تقديرات بتباطؤ اقتصادات اليورو مع تفاقم الاضطرابات السياسية

شهدت منطقة اليورو تراجعاً في نشاط الأعمال هذا الشهر متأثرة بحال من عدم اليقين السياسي الداخلي إلى جانب التهديدات الأميركية بفرض رسوم جمركية أعلى على صادراتها. وجاءت هذه التطورات وفقاً لاستطلاعات رأي، مما أثار مخاوف في شأن استمرار التباطؤ الاقتصادي في المنطقة.

وأظهرت التقارير أن الشركات الأوروبية استمرت في خفض رواتب الموظفين للشهر الرابع على التوالي، مما يشير إلى ضعف ثقة الأعمال وتزايد الضغوط الاقتصادية، وترافق ذلك مع انخفاض اليورو إلى أدنى مستوياته في عامين تقريباً مقابل الدولار الأميركي، إذ يرى المستثمرون احتمالاً أكبر لتسريع البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات المركب لمنطقة اليورو، الذي نشره بنك “هامبورغ التجاري” ومؤسسة “ستاندرد أند بورز غلوبال” إلى 48.1 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ بداية العام. وتعد القراءة التي تقل عن 50 نقطة علامة على انكماش اقتصادي. وكانت توقعات الاقتصاديين تشير إلى تراجع أقل حدة، وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.

على النقيض أبدت الشركات في الولايات المتحدة تفاؤلاً في شأن الطلب الحالي والإنتاج المستقبلي، مدفوعة بتوقعات إيجابية حول سياسات أكثر دعماً للأعمال في ظل إدارة دونالد ترمب. وارتفع مؤشر مديري المشتريات الأميركي إلى أعلى مستوى له في عامين ونصف العام مع استمرار قطاع الخدمات في التوسع وإظهار قطاع التصنيع علامات تعافٍ واضحة.

وفي اليابان أظهرت استطلاعات الرأي أن النشاط الاقتصادي ما زال يعاني الركود، وفي أستراليا شهد القطاع الخاص انخفاضاً طفيفاً في النشاط، فيما برزت الهند كاستثناء، إذ استمر القطاع الخاص في التوسع بوتيرة قوية، مما يعكس أداءً اقتصادياً إيجاباً مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة.

وتبرز هذه النتائج التباينات الواضحة في أداء الاقتصادات الكبرى حول العالم، إذ تعاني منطقة اليورو ضغوطاً سياسية وتجارية تؤثر في ثقة الأعمال، وكذلك تباطؤ استجابة السياسات النقدية مقارنة بالولايات المتحدة.

وبينما تواجه منطقة اليورو تحديات اقتصادية متزايدة تبدو الولايات المتحدة في وضع أفضل نسبياً مع استمرار التعافي الاقتصادي، أما في آسيا، فيظل النمو متفاوتاً بين دول تعاني الركود وأخرى تحقق توسعاً سريعاً، مما يجعل التوقعات المستقبلية أكثر تعقيداً على الصعيد العالمي.

وفي بريطانيا أشارت المسوحات بصورة غير متوقعة إلى أن الاقتصاد ينزلق إلى الانكماش للمرة الأولى منذ أكثر من عام، مع رد فعل الشركات بصورة سيئة على زيادة ضريبة التوظيف المنصوص عليها في موازنة الحكومة في نهاية أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي الوقت نفسه أشارت الشركات في منطقة اليورو التي تضم 20 دولة إلى أنها بدأت في تسريح الموظفين في مواجهة ضعف الاستثمار المضطرب في المستقبل.

بيئة تجارية أكثر سلبية

ومن بين الأسباب المثيرة للقلق بصورة خاصة احتمال فرض تعريفات جمركية أعلى على الواردات في الولايات المتحدة، وهو ركيزة أساسية لحملة ترمب الانتخابية الناجحة.

ومع اكتساح الجمهوريين للهيئة التشريعية في البلاد، فإن الاحتمالات عالية بأن التجارة بين أوروبا وأهم وجهة تصدير لها ستتعرض للضغط، على رغم أن التفاصيل لا تزال غامضة، وقد يأتي الإعفاء في صورة إعفاءات متفاوض عليها. وحتى في حال فرض تعريفات جمركية أعلى، فإن العواقب المحتملة تظل موضع نقاش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إن اقتصاد منطقة اليورو المنفتح بصورة خاصة معرض بشدة لبيئة تجارية أكثر سلبية، مشيرة إلى “التهديدات المتزايدة للتجارة الحرة من جميع أنحاء العالم”.

وفي حين يضيف عدم اليقين التجاري إلى الاضطرابات السياسية في أكبر عضوين في منطقة اليورو، لا تزال حكومة ميشيل بارنييه الفرنسية غير مستقرة وتكافح للحصول على الدعم التشريعي لموازنتها، في وقت اضطر فيه المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الشهر إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد انهيار ائتلافه الحاكم.

وقال الاقتصادي في بنك “هامبورغ التجاري” سايروس دي لا روبيا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، “إن عدم اليقين السياسي الذي زاد منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة والإعلان عن انتخابات مبكرة في ألمانيا في الـ23 من فبراير (شباط) المقبل، لا يساعد”. وأضاف، “ليس من المستغرب أن يواجه الاقتصاد تحديات، فالشركات تتنقل فقط بالبصر”. وواجه اقتصاد منطقة اليورو صعوبة في التعافي من ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية الذي أعقب الحرب الروسية على أوكرانيا في أوائل عام 2022. وفي حين أشارت الأرقام الرسمية إلى انتعاش في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، كان ذلك مدفوعاً جزئياً بالبيانات الإيرلندية المتقلبة، في حين قالت وكالة الإحصاء الألمانية إن الاقتصاد نما بنصف سرعة لم تقدرها في البداية.

ومن بين المخاوف التي تواجه صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي أن الاستطلاع أشار إلى زيادة أسرع في الأسعار التي تفرضها الشركات، على رغم أنهم من المرجح أن يركزوا على التأثير الأطول أمداً للتضخم على اقتصاد يبدو أنه معرض لخطر الانكماش.

انزلاق الخدمات والتصنيع في منطقة اليورو

انزلق قطاع الخدمات في منطقة اليورو إلى الانكماش في حين هبط مؤشر التصنيع إلى انحدار أعمق مع ترقب منتجي السلع بقلق التطورات في واشنطن، بحسب ما أظهرته المسوحات. وفي ألمانيا، أهم اقتصاد في منطقة اليورو وأكبر مصدر للسلع، بلغ النشاط أدنى مستوى له منذ فبراير الماضي.

وقال الاقتصادي السابق في البنك المركزي الأوروبي سورين راد، والذي يعمل الآن في صندوق “بوينت 72″، إن حال عدم اليقين من المرجح أن تتفاقم قبل تنصيب ترمب.

وأضاف أن ضعف سوق العمل قد يشجع البنك المركزي الأوروبي على تسريع وتيرة جعل أسعار الفائدة داعمة للنشاط والتوظيف.

وبدأ البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق من هذا العام دورة من تخفيضات أسعار الفائدة بهدف تخفيف القيود المفروضة على النشاط في منطقة اليورو، وتشجيع مزيد من الاستثمار مع انخفاض التضخم إلى هدفه اثنين في المئة بعد عديد من الأرباع عند مستويات مرتفعة غير مريحة.

وقد يدفع تباطؤ النمو في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري صناع السياسات إلى التحرك بسرعة أكبر لتخفيف القيود على النشاط الاقتصادي. وفي الأسبوع الماضي، اقترح عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بييرو سيبولوني إبقاء أسعار الفائدة مقيدة في وقت تتزايد فيه الضغوط الخارجية.

وينقسم صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي حول ما إذا كانت التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة ستعزز التضخم، وقال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل إن التعريفات قد يكون لها تأثير كبير إذا أشعلت معركة تجارية أوسع نطاقاً، لكن نظيره في بنك فرنسا قال إنها لن بلا تأثير يذكر في مسار التضخم.

نقلاً عن : اندبندنت عربية