مع تنامي حالات تزوير اللوحات الفنية والتشكيلية يتجه المغرب نحو محاربة هذه الظاهرة المسيئة للإبداع الفني والتي تنتهك حقوق الفنانين الأصليين، في وقت تنتفخ أرصدة بائعي اللوحات المزورة في المزادات والمعارض وغيرها من المحافل.
ويعتزم القضاء المغربي التحرك بقوة للتصدي لمزوري اللوحات الفنية بمختلف أصنافها عبر ثلاث طرق رئيسة، الأول تشديد العقوبات السجنية والغرامات المالية بحق من ضُبط بتزوير هذه اللوحات، والثاني تحريك المتابعة القضائية ضد هؤلاء من طرف النيابة العامة حتى من دون تقديم شكوى من قبل صاحب الحق، والثالث عبر توعية الفنانين بحقهم في ملاحقة مزوري أعمالهم قضائياً.
ظاهرة التزوير
وعلى رغم عدم توفر أرقام رسمية تثبت عدد حالات تزوير اللوحات الفنية والتشكيلية في المغرب فإن مصدراً من وزارة الثقافة المغربية أفاد بأن هناك تنامياً لظاهرة تزوير اللوحات الفنية من رسومات وأعمال تشكيلية، ولا سيما الفنانين المغاربة المعروفين والذين وافتهم المنية.
ووفق المصدر ذاته فإن تزوير اللوحات الفنية صار ظاهرة آخذة في التنامي على رغم أنه لا يجري أحياناً إبلاغ ذوي حقوق هذه اللوحات الفنية من ممثلي أسر الفنانين الذين تعرضت لوحاتهم للتزوير والتزييف.
وفي هذا الصدد أشار المتكلم ذاته إلى حالة اشتهرت إعلامياً قبل أسابيع مضت بفضل تدخل أسرة فنان مغربي راحل شهير فطنت إلى أن أحد أعماله خضعت للتزوير في مزاد علني، ويتعلق الأمر بلوحات للفنان التشكيلي المعروف أحمد الشرقاوي المتوفى عام 1967، إذ تقرر وقف بيع لوحاته بتدخل من عائلته ومن وزارة الثقافة، فضلاً عن لوحات للفنان جيلالي غرباوي الذي توفي عام 1971 في باريس.
وتنسب نقابة الفنانين التشكيليين المغاربة تنامي ظاهرة تزوير اللوحات الفنية التي تباع أحياناً كثيرة بمبالغ مالية باهظة إلى عوامل رئيسة، منها أن سوق بيع هذه الأعمال الإبداعية منتعشة بصورة كبيرة بفضل هواة وعشاق اقتناء اللوحات التشكيلية.
ومن العوامل الرئيسة التي تسهم في تفاقم ظاهرة تزوير اللوحات الفنية، وفق النقابة ذاتها، العقوبات المتساهلة ضد مقترفي جريمة التزوير مما يحرضهم على الاستمرار في هذا العمل غير القانوني، ليكون تشديد العقوبات عاملاً محفزاً على مكافحة التزوير.
طرق التزوير
ويجري تزوير اللوحات الفنية، خصوصاً للفنانين التشكيليين والرسامين المغاربة المتوفين، من طرف محترفين بارعين في مجال التقليد يوجدون أحياناً خارج البلاد، ووفق حالات تزوير لوحات فنية مغربية فإن شبكات محترفة تعمد إلى طلب خدمات رسامين ذوي تجربة مهنية خارج المغرب من أجل تزوير دقيق للوحات فنية مغربية في مقابل مبالغ مادية قبل أن يجري إدخالها وبيعها في مزادات أو معارض فنية بمبالغ باهظة، على أساس أنها أعمال أصلية لأولئك الرسامين.
وفي هذا السياق يقول الباحث في الفنون التشكيلية أمجد رسلان إن تزوير اللوحات الفنية ينطوي على حيثية مهمة أخرى تتمثل في حصول المزورين على شهادات يُصدق فيها خبراء متخصصون على أن هذه اللوحات أصلية وغير مزورة، وذلك في مقابل مبالغ مالية تدفع لهم كرشاوى.
ويضيف الباحث أن هذه الممارسات تعقد مهمات تتبع اللوحات الفنية وهل هي أصلية بالفعل أم أنها تعرضت للتزوير الدقيق، مبرزاً أن مسؤولية كبيرة تقع على عائلات هؤلاء الفنانين وأيضاً على المؤسسات المعنية من قبيل وزارة الثقافة والقضاء والأمن ومهنيي الفنون وغيرهم، من أجل الحرص على متابعة مآلات هذه اللوحات.
من جانبه أفاد الكاتب والباحث مصطفى لغتيري بأن الربح المادي الكبير الذي يجنيه الوسطاء في الموضوع يدفعهم إلى المغامرة بتنظيم أنفسهم في عصابات وشبكات تتاجر في هذه اللوحات التي تدر عليهم الأموال الطائلة، وأسف لغتيري لما سماه “تراجع القيم جراء هيمنة الكسب المادي على الأذهان والنفوس، حتى إن التعابير الفنية الجميلة التي أنتجت أصلاً من أجل محاربة القبح الجمالي والأخلاقي لم تسلم من ذلك”، وفق تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحماية القانونية
ويطرح الخبير القانوني والمحامي بمدينة الجديدة، وهابي رشيد، إشكالاً بالنسبة إلى حماية اللوحات الفنية والتشكيلية في المغرب، وهو القانون الذي تقع تحت نطاقه هذه الأفعال الإجرامية المتمثلة في التزييف، فهل تقع تحت طائلة القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية؟
وهذا القانون أورد في مادته الأولى أن من ضمن ما يحميه “الرسوم” من دون أن يحدد هل يقصد بها الرسوم الهندسية أم كل الرسوم، وإذا خضع تزييف هذه اللوحات لهذا القانون فسيقع المزيف تحت طائلة الفصل (221) ويعاقب بالسجن مدة تتراوح ما بين شهرين وستة أشهر وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم (50 ألف دولار).
ويستطرد وهابي بأنه “إذا اعتبرنا أن حماية اللوحات الفنية تخضع للقانون 00-2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بالنظر إلى كون المادة الأولى منه اعتبرت إنتاجات الفنون الشعبية تشمل الرسوم والرسوم الزيتية، فيعاقب مزور اللوحة هنا على كل تعد على رسم مجسد في لوحة عادية أو زيتية طبق المادة 64 منه بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وغرامة تتراوح ما بين 10 آلاف درهم (1000 دولار) و100 ألف درهم (10 آلاف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويرى المتحدث ذاته أن النصوص المجرمة لتزييف أو تزوير أو تقليد اللوحات الفنية والتشكيلية في المغرب لا تزال غير رادعة لثني المجرمين عن الاستثمار في هذا الحقل الذي يتوسع يوماً بعد يوم ويدر ذهباً على من تخصصوا في هذا النوع من التعديات.
ودعا وهابي السلطة التشريعية في المغرب إلى توليد نصوص قانونية صارمة تحمي لوحات الفنانين من هذه الأفعال وتغلظ العقوبات السجنية بحق كل من يعتدي على الحقوق الفنية للغير.
ويرتقب أن تسفر اللقاءات وجلسات العمل الجارية بين مسؤولين في القضاء ووزارة الثقافة ووزارة العدل ومؤسسة المتاحف عن قرارات تدعم هذا الاتجاه المتعلق بحماية اللوحات الفنية من التزوير، وصيانة حقوق مالكي اللوحات أو حقوق ورثتهم وذويهم، وأيضاً تشديد العقوبات ضد محترفي التزوير والتزييف.
نقلاً عن : اندبندنت عربية