكثافة في زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال كي تصدر أكثر لأوروبا، وأن اضطرار الأوروبيين لشراء مزيد الآن، يعني منافسة المستوردين الآسيويين، ومن ثم المضاربة بالسعر ليدفعوا أكثر للشركات الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المهم الإشارة إلى أن تهديد ترمب ليس جديداً، ولا حتى مرتبط بوقف دول أوروبا استيراد النفط والغاز من روسيا، ففي فترة الرئاسة الأولى لترمب (2016 – 2020) هدد أوروبا أيضاً بأن تستورد مزيداً من الغاز من الولايات المتحدة وإلا واجهت عقوبات اقتصادية وفرض رسوم على صادراتها لأميركا.
وعرض رئيس المفوضية الأوروبية وقتها جان كلود يونكر شراء مزيد من الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة.
مكانة كبيرة في سوق التصدير
إنما الإدارة الجديدة لترمب تستهدف زيادة إنتاج النفط والغاز لضمان أن تظل أميركا ليست أكبر منتج في العالم وحسب، بل أيضاً تحتل مكانة كبيرة في سوق التصدير، وبالفعل وصلت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم بمعدل إنتاج قبل شهرين عند 13.5 مليون برميل يومياً.
ووعدت الإدارة الجديدة بزيادة ذلك الإنتاج بمقدار 3 ملايين برميل يومياً في الأعوام القليلة المقبلة، لكن ذلك الهدف قد لا يكون سهل التحقيق مهما قدمت إدارة ترمب من تسهيلات، ذلك أن إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة تقوم به شركات الطاقة الكبرى، وهي شركات خاصة تعتمد في إستراتيجياتها على وضع السوق ومعادلة العرض والطلب والأسعار والعائد وهامش الربح.
هناك مشكلة أيضاً تواجه إدارة ترمب في زيادة سعة الإنتاج وهي أن فورة إنتاج الغاز والنفط الصخري قد انتهت تقريباً، وبدأت منصات الإنتاج في ذلك القطاع بالتراجع.
وبحسب مسح حديث لـ”الفيدرالي” في كنساس سيتي فان شركات النفط الصخري لن تتشجع للدخول في مزيد من مشاريع الإنتاج ما لم تصل أسعار النفط إلى 89 دولاراً للبرميل في المتوسط، هكذا، ومع سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) أقل من 70 دولاراً للبرميل حالياً يبقى هدف زيادة الإنتاج بعيد المنال الآن.
نقلاً عن : اندبندنت عربية