فاقمت تطورات الحرب من حدة انقسامات الساحة السياسية السودانية وتعمقت حال التشظي، في أعقاب خطاب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان أمام تجمع للقوى السياسية بالعاصمة الموقتة بورتسودان، إلى جانب الانشقاق الكبير الذي شهدته الجبهة المدنية العريضة لوقف الحرب الذي تتبناه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، فكيف ينظر المراقبون والمتخصصون لتداعيات هذه التصدعات وأي واقع ينتظر أن تفرزه انتصارات الجيش على خلفية خطاب واشتراطات قائده الأخيرة، وهل تشهد الساحة السياسية تحالفات وشراكات جديدة مختلفة؟

يرى مراقبون أنه وعلى رغم الجهود الكبيرة لخلق جبهة وطنية عريضة لوقف الحرب على مدى ما قارب العامين الماضيين منذ اندلاعها بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي، بواسطة تنسيقية (تقدم)، غير أن حدة الخلاف حول الحكومة الموازية تسببت في تصدع حاضنة الجبهة العريضة لتعود بالأوضاع خطوات إلى الوراء وتضيق الجبهة بدلاً من أن تتوسع.

فك الارتباط

كان اجتماع الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك أقر يوم الإثنين الماضي، فك الارتباط مع مجموعة بداخلها تنادي بتكوين حكومة موازية لتعمل كل منهما تحت منصة منفصلة سياسياً وتنظيمياً باسمين جديدين مختلفين.

وفي تطور لاحق، أعلن عن تحالف بديل جديد تحت اسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) يترأس هيكله الموقت رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، لتأكيد التزام القوى المدنية الديمقراطية عدم انحيازها لأي من أطراف الحرب أو الانخراط فيها بأية صورة من الصور، وعمله على التصدي لكل ما يهدد وحدة البلاد ويمزق نسيجها الاجتماعي.

وقال تحالف “صمود” في بيانه الأول للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي إن “الحرب الإجرامية التي تعيشها البلاد خلفت أكبر كارثة إنسانية في العالم يدفع ثمن توحشها ملايين السودانيين والسودانيات الأبرياء، ويتكسب منها دعاة الحرب وعناصر النظام السابق الذين يريدون تصفية ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة وإحكام الهيمنة على البلاد”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكد البيان تمسك “صمود” بالمبادئ والأهداف التي تم التوافق عليها في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية لـ”تقدم”، والتراضي على العمل عبر هياكل موقتة بقيادة عبدالله حمدوك إلى حين اعتماد الهياكل الدائمة وفق الأطر التنظيمية.

جدد التحالف الوليد التزامه بمتابعة العمل والإسهام الإيجابي من أجل حماية المدنيين ووقف الانتهاكات ومعالجة الأزمة الإنسانية، واستكمال جهود وقف الحرب عبر بناء أوسع جبهة مدنية ديمقراطية للقوى المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر، وبوقف الحرب وتحقيق السلام الشامل الدائم وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي.

انقسام “تقدم” خسارة كبيرة

وفي السياق، وصف الأمين العام للقوى المدنية المتحدة (قمم) إبراهيم زريبة المحسوبة كلياً على قوات “الدعم السريع”، أن المفاصلة التي أدت إلى انقسام تنسيقية (تقدم) تمثل خسارة كبيرة للقوى السياسية السودانية التي تنحو للتشظي بصورة لا متناهية.

تابع “نستشعر في (قمم) هذه الخسارة لأن (تقدم) كانت تشكل الأمل في تجميع شتات كل القوى المدنية الديمقراطية، كما كانت لدينا معها كثير من القواسم المشتركة أبرزها التأسيس المدني للدولة وقواتها النظامية وإزالة كل مسببات الحرب المتجذرة في السودان، فضلاً عن أن تجربة التكتلات السياسية في حد ذاتها كانت تمنحنا الأمل في مستقبل يوحد هذه التكتلات في كيانات سياسية قليلة لا تتعدي أصابع اليد الواحدة بدلاً من مجموعة الأحزاب الكثيرة المتناسخة والمتشظية التي فاق عددها الـ100 حزب بالبلاد”.

لا يعتقد الأمين العام لـ(قمم) أن يكون هناك أثر كبير على مستقبل الحكومة الموازية المزمع إعلانها خلال الفترة المقبلة في مناطق سيطرة “الدعم السريع”، لأن الحرب لا تزال جارية والسجال محتدم ولم تحسم لمصلحة أي طرف، حتى يتمكن من وضع اشتراطاته لتشكيل الدولة السودانية.

توقعات وتنازلات

وفي شأن خطاب الفريق البرهان وتحذيراته التي هاجم فيها كلاً من حزب الرئيس السابق عمر البشير (المؤتمر الوطني) وتنسيقية (تقدم)، وصف زريبة الخطاب بأنه يصب في خانة تشجيع القوى السياسية على المشاركة في حكومته (المدنية) المرتقبة، حتى يتمكن من الوفاء بالمعايير المفروضة عليه من الاتحاد الأفريقي والأسرة الدولية استباقاً لاجتماعات الاتحاد الأفريقي المرتقبة.

قال زريبة لــ”اندبندنت عربية” إن الاجتماعات المرتقبة لمجلس السلم والأمن الأفريقي قد تحفز شهية التنازلات لدى حكومة بورتسودان، تفادياً لتجديد عقوبات الاتحاد ضدها، وكذلك حتى تتمكن من استعادة عضويتها في الاتحاد الأفريقي.

 

على الصعيد ذاته، يرى رئيس حزب الأمة وائتلاف التراضي الوطني مبارك الفاضل المهدي أن “استمرار الحرب هو السبب وراء تسيد الانقسامات السياسية والمجتمعية للساحة السياسية، إلى جانب الانقسام المجتمعي الكبير في وسط وغرب السودان”.

ولا يعتقد المهدي أن الحرب يمكن أن تنتهي بانتصار طرف على آخر، على رغم تمكن الجيش بمساندة المتطوعين من استعادة توازنه وتحقيقه انتصارات رجحت كفته، مشيراً إلى أنه في حال أصر قائد الجيش على مواصلة الحرب فقد يقود ذلك إلى انقسامات في المؤسسة العسكرية التي حدثت فيها بعض التشققات منذ بداية الحرب، معتبراً أن انقسام تنسيقية (تقدم) انعكاس للانقسامات داخل المجتمع السوداني نتيجة لتداعيات الحرب.

تحالفات جديدة

من جهته، توقع المتخصص في مجال العلوم السياسية عبدالرحمن النزير أن تفرز الحرب الراهنة واقعاً سياسياً جديداً غير بعيد من تطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية، وقد تبرز فيه تحالفات مختلفة تشكل فيها الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش طرفاً أصيلاً، قد تجذب لها عدداً من القوى السياسية المطالبة باستئناف العملية السياسية والتحول المدني الديمقراطي في معادلة أقرب لشراكة عسكرية مدنية جديدة يقودها الجيش.

ولفت النزير إلى أن تعرض الجبهة العريضة بوصفها تحالفاً مدنياً واسعاً مناهضاً للحرب للتصدع والانقسام، سيترتب عليه إضعاف جهود وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية وزيادة معاناة المدنيين نتيجة استمرار الصراع، كما قد يحفز على عودة القوى المناهضة للحكم المدني الديمقراطي.

 

تابع “على رغم أن الانشقاقات ظاهرة لازمت الساحة السودانية تاريخياً، فإن الحرب فاقمتها بصورة أكبر، وتسببت في مزيد من إضعاف القوى السياسية”، محذراً من أن “استمرار هذا الواقع سيقود إلى تعميق للأزمة في ظل تباعد المواقف واصطفاف قوى سياسية ضد الحرب، وأخرى تؤيد الجيش في الحسم العسكري وثالثة تقف خلف قوات ’الدعم السريع‘”.

وتوقع الأكاديمي أن يتابع تحالف “صمود” الجديد برئاسة عبدالله حمدوك الحراك نفسه تجاه المجتمعين الدولي والإقليمي، لكنه يحتاج إلى فترة من الزمن لإعادة ترتيب بيته الداخلي، وقد يسعى إلى ضم تيارات سياسية أخرى بالانفتاح على الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق السلام والعمل على عودة حزبي الشيوعي والبعث العربي الاشتراكي، كونها تلتقى على الحد الأدنى حول استعادة التحول الديمقراطي.

وشدد على أن القوى السياسية السودانية أمام تحد تاريخي مصيري يستدعي منها تقديم تنازلات قد تكون مؤلمة من أجل الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق، لإنهاء الصراع من جانب والتأسيس لحكم مدني ديمقراطي من جانب آخر.

رئيس الحركة الشعبية- شمال (التيار الثوري) والقيادي في تنسيقية (تقدم) سابقاً ياسر عرمان أكد أهمية البحث عن حلول حقيقية وفعالة تسهم في إنهاء النزاع، بدلاً من الانشغال بمسائل صورية لا تعكس التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.

ووصف عرمان على صفحته بـ”فيسبوك” خطاب البرهان الأخير بأنه يفتح نافذة للحوار ويسمح بطرح الأسئلة المعقدة التي تحتاج إلى معالجة، لكنه لا يكفي وحده لوقف الحرب لأن تركيزه على التعديلات في هياكل السلطة لن يغير من واقع الحرب المستمرة.

وأشار القيادي إلى أن الواقع السياسي الراهن يتضمن ثلاث قوى رئيسة، هي قوى الثورة والتغيير وحركات الكفاح المسلح غير الموقعة على اتفاق السلام، إضافة إلى القوات المسلحة وحلفائها و”الدعم السريع” وحلفائه، معتبراً أن قوى الفلول والحركة الإسلامية هي التي تربطها علاقة معقدة بالجيش وتحتاج إلى الابتعاد عن القطاع الأمني وفك هذا الارتباط.

نقلاً عن : اندبندنت عربية