مع تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولايته الثانية، تتوقع بعض شركات التكنولوجيا وعشاق الفضاء ومطورو الذكاء الاصطناعي وغيرهم من المبتكرين أن ينتهج ترمب سياسات مواتية لمجالاتهم خلال الأعوام المقبلة، وهم متحمسون للغاية لإمكانات الاستكشاف والابتكار في عهده الجديد.

وخلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض روّج ترمب لعلاجات غير مثبتة لجائحة كورونا وأنكر أخطار تغير المناخ، كما سعى مراراً وتكراراً إلى خفض التمويل المخصص للعلوم، ومع ذلك فقد تشهد بعض أجزاء البحث والتطوير في الولايات المتحدة مستقبلاً مشرقاً نسبياً في ظل إدارته الجديدة، كما يشير بعض الخبراء إلى أن استكشاف الفضاء البشري والتكنولوجيات ذات الأهمية الإستراتيجية لواشنطن ستكون مجالات يمكن أن تستفيد من وجود ترمب في البيت الأبيض وسيطرة حزبه الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ.

الذكاء الاصطناعي

دفع ترمب خلال فترة ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021 مستشاره العلمي في ذلك الوقت كيلفن دروغماير لدعم ما سماه “صناعات المستقبل”، والتي تشمل الذكاء الاصطناعي وعلوم المعلومات الكمومية والتصنيع المتقدم والاتصالات المتقدمة والتكنولوجيا الحيوية، لذا يتوقع المتخصصون أن تحظى هذه القطاعات باهتمام مستمر خلال فترة ولايته الثانية.

وعندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي فإن الأولوية لإدارة ترمب الثانية ستكون ضمان قيادة الولايات المتحدة في السباق لتطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي الأكثر قوة وقدرة بالمقارنة مع منافستها الجيوسياسية الرئيسة الصين، وبينما سعت إدارته السابقة إلى القضاء على اللوائح التي يُعتقد أنها تمنع الابتكار التكنولوجي التجاري، فإنه يفكر في عصر نماذج اللغة الكبيرة وعمليات تدريب الذكاء الاصطناعي الضخمة في توفير الموارد الفيدرالية لتشغيل مشاريع الذكاء الاصطناعي الضخمة اللازمة للمساعدة في إبقاء الذكاء الاصطناعي الأميركي في المقدمة.

وقد تشهد ولاية ترمب الثانية جهوداً لكبح جماح الذكاء الاصطناعي الصيني، خصوصاً إذا اندلعت حرب تجارية أوسع نطاقاً، وكانت حكومته السابقة قد فرضت عقوبات مصممة للحد من قدرة شركات الذكاء الاصطناعي الصينية على ممارسة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة والوصول إلى الرقائق المطلوبة لبناء الذكاء الاصطناعي المتطور، وفي عام 2019 أصدر ترمب أمراً تنفيذياً أطلق بموجبه “مبادرة الذكاء الاصطناعي الأميركية” لدعم التوجيه في شأن تنظيم الصناعة من دون سحق الابتكار، وفي العام الذي يليه أعلن خططاً تزيد قيمتها على مليار دولار لتمويل إنشاء 12 معهداً وطنياً لبحوث الذكاء الاصطناعي ونظم المعلومات الكمومية، ويتوقع المتخصصون أن تعزز أوامر ترمب التنفيذية المستقبلية الاستخدام الفيدرالي للذكاء الاصطناعي لأغراض الأمن القومي والاستخدامات العسكرية.

وكشف ترمب هذا الأسبوع عن نية شركات “أوبن إي أي” و”أوراكل” و”سوفتبانك” تطوير مشروع مشترك جديد يسمى “ستارغيت”، سيستثمرون بموجبه ما يزيد على 500 مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة للمساعدة في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، واصفاً المشروع بأنه سيساعد في تطوير البنية التحتية المادية والافتراضية لتشغيل الجيل المقبل من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبأنه مقياس للحفاظ على تقدم الولايات المتحدة على الصين في سباق التكنولوجيا المتقدمة.

استكشاف الفضاء

استكشاف الفضاء هو ثاني أكبر الرابحين من وصول ترمب، إذ يحاول مليارديرات الفضاء إقناع الكونغرس بإنفاق مزيد من الأموال على رحلات الفضاء البشرية، إذ إن أولوية وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الأكبر حالياً هي برنامج “أرتميس” لإرسال رواد فضاء إلى القمر، ولتحقيق هذا الهدف قامت ببناء صاروخ جديد للرفع الثقيل كنظام الإطلاق الفضائي (SLS) وكبسولة طاقم تسمى “أوريون”، لكن نظام الإطلاق الفضائي يكلف أكثر من 4 مليارات دولار لكل عملية إطلاق ولا يمكن إعادة استخدامه، وبالتالي يمكن لإدارة ترمب أن تحاول التأثير في الكونغرس لإلغاء برنامج الصواريخ الحكومي واستخدام مركبات الإطلاق التي طورتها شركات خاصة، وتحديداً “سبايس إكس” التي يديرها إيلون ماسك والذي تبرع بكثافة لحملة ترمب.

وفي ولايته الثانية يتوقع علماء الفضاء أن تتسارع خطط “ناسا” لإرسال رواد فضاء إلى المريخ في أربعينيات القرن الـ 21، ولا سيما أن ماسك عبّر كثيراً عن رغبته القوية في استعمار البشر للمريخ، وربما يحاول التأثير في وكالة الفضاء الأميركية للوصول إلى هناك في وقت أقرب باستخدام مركبة “ستارشيب”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القبة الحديدية الأميركية

أثناء حملته الانتخابية دعا ترمب إلى تغيير جوهري يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية الصاروخية، إذ تغطي إستراتيجية الدفاع الصاروخي الأميركية الهجمات الصاروخية الباليستية من كوريا الشمالية والهجمات المحتملة من المنافسين الإستراتيجيين، وتتركز في الأساس في منطقة واشنطن العاصمة فقط، وبحسب ترمب فلم يعد هذا النهج منطقياً وينبغي توسيع إستراتيجية الدفاع الصاروخي لتشمل التهديدات الجوية والصاروخية من جميع الاتجاهات، مع إيلاء اهتمام خاص للتهديد الصاروخي الباليستي العابر للقارات من كوريا الشمالية، وتعقيد الضربات الصاروخية المحدودة من روسيا أو الصين، وحماية القوات النووية الأميركية، وتبعاً لوجهة نظره فسيؤدي القيام بذلك إلى إلحاق الهزيمة بإستراتيجيات الخصوم التي تعتمد على ردع أو منع الولايات المتحدة من مساعدة حلفائها وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وقارة أوروبا.

الاستثمار في شبكات الجيل الخامس

لا تزال الولايات المتحدة تعاني ضغوطاً شديدة في ما يتصل بشبكات الجيل الخامس اللاسلكية 5G، وعلى الصعيد المحلي لا يزال الافتقار إلى طيف النطاق المتوسط يشكل عائقاً أمام التطبيقات التجارية مع غياب أجندة مستقبلية للاتصالات، بخلاف التمسك بالخطوط الدفاعية ضد الصين، ليصبح عائقاً أمام القدرة التنافسية للولايات المتحدة في مجال الجيل الخامس، ويحد بدوره من نطاق وطموح مشروع الجيل الخامس العالمي.

ووفق التسريبات التي تداولتها بعض الصحف الأميركية فستعمل إدارة ترمب الجديدة على إعطاء الأولوية لتمديد سلطة تخصيص الطيف التي تتمتع بها لجنة الاتصالات الفيدرالية، وهي خطوة ضرورية للمساعدة في تحفيز الاستثمار في الجيل الخامس التجاري، وهناك مشروع قانون في الكونغرس حالياً يسمى “قانون إعادة تفويض مزاد الطيف الترددي” من شأنه إعادة فرض هذه السلطة حتى عام 2026.

العملات الرقمية

وخلال حملته الانتخابية العام الماضي أطلق دونالد ترمب على نفسه لقب “رئيس العملات المشفرة”، وقدم مجموعة من التعهدات المصممة لجذب أتباعها، ومن بين التعهدات الأخرى وعد ترمب بترسيخ مكانة الولايات المتحدة كقوة رائدة في مجال تعدين الـ “بيتكوين” وإنشاء مخزون وطني منها، وتعيين مجلس استشاري للـ “بيتكوين” إذا أعيد انتخابه.

وعلى نحو منفصل وعد ترمب سابقاً بتخفيف عقوبة روس أولبريخت، مبتكر السوق السوداء في الإنترنت المظلم ومؤسس موقع “سيلك رود” الذي يقضي حالياً عقوبة السجن مدى الحياة بجملة من التهم، أبرزها غسل أموال والاتجار بالمخدرات وتشكيل عصابة إجرامية والقرصنة المعلوماتية، وقد أصدر هذا الأسبوع عفواً عنه بغية إرضاء مجتمع العملات المشفرة الذي دعمه العام الماضي، إذ كان موقع “أولبريخت” الإلكتروني الذي استخدمه الناس لشراء وبيع المخدرات وغيرها من السلع الممنوعة من بين أولى الخدمات عبر الإنترنت التي تقبل الـ “بيتكوين” كوسيلة للدفع.

نقلاً عن : اندبندنت عربية