وضعت حرب التصريحات النارية المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المنتهية ولايته فلوديمير زيلينسكي أوكرانيا أمام خيارات صعبة أحلاها مر، وتركت كييف داخل نفق مقفل وأمام حائط مسدود في سياق صراعها مع روسيا، بعد أن تلاشت كل آمالها المتبقية في الحصول على مساعدات أميركية اعتاشت عليها وحاربت بها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ونشر موقع “أكسيوس” مقالاً مطولاً خلال الـ21 من فبراير (شباط) الجاري، أشار فيه إلى أن البيت الأبيض يعتقد أن المساعدات الأميركية أنقذت زيلينسكي من الموت. ونقل عن مسؤول في البيت الأبيض قوله “زيلينسكي ممثل ارتكب الخطأ المعتاد الذي يرتكبه الأطفال على المسرح، إذ بدأ يعتقد أنه الشخصية ذاتها التي يجسدها”. وأضاف “لكن لو لم نرسل الملايين كمساعدات له، لكان يرقد على عمق مترين تحت الأرض”.
وبعد ذلك دعا مقربون من الرئيس الأميركي، زيلينسكي الذي انتهت صلاحياته الرئاسية خلال مايو (أيار) 2024 إلى مغادرة أوكرانيا على وجه السرعة، ونقلت صحيفة “نيويورك بوست” عن مصدر مقرب من البيت الأبيض قوله إن “الخيار الأفضل لزيلينسكي والعالم هو رحيله الفوري إلى فرنسا”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وغضب الرئيس الأميركي من رفض الرئيس الأوكراني التوقيع على اتفاق لاستغلال الولايات المتحدة نصف المعادن النادرة في البلاد، كرد جميل للمساعدات الأميركية السخية، مما دفع ترمب لنشر رسالة وصف فيها زيلينسكي بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات”، ودعاه أيضاً لإجراء انتخابات في أوكرانيا من دون تأخير، معتبراً أن شعبية الرئيس الأوكراني الذي رفض إجراء انتخابات رئاسية بحجة حال الطوارئ القائمة بفعل الحرب انخفضت إلى أربعة في المئة.
وانتهت فترة ولاية زيلينسكي خلال الـ20 من مايو 2024، لكنه لم يسارع لإجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا خلال موعدها عام 2024، بسبب فرض الأحكام العرفية والتعبئة العامة، بذريعة أن الوقت ليس مناسباً لهذه الانتخابات الآن.
القبول بأي اتفاق
وكالة “بلومبيرغ” الأميركية عدت في مقال نشرته الخميس الـ20 من فبراير الجاري أن “هجمات ترمب على زيلينسكي تترك أوكرانيا من دون بدائل جيدة… وبدا واضحاً أن أي أمل متبق قد تلاشى الأربعاء (الماضي) عندما وصف ترمب زيلينسكي بأنه ديكتاتور”. ووصفت بالمغامرة أية محاولة يقدم عليها زيلينسكي لمواصلة العمليات العسكرية معتمداً فقط على ما يمكن أن تقدمه أوروبا من دون دعم من دولة كانت الحليف الرئيس لأوكرانيا، ومزودها الأساس بالمساعدات العسكرية. وقالت إن الخيار الآخر المتبقي هو قبول كييف بأي اتفاق قد تتوصل إليه روسيا والولايات المتحدة.
وعقدت في العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الـ18 من فبراير الجاري، محادثات روسية – أميركية رفيعة المستوى. وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن الطرفين اتفقا خلال أول مفاوضات وجهاً لوجه منذ فترة طويلة، على تهيئة الظروف لاستئناف التعاون الكامل بين روسيا والولايات المتحدة وتوسيعه في مجالات جديدة ذات اهتمام مشترك. وعلى وجه الخصوص، اتفقت موسكو وواشنطن على إزالة القيود المصطنعة على عمل السفارات والمؤسسات الأجنبية الأخرى، وإنشاء مجموعات عمل رفيعة المستوى للبدء في وضع تصور حل سريع للأزمة في أوكرانيا. وأعرب الوزير عن ثقته في أن الولايات المتحدة بدأت بعد المفاوضات تفهم موقف موسكو بصورة أفضل.
وبحسب وزارة الخارجية الروسية، اتفق الطرفان في الرياض أيضاً على استئناف الاتصالات في شأن عدد من القضايا الدولية، مع الأخذ في الاعتبار مسؤولية روسيا والولايات المتحدة كقوتين نوويتين. وأعرب الطرفان عن نيتهما النظر إلى المستقبل لاستئناف التعاون في الفضاء والطاقة ومجالات أخرى.
وجاء اللقاء داخل العاصمة السعودية ثمرة للمحادثة الهاتفية المطولة والأولى رسمياً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب. وفي الاجتماع، حدد ممثلو موسكو وواشنطن مجموعة من القضايا التي تحتاج إلى حل قبل اجتماع رؤساء الدول، ومثل روسيا على طاولة المفاوضات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية يوري أوشاكوف، فيما مثل الولايات المتحدة الأميركية كل من مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.
تبادل الهجمات بين ترمب وزيلينسكي
خلافاً لمواقف سلفه جو بايدن المنحازة كلياً لأوكرانيا، تبنى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب موقفاً أكثر حيادية وموضوعية، مُصعداً انتقاداته للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ومُلقياً عليه باللوم للمرة الثانية في انخفاض شعبيته، وعدم إجراء انتخابات وفشله في وقف حرب روسيا ضد أوكرانيا.
وتحدث ترمب عن هذا الأمر للصحافيين الثلاثاء الـ18 من فبراير الجاري أثناء حديثه داخل مقر إقامته في مار إيه لاغو بولاية فلوريدا، وصباح الأربعاء الماضي كتب منشوراً مطولاً على موقعه الإلكتروني على تطبيق “تروث سوشيال” هاجم فيه الرئيس الأوكراني بشدة، قائلاً “أقنع الممثل الكوميدي العصامي زيلينسكي الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار لخوض حرب لا يمكن الفوز بها ولا ينبغي أن تحدث أبداً”، وتحدث الرئيس الأميركي بصورة شخصية حول الأزمة الأوكرانية منذ تسلمه منصبه خلال الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
وذكر ترمب أن الولايات المتحدة أنفقت 200 مليار دولار أكثر من أوروبا مجتمعة في دعم أوكرانيا، وأن أموال أوروبا “مضمونة” بينما لن تحصل الولايات المتحدة على أي شيء في المقابل. وبحسب ترمب، فإن زيلينسكي اعترف بأن “نصف الأموال التي أرسلناها له اختفت”.
وأشار ترمب إلى أن لدى رئيس أوكرانيا رغبة في مواصلة الصراع مع روسيا لتحقيق مكاسب مالية. وذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” الخميس الماضي نقلاً عن مسؤولين غربيين أن الولايات المتحدة تعارض استخدام مصطلح “المعتدي”، وتعبيرات مماثلة أخرى في ما يتعلق بروسيا خلال البيان الختامي الجديد لمجموعة السبع، والذي يستخدمه زعماء المجموعة منذ عام 2022 لوصف الصراع في أوكرانيا.
واتهم الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني بـ”التهرب من إجراء انتخابات”، وزعم مرة أخرى أن شعبية زيلينسكي في استطلاعات الرأي الأوكرانية منخفضة للغاية، وأن “الشيء الوحيد الذي كان جيداً فيه” هو التلاعب بجو بايدن، وقال “لقد لعب ببايدن مثل الكمان”.
واختتم ترمب قائلاً “زيلينسكي ديكتاتور بلا انتخابات ويجب عليه التحرك بسرعة وإلا فلن يبقى له بلد. وفي الوقت نفسه، نتفاوض بنجاح لإنهاء الحرب مع روسيا، لأن الجميع يدرك أن ترمب وإدارة ترمب فقط قادران على فعل ذلك”.
ووصف الرئيس الأوكراني تصريح الرئيس الأميركي للصحافيين أن نسبة الثقة فيه بلغت أربعة في المئة، بالمعلومات المضللة وبأنها “قادمة من روسيا”. وخلص زيلينسكي إلى أن ترمب يعيش في “فضاء التضليل” لأن قوله هذا يتناقض جوهرياً مع استطلاعات الرأي في بلاده، حسب تعبيره.
ورد زيلينسكي على تصريح ترمب الأربعاء الماضي قائلاً “بما أننا نتحدث عن أربعة في المئة فقد رأينا هذا التضليل، ونحن نفهم أنه يأتي من روسيا”. وأضاف “لدينا أدلة على أن هذه الأرقام قيد المناقشة بين أميركا وروسيا”، وعدَّ أن دعوته لإجراء انتخابات داخل البلاد تكرار لإحدى الأطروحات الرئيسة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب زيلينسكي، فإن حرب روسيا ضد أوكرانيا “كلفت” 320 مليار دولار، منها 200 مليار دولار دفعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال الرئيس الأوكراني الأربعاء الماضي “في المجموع، أعطتنا الولايات المتحدة نحو 60 مليار دولار اليوم، وتلقينا 31.5 مليار دولار أخرى”.
وكانت الموجة الأولى من انتقادات ترمب لزيلينسكي مرتبطة بتعليقاته في شأن الاجتماع الأول للوفدين الروسي والأميركي داخل العاصمة السعودية.
ولم تتم دعوة أوكرانيا لحضور الاجتماع في الرياض. “سمعت أنهم كانوا مستائين لعدم حصولهم على مقعد (حول طاولة المفاوضات)، ولكنهم حصلوا على مقعد لمدة ثلاثة أعوام وقبل ذلك بوقت طويل”. وقال ترمب رداً على سؤال “كان من الممكن تسويتها (الأزمة) بسهولة بالغة”.
وقيم الرئيس الأميركي المفاوضات في الرياض بصورة إيجابية، مؤكداً أنه أصبح الآن “أكثر ثقة” في التوصل إلى اتفاق سلام. وقال “كانت (المفاوضات) جيدة جداً، روسيا تريد أن تفعل شيئاً ما، يريدون وقف هذه الوحشية القاسية”. وتابع “أعتقد أنني أملك القوة لإنهاء هذه الحرب، وأعتقد أن الأمور تسير على ما يرام”.
قلق أوروبي
أثار تعزيز الاتصالات المفاجئ بين موسكو وواشنطن وكذلك خطاب ترمب تجاه كييف قلقاً كبيراً بين الدول الأوروبية، فسارعت باريس الأربعاء الماضي إلى لعقد اجتماع ثان لقادة الدول الأوروبية، بغية تطوير سياسة مشتركة في ظل الوضع الجيوسياسي الجديد.
وانتقد المستشار الألماني أولاف شولتز تعبير “ديكتاتور بلا انتخابات”، بحسب ما ذكرت مجلة “دير شبيغل”. وقال شولتز “من الخطأ والخطر أن نحرم الرئيس زيلينسكي من شرعيته الديمقراطية”.
وصرح مصدر أوروبي رفيع المستوى بأن الاتحاد الأوروبي لا يتفق مع تصريحات الرئيس الأميركي في شأن زيلينسكي، لكنه سيستمر في التعاون لتسوية الأزمة في أوكرانيا. وقال رداً على سؤال عما إذا كانت بروكسل لا تزال تعد الولايات المتحدة حليفاً موثوقاً به بعد تصريحات الرئيس الأميركي الذي وصف زيلينسكي بـ”الديكتاتور”، “سنعمل مع جميع الشركاء والحلفاء، بما في ذلك شريك مهم مثل الولايات المتحدة. قد نختلف مع التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض، لكننا سننظر إلى الأفعال وسنعمل معهم لتحقيق سلام عادل ودائم”.
وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا بعد وقت قصير من وصف ترمب لزيلينسكي بأنه “ديكتاتور”، إن أوكرانيا تعرضت “لأفظع هجوم عسكري في تاريخ أوروبا الحديث وثلاثة أعوام من الحرب الشاملة”. وكتب على مواقع التواصل “سندافع عن حقنا في الوجود”.
وأعلنت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس أن السلطات الإسبانية صُدمت من تصريحات الرئيس الأميركي في شأن أوكرانيا. وقالت حول التقارب بين مواقف الولايات المتحدة وروسيا في شأن الصراع في أوكرانيا “صُدمنا من خطاب ترمب حول أوكرانيا… ومن المدهش أنه الآن في انحراف طفيف أراد إعادة كتابة تاريخ لا يمكن إعادة كتابته”. وأكدت روبليس أن الاتحاد الأوروبي يحافظ على “دعمه الثابت والراسخ لأوكرانيا”، لأن أسس التكامل الأوروبي تعتمد على نتائج الصراع. وأشارت أيضاً إلى أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سيزور كييف الأسبوع المقبل كإشارة إلى دعم بلاده لأوكرانيا.
واشنطن وموسكو تتجاهلان أوروبا!
لم تسفر تصريحات القادة الأوروبيين التي عبروا فيها عن قلقهم من أن يتجاوزهم قطار التقارب الروسي – الأميركي عن أي تغيير أو حتى مجرد توضيح من قبل الجانب الأميركي، بل على العكس من ذلك علق نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس على تبادل التصريحات النارية بين ترمب وزيلينسكي قائلاً “زيلينسكي يتلقى نصيحة سيئة للغاية، ولا أعرف من أين جاءت هذه النصيحة”. ولم يعد لديه أية تعاملات مع جو بايدن وإدارة بايدن. “إنه يتعامل مع دونالد ترمب وإدارة ترمب”.
وحذر فانس زيلينسكي من المضي في احتجاجاته العامة على سياسات ترمب وانتقاد الرئيس الأوكراني علانية إدارة الرئيس الأميركي بسبب المفاوضات مع الوفد الروسي في السعودية. وقال إن “التعامل مع الرئيس في منتدى عام” ليس الطريقة الأفضل “للتعامل مع الرئيس ترمب”.
وقال فانس “يعتقد زيلينسكي أنه يمكنه تغيير رأي الرئيس من خلال التحدث بصورة سيئة عنه في وسائل الإعلام، لكن أي شخص يعرف ترمب سيخبرك أنها طريقة خاطئة للتعامل مع الإدارة الأميركية”.
وأضاف فانس “بطبيعة الحال، سيعبر الأوكرانيون عن وجهة نظرهم. لكن مهاجمتهم علناً البلد الوحيد الذي يدينون بوجودهم له، في الوقت الحالي، أمر مخز. وهذا ليس من شأنه أن يقنع رئيس الولايات المتحدة. وفي الواقع، سيكون له تأثير معاكس”.
وأضاف نائب الرئيس الأميركي “لقد تحدثت مع الرئيس هذا الصباح، وأبدى تعاطفه وإعجابه الشديد بشعب أوكرانيا. ويريد أن تتوقف عمليات القتل لأنه لا يريد أن يستمر موت الأوكرانيين الأبرياء”. وقال إن هدف الإدارة هو إنهاء الصراع… وينبغي على زيلينسكي أن يأخذ هذا الأمر على محمل الجد.
وأكد نائب الرئيس أيضاً أن البيت الأبيض يعتقد أن الأزمة الأوكرانية “يجب أن تصل إلى نهاية سريعة”. وأشار فانس إلى أن مثل هذه السياسة تستند إلى وجهة نظر ترمب ومعرفته الجيوسياسية.
وأكد مستشار ترمب للأمن القومي مايك والتز أن دافعي الضرائب الأميركيين يستحقون الحصول على تعويضات عن كلف المساعدات لأوكرانيا. وزيلينسكي رفض خلال وقت سابق التوقيع على مسودة اتفاق في شأن تبادل الموارد الأوكرانية مقابل مساعدات واشنطن. وقال لقناة “فوكس نيوز” إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يتسامح مع “التصعيد الخطابي” من جانب أوكرانيا في شأن اتفاق المعادن الأرضية النادرة.
“نحن نعتقد أن دافعي الضرائب الأميركيين يستحقون استرداد مزيد من استثماراتهم. وهذا يعطي أوكرانيا فرصة، وعليها أن تدرك ما هو هذا الأمر في الحقيقة، ولكن بدلاً من ذلك حصلنا على تصعيد في الخطاب والردود السلبية التي ليس لدى الرئيس أية نية للتسامح معها”.
ومن جهته، كشف الممثل الخاص للرئيس الأميركي في الشرق الأوسط والمشارك في المفاوضات مع روسيا ستيف ويتكوف، أنه عمل خلال زيارته موسكو على إقامة علاقات ودية مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال في منتدى استثماري نظمته السعودية في ميامي “كانت رحلة رائعة… أمضيت وقتاً طويلاً مع الرئيس بوتين وتحدثنا، وطورنا صداقة وعلاقة معه”.
وفي مقابلة مع قناة “سكاي نيوز” على هامش المؤتمر الاستثماري قال ويتكوف “أعتقد أنني أتفق مع الرئيس ترمب، فهو لديه حس قوي للغاية في شأن ما يجب القيام به لتحقيق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا، وأنا أتبع مثاله وأؤمن بما يقوله”.
وفي الـ11 من فبراير الجاري توجهت طائرة ويتكوف إلى روسيا، ونقلت المواطن الأميركي مارك فوجل الذي حكم عليه عام 2022 بالسجن 14 عاماً بتهمة تهريب المخدرات. وكانت هذه الزيارة أول رحلة معلنة إلى موسكو يقوم بها مسؤول أميركي كبير منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، عندما سافر مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك ويليام بيرنز إلى العاصمة الروسية في محاولة لمنع اندلاع صراع بين روسيا وأوكرانيا.
ترمب: مشاركة زيلينسكي ليست ضرورية!
وفي تصعيد غير مسبوق على خط المواجهة الكلامية بين كييف وواشنطن، أكد الرئيس الأميركي خلال الجمعة الـ21 فبراير الجاري، أن زيلينسكي لا يمتلك “في جعبته أوراقاً” تدعم تفاوضه مع روسيا الاتحادية. وعدَّ أن حضور زيلينسكي في الاجتماعات الخاصة بالتسوية السلمية للصراع في أوكرانيا “ليس ضرورياً”.
وقال ترمب “إنه (زيلينسكي) يشكو من عدم وجوده في الاجتماع الذي عقدناه في السعودية لمحاولة التوسط. حسناً، لقد كان حاضراً في الاجتماعات لمدة ثلاثة أعوام مع رئيس لم يكن يعرف ماذا يفعل (جو بايدن). لقد كان حاضراً في الاجتماعات لمدة ثلاثة أعوام، ولم يُحقق أي شيء. لذلك لا أعتقد أن حضوره مهم في الاجتماعات، بصراحة. لقد سبق له أن حضرها لمدة ثلاثة أعوام”.
وأكد ترمب أنه لم يُدع زيلينسكي إلى الاجتماع لأنه أظهر أداء سيئاً للغاية في دور المفاوض، وأضاف “لقد راقبته لأعوام عدة، ورأيت كيف يفاوض من دون أن تكون لديه أوراق قوية في يده. إنه لا يملك أوراقاً قوية”.
وذكر ترمب الرحلة الأخيرة لوزير الخزانة سكوت بيسنت إلى كييف، الذي كان من المفترض أن يوقع اتفاقاً مع زيلينسكي حول المعادن الأرضية النادرة. ووفقاً للرئيس الأميركي، عندما أراد بيسنت إبرام الصفقة لم يتمكن من مقابلة زيلينسكي مرة أخرى. وقال “لقد كانت مجرد رحلة غير مجدية، ورحلة خطرة أيضاً”.
وفيما وصف الرئيس الروسي الأربعاء الماضي المحادثات في السعودية مع الجانب الأميركي بالإيجابية، إلا أنه وجد صعوبة في الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول موعد لقائه مع ترمب، معتبراً أنه يجب أن يتم التحضير لهذا الأمر. وقال بوتين “سأكون سعيداً بلقاء دونالد، لم نلتق منذ فترة طويلة”.
وأكد الرئيس الروسي “ألا أحد يستبعد أوكرانيا من هذه العملية (المفاوضات)”.
المعادن مقابل الضمانات الأمنية!
في أوائل فبراير الجاري، عرض ترمب المساعدة الأميركية على أوكرانيا مقابل المعادن الأرضية النادرة. وتتضمن هذه المجموعة من المعادن 17 عنصراً هي السكانديوم والإتريوم واللانثانوم وغيرها. وقدر الرئيس الأميركي لاحقاً قيمة الصفقة بنحو 500 مليون دولار، مشيراً إلى أنه في مقابل الحصول على الموارد، ستقدم واشنطن لأوكرانيا ضمانات أمنية في أية تسوية سلمية محتملة.
إلا أن زيلينسكي رد على عرض ترمب قائلاً “إن أوكرانيا لا تنوي تقاسم مواردها مع الولايات المتحدة مجاناً، لكنها مستعدة لإبرام صفقة تجعل من الممكن تطوير التنمية المعدنية المشتركة”.
وخلال الـ12 من فبراير الجاري، أعلن زيلينسكي أن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أحضر مسودة اتفاق المعادن الأرضية النادرة إلى كييف، لكن الرئيس الأوكراني رفض التوقيع عليها. وبعد أسبوع، قالت وزيرة العدل الأوكرانية أولغا ستيفانيشينا إن كييف لن تتوقف عن العمل مع واشنطن في شأن الاتفاق.
ونصحت مجلة “بوليتيكو” الأميركية زيلينسكي بقبول صفقة المعادن لإنقاذ نفسه من “غضب ترمب”، وعدم توتير علاقته معه. وأشارت الصحيفة إلى أن حلفاء أوكرانيا في البيت الأبيض، يؤكدون أن لدى زيلينسكي فرصة لإنقاذ علاقته مع ترمب، وهي قبول الصفقة الأميركية المقترحة في شأن المعادن النادرة، والتي تتجاهلها كييف حتى الآن. ولفتت “بوليتيكو” إلى أن الهجوم الحاد الذي وجهه ترمب أخيراً يشير إلى استيائه من رد أوكرانيا على محاولات الولايات المتحدة إبرام اتفاق الموارد المعدنية.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” نقلاً عن أعضاء في الكونغرس خلال منتصف فبراير الجاري، أن مسؤولين أميركيين اقترحوا في اجتماع مع زيلينسكي داخل ميونيخ أن يوقع وثيقة تنقل بموجبها إلى الولايات المتحدة حقوق 50 في المئة من الموارد المعدنية الأوكرانية، التي لم تستخرج بعد. ولكن زيلينسكي صرح خلال اليوم التالي بأنه رفض التوقيع على هذا الاتفاق لأنه يضر بـ”أوكرانيا السيادية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوكرانيا ومأزق انقطاع الدعم الأميركي
أقر رئيس إدارة الاستخبارات الرئيسة في وزارة الدفاع الأوكرانية بأن البلاد ستواجه مأزقاً حاداً ووضعاً خطراً في حال انقطع الدعم الأميركي عنها. وقال كيريل بودانوف إنه سيكون من الصعب للغاية على البلاد البقاء على قيد الحياة من دون الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة.
وأوضح “دعونا نكون صادقين، من دون الولايات المتحدة سيكون الأمر صعباً للغاية بالنسبة إلينا”. وقال بودانوف في مقابلة مع موقع “ديفينس 24” البولندي، “يتعين علينا أن نبذل كل ما في وسعنا للحفاظ على دعمهم لأوكرانيا”، مذكراً بالمثل القائل “لا يمكن لرجل واحد فقط أن يكون محارباً في الميدان”.
وكثيراً ما خشيت كييف من أن يتدهور الوضع بصورة حادة في عهد ترمب. وخلال الخامس من فبراير، اعترف زيلينسكي بأنه يخشى حتى مجرد التفكير في انتهاء المساعدات الأميركية.
أوكرانيا على شفا الفوضى
تنبأ المستشار السابق لرئيس أوكرانيا أوليكسي أريستوفيتش باحتمال حصول انقلاب وحرب أهلية في البلاد. وقال إن أوكرانيا قد تواجه انقلاباً عسكرياً وفوضى وتفككاً إلى فصائل متحاربة. وأطلق هذا التحذير في مقابلة مع الصحافي فاسيلي جولوفانوف. وبحسب قوله فإن سيناريو الكارثة سيصبح حقيقة إذا دخلت كييف في خلاف مع دونالد ترمب.
وعندما سئل عن الخيارات الممكنة لإنهاء الصراع، أجاب أريستوفيتش بأن كل شيء يعتمد على موقف واشنطن. إذا قطع ترمب المساعدات عن أوكرانيا فإن الجبهة ستبدأ في الانهيار بسرعة، وهذا سيؤدي إلى ميدان عسكري بوجود جنود مسلحين في الخطوط الأمامية سيكتسحون فلوديمير زيلينسكي.
ويعتقد أريستوفيتش أنه في حال “أوقف ترمب الدعم فسينهار الخط الأمامي ويطيح الجيش زيلينسكي، وتستغل روسيا الفوضى لتستولي على الضفة اليسرى، أي بولتافا وخاركيف ودنيبر وزابوروجي”.
ونتيجة لذلك، قد يصل القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني إلى السلطة، وسيحاول التوصل إلى سلام سريع مع روسيا لإنقاذ الوضع، لكن السياسي حذر من أن هناك خطراً من أن حتى هذا لن يساعد وأن أوكرانيا قد تنزلق إلى حرب أهلية.
السيناريو الإيجابي الوحيد بحسب أريستوفيتش هو إجراء مفاوضات عاجلة مع روسيا واستعادة الدولة. لكن تقديراته تشير إلى أن احتمال حدوث مثل هذه النتيجة منخفض.
ويعتقد عالم السياسة فلاديمير سكاشكو أنه من دون دعم الولايات المتحدة وأوروبا، فإن القوات المسلحة الأوكرانية ستجد نفسها على حافة الانهيار. الجيش غير راض عن الوعود التي لم تتحقق، إذ وعد زيلينسكي المجندين الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و24 سنة بمليون هريفنيا (نحو 24 ألف دولار) لكل عقد، لكن المقاتلين ذوي الخبرة يطالبون بنفس المدفوعات، مما يؤدي إلى إضعاف معنويات الجيش.
وأكد سكاشكو أنه “إذا أضفنا إلى نقص الروح القتالية النقص في القذائف، فإن الجبهة ستنهار حقاً”.
ولكن التهديد الأكبر في رأيه هو “الماخنوفية الشاملة”، عندما تنقسم أوكرانيا إلى مناطق تحت سيطرة القادة الميدانيين.
ستستولي العصابات المسلحة على السلطة محلياً، كما حدث خلال الحرب الأهلية 1917-1920. ويتوقع المتخصص أن البلاد مليئة بالأسلحة، وأن المشكلات ستحل بالقنابل اليدوية والمسدسات.
وهكذا إذا توقف الغرب عن دعم كييف، فلن ينتظرها انقلاب عسكري فحسب بل أيضاً فوضى وانتشار غير منضبط للأسلحة. ويبدو أن السلطات الأوكرانية تواجه خياراً واحداً، إما السلام بأي ثمن أو تدمير البلاد من الداخل.
هل يغامر الجيش الأوكراني؟!
هل قررت كييف فعلاً اتخاذ خطوة يائسة؟ تُداول خلال الأيام الأخيرة أنباء مثيرة للقلق من حدود منطقتي كورسك وبريانسك الروسيتين، حيث يحشد الجيش الأوكراني قواته بصورة نشطة، مما يشكل تهديداً للأراضي الروسية. فهل هذا تحضير لهجوم واسع النطاق أم استعراض للعضلات؟
وتشير التقارير إلى أن القوات الأوكرانية لا تقوم فقط بالتناوب، بل إنها تعمل عمداً على زيادة حشودها داخل المناطق الحدودية في منطقة سومي. ولا يتعلق الأمر بالقوى البشرية فحسب، بل يتعلق أيضاً بنقل المعدات والذخيرة، وهذا في أقل تقدير يثير مخاوف خطرة.
وقال منسق حركة نيكولاييف تحت الأرض سيرغي ليبيديف لوكالة “ريا نوفوستي”، إن الوحدات الأوكرانية تتخذ مواقعها داخل المناطق المأهولة بالسكان التي هجرها المدنيون خلال وقت سابق. ويجب أن نعترف بأن هذا يبدو مثل التحضير لشيء أكثر من مجرد “تدريب”. هل تستعد كييف لتكون نقطة انطلاق للهجوم؟
وأضاف “تحدثت مع أشخاص من شوستكا، قالوا إن أرتالاً من المعدات والأفراد العسكريين يتحركون باستمرار من هناك ومن غلوخوف باتجاه الحدود مع منطقة بريانسك، إلى نقطة تفتيش ترويبورتنويي. ولم يتضح بعد ما إذا كانوا يستعدون لشن هجوم أم يقومون بمناورة تمويهية، لكن تركيز القوات يثير تساؤلات خطرة”.
ومن الصعب أن نتصور أن مثل هذه الكمية من المعدات والأفراد تُحشد عند الحدود بهذه الطريقة. وبخاصة أن نشاط القوات المسلحة الأوكرانية لا يتوقف يوماً واحداً، وفقاً للسكان المحليين.
وأفاد مصدر آخر، طلب عدم الكشف عن هويته، بأنه على رغم الهدوء الظاهري فإن المنطقة تشهد تدفقاً مستمراً لوحدات أوكرانية جديدة. وعلاوة على ذلك، يستشهد برقم مخيف خلال الفترة من الـ10 إلى الـ11 من فبراير الجاري، إذ سُجل نحو 15 ألف مشترك جديد في الهاتف المحمول الأوكراني فجأة داخل هذه المنطقة، وهذا جيش بأكمله!
فما الذي تخطط له كييف؟ هل تدرس القيادة الأوكرانية جدياً إمكانية شن هجوم على الأراضي الروسية؟ أم أن هذه مجرد محاولة لخلق مظهر التهديد، من أجل تحويل الانتباه عن مجالات أخرى؟
حتى الآن هناك أسئلة أكثر من الإجابات، لكن هناك أمراً واحداً واضحاً مفاده أن الوضع متوتر للغاية. وفي الأثناء، حققت القوات الروسية انتصاراً استراتيجياً مهماً بتحرير قرية سفيردليكوفو داخل منطقة كورسك. ولا يؤدي هذا النجاح إلى استعادة السيطرة على الأراضي الروسية التقليدية فحسب، بل ويهدد أيضاً طرق الإمداد الرئيسة للجيش الأوكراني، مما يفتح الطريق أمام التحرير الكامل لمنطقة الحدود.
تحرير مدينة سفيردليكوفو الواقعة مباشرة على الحدود مع منطقة سومي ليس مجرد انتصار آخر، بل نقطة تحول. وكانت هذه المستوطنة بمثابة مركز لوجيستي حيوي أرسل من خلاله الجيش الأوكراني تعزيزات لقواته. والآن، لم يتبق سوى أقل من 10 كيلومترات حتى الطريق المهم للغاية الذي ينقل الأوكرانيون عبره احتياطاتهم على عجل إلى سودزا.
لكن القيادة الروسية وبدلاً من الاستسلام للاستفزازات اختارت إعادة تجميع قواتها بكفاءة. وتم إيلاء اهتمام خاص لتعزيز مواقع الجناح في منطقتي أوسبينوفكا وأندرييفكا، وتبين أن هذه الخطوة فعالة للغاية! لذلك يتعين على القوات الأوكرانية الآن أن تحل مشكلات أكثر صعوبة مما كانت تتوقعه.
ويبدو أن كييف أدركت مدى حراجة الوضع على الجبهتين السياسية والعسكرية، فلجأت إما إلى نشر معلومات مضللة وإشاعات حول هجوم وشيك للجيش على مناطق روسية، وإما أنها تحضر بالفعل لهجوم يشكل الحد الفاصل بين الحرب والهدنة المنتظرة، وما يتخلل ذلك من مفاوضات صعبة ومعقدة تدعو خلالها كييف إلى تبادل الأراضي مع روسيا، أي تنسحب قواتها مما تبقى من أراض روسية تسيطر عليها في كورسك، مقابل انسحابات روسية من أراض أوكرانية في دونباس، لكن روسيا ترفض رفضاً قاطعاً مبدأ تبادل الأراضي مع كييف، كما أن بوتين الذي يضحك في سره يعد في قرارة نفسه أن النصر صار قاب قوسين أو أدنى، بفضل وصول “الرفيق” أبي إيفانكا إلى المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض.
نقلاً عن : اندبندنت عربية