في وقت بدأ فيه الجيش السوداني استرداد عدد من المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات “الدعم السريع” والتي من أهمها مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، يواصل حالياً تضييق الخناق على عاصمة ولاية الجزيرة ود مدني التي تعد ثاني أكبر مدينة في السودان، وذلك عن طريق زحف محاوره القتالية من الجنوب الغربي والشرقي.

وباتت قوات الجيش المسندة بالقوة المشتركة للحركات المسلحة وقوات درع السودان التابعة لأبو عاقلة كيكل الذي انسلخ أخيراً من “الدعم السريع” على بعد 20 كيلومتراً من ود مدني، بعد أن بسطت سيطرتها على منطقة ود المهدي، وقبلها سيطرت على محلية أم القرى ومصنع سكر غرب سنار، فضلاً عما يجري داخل جبهات القتال الأخرى كالعاصمة الخرطوم والفاشر.

هذه الانتصارات المتلاحقة وما يحدث من تحول في مسار العمليات العسكرية لمصلحة الجيش السوداني يطرح ثمة تساؤلات، حول ما إذا كان يعني تراجعاً في قدرات “الدعم السريع” القتالية أم مجرد تغيير تكتيكي؟

واقع مؤسسي

يشير المتحدث الرسمي السابق باسم الجيش السوداني محمد بشير سليمان إلى أنه “من الضروري النظر إلى الواقع المؤسسي للجيش السوداني كقوات مسلحة قامت وتأسست على النظم العسكرية المنهجية والعلمية التي تؤسس عليها الجيوش النظامية، فضلاً عن تمتعها بعقيدة قتالية وتدريبية وخبرة وتجربة كبيرتين، وهو ما لا يتوافر أو تتصف به قوات ’الدعم السريع‘ التي لا تعدو أن تكون مجرد ميليشيات قبلية، ومرتزقة يبحثون عن المال، من ثم تفتقد للعوامل والدوافع التي تبنى من خلالها إرادة القتال والصمود”.

وأضاف سليمان “هذا التفوق جعل القوات المسلحة السودانية تمتص عامل المفاجأة والصدمة الأولى لمحاولة الانقلاب الذي خططت له قيادة ’الدعم السريع‘ وحاضنتها السياسية لتفتقد بذلك ما يحققه عامل المبادأة، وفي الوقت نفسه اتجهت نحو البناء العسكري لتجاوز النقص البشري والتسليح، مع إعلان حالة الاستنفار وإعداد المقاومة الشعبية وتوفير مواد تموين القتال، وكذلك إعادة التخطيط بصورة تتجاوز بها خطط وأساليب قتال الميليشيات، والعمل على تدمير قوات العدو من خلال الجهدين الجوي والمدفعي لإضعافها، ليكون كل ذلك مع تمدد الزمن أهم العوامل الرئيسة في إحداث التفوق الأدائي في العمليات والانتصارات المتتالية التي تحققت في الاتجاهات الاستراتيجية وجبهات القتال كافة”.

وتابع المتحدث “بالتأكيد حدث تراجع كبير في قدرات ’الدعم السريع‘ البشرية والمادية بدليل الخطاب البكائي الذي وجهه قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) لقواته بعد هزيمتها في معركة جبل موية، والذي دعا فيه حواضن قواته باستنفار مليون مقاتل لاستمرار الحرب، فضلاً عن تجنيد تلك الميليشيات الأطفال قسراً في المناطق التي يعتدون عليها، وإلزامهم الشباب بالانضمام للقتال في صفوفها بالقوة، إضافة إلى استجلابها المرتزقة من القارات كافة للقتال معها، وكلها حقائق تؤكد معاناة ’الدعم السريع‘ في القوة البشرية”.

 

 

وواصل كلامه قائلاً “إن الحديث عن توازن أو تعادل القوى بين القوات المتقاتلة يجب ألا يؤثر في التفكير بنتائج مجريات الحروب والمعارك، فإنه على رغم أهمية الحشد لإحداث التفوق في القتال، باتت بالضرورة تحتم ربط الحشد بمبدأ الاقتصاد في القوى والتعويض عن ذلك بكثافة النيران التي تنتجها الأسلحة المتطورة في المعركة المشتركة، وذلك لمعالجة النقص في القوى البشرية، لكن يجب ألا يشغل عامل التفوق العقول كثيراً فقد يكون العدو متفوقاً في عامل القوة البشرية لكنه يلاقي الهزيمة على يد قوات أقل، لما تتمتع به من قيادة كفؤة قادرة على التخطيط السليم وناجحة في جانب السيطرة وإدارة القتال وبناء روح الفريق، فضلاً عن امتلاكها قدرات نارية أفضل، لذلك فإن هزيمة ’الدعم السريع‘ قادمة وإن طال الزمن وحشدت ما حشدت من قوات”.

وأوضح سليمان أنه “لا يستطيع كائن من كان أن يفتي في إمكان نهاية الحرب بالصورة التي يتخيلها بعض لأسباب عديدة، منها أنها حرب غير تقليدية تتم من خلال تصادم بين جيشين في منطقة محددة حتى ينتصر طرف على الآخر، لكنها حرب تتميز بالسيولة وبخاصة من ناحية استراتيجية ’الدعم السريع، التي تماثل حرب العصابات في بعض سيناريوهاتها، كما أن قيادتها وحاضنتها السياسية لا تمتلكان قرار إيقاف الحرب أو استمرارها، إذ هما أداة فقط لتنفيذ استراتيجية حلفائهما الدوليين والإقليميين الداعية لتفكيك الدولة السودانية”.

وختم المتحدث الرسمي السابق باسم الجيش السوداني “بالتالي، لكي تحقق القيادة السودانية الانتصار لا بد أن تغير المفهوم الذي تسير عليه لجنة الاستنفار والمقاومة الشعبية ليكون وفق المفهوم العسكري العلمي المعروف، الذي يتم بناء عليه إعداد الدولة للدفاع (للحرب)، وذلك بتجييش الشعب ليصبح مقاتلاً وإلا فالأمر سيطول”.

مناورة وانسحاب

في المقابل، قال عضو تجمع “قدامى المحاربين” السودانيين معتصم العجب “بالفعل تمكن الجيش السوداني من استرداد مناطق عدة كانت تحت سيطرة ’الدعم السريع‘، لكن بعض المناطق انسحبت منها الأخيرة دون قتال مثل سنجة والدندر والسوكي بولاية سنار، في حين دارت المعارك فقط في منطقة جبل موية التي انتصر فيها الجيش باستخدام الطيران الحربي بصورة مكثفة، باعتبارها منطقة استراتيجية وملتقى طرق تربط عدداً من الولايات، وتكبدت ’الدعم السريع‘ خلال تلك المواجهات خسائر فادحة في العتاد والأرواح، وفي تقديري أن انتشارها في هذه الولاية كان في الأساس خطأ كبيراً غير مبرر لأنها ليست بالمنطقة الحاكمة والمؤثرة كالعاصمة الخرطوم مثلاً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع العجب “صحيح أنه حدث تراجع في تحركات ’الدعم السريع‘ خلال الآونة الأخيرة نظراً إلى قلة الموارد البشرية والمالية، وبخاصة أن الحرب مكلفة جداً وتتطلب إمداداً بشرياً وعتاداً مستمراً لتعويض الخسائر التي تحدث في المعارك، فضلاً عن الاستهلاك الكبير للتسليح وبخاصة النوعي، كالمسيرات وقذائف المدفعية طويلة المدى والصواريخ، إذ يلحظ أنه قد حدث فيها شح، لكن بصورة عامة فإن ما يحدث الآن هو توازن الضعف من قبل الطرفين من ناحية العتاد والقدرات البشرية والمادية”.

وبيَّن عضو تجمع “قدامى المحاربين” السودانيين أن الحرب الجارية حالياً بين الطرفين بدأت شبه حرب عصابات تعتمد على المناورة والاستيلاء والانسحاب على مستوى تكتيكي واستراتيجي، من ثم من الصعب حسمها عسكرياً.

حرب استنزاف

من جانبه، أوضح الأمين العام للقيادة المركزية العليا لضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين “تضامن” محمد نور أن “القوتين المتحاربتين وصلتا إلى مرحلة الضعف المتوازن بعد أكثر من 19 شهراً من القتال العنيف، إذ أنهكت قواتهما ومواردهما بصورة واضحة، مما جعل قوات ’الدعم السريع‘ تبتعد من المنطقة الوسطى بالانسحاب تجاه المناطق الحدودية جنوباً وشرقاً حتى لا تكون عرضة للاستهداف من قبل الطيران الحربي التابع للجيش، لأنها مناطق مكشوفة لا توجد فيها جبال وغابات توفر لها ساتراً”.

 

 

واستبعد نور أن يكون تراجع “الدعم السريع” عسكرياً بمثابة انهيار، لكنه تكتيك جديد يقوم على عدم التمسك بالمناطق المفتوحة والوجود في المناطق التي يمكن أن يحصل منها على الإمداد مثل المناطق المتاخمة لجنوب السودان، صحيح أن الجيش حقق خلال الفترة الأخيرة تقدماً في محاور عدة لكن ما زالت “الدعم السريع” تسيطر على أكثر من 60 في المئة من مساحة الأراضي السودانية.

ومضى في القول “كذلك معلوم أن معظم مقاتلي ’الدعم السريع‘ يتحدرون من مناطق غرب البلاد، وأنه نظراً إلى تطاول أمد الحرب اتجهت هذه القوات للاحتفاظ بأقل قوة في مناطق سيطرتها، حتى تتيح لأفرادها السفر إلى أسرهم في صورة إجازات محدودة”.

ونوه الأمين العام للقيادة المركزية العليا لضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين بأن هذه الحرب هي استنزاف وليس لها قواعد تحكمها، وأن كل طرف يعمل على إطالة أمدها، وما يقوم به الجيش من نشاط وتحركات حثيثة تأتي كمحاولة لإعادة سيطرته على أكبر مساحة من الأرض من أجل تحسين موقفه التفاوضي، لأنه في نهاية المطاف لن تتوقف هذه الحرب إلا بالحوار السلمي، فكل حروب العالم إما انتهت بانتصار طرف أو تدخل لفصل القوات المتحاربة أو التفاوض.

نقلاً عن : اندبندنت عربية