تعكف السلطات في تونس على تعزيز الانتشار الدبلوماسي للبلاد في أفريقيا وآسيا وذلك خلال وقت يحتدم فيه التنافس العالمي على النفوذ في القارة السمراء، التي ما انفكت تشهد تغييرات سياسية كبيرة ولافتة جراء انقلابات عسكرية وغير ذلك.

وفي كلمة له أمام البرلمان على هامش مناقشة الموازنة العامة، اشتكى وزير الخارجية محمد علي النفطي من “انتشار دبلوماسي لتونس لا يفي الحاجة خصوصاً في أفريقيا وآسيا، ولا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة من سياساتنا الخارجية”.

وبحسب النفطي فلدى تونس 60 سفارة موزعة في جميع أنحاء العالم، لافتاً إلى أن “من بين هذه السفارات 18 سفارة في العالم العربي و22 في أوروبا وسبع في آسيا وخمس في أميركا و10 في أفريقيا جنوب الصحراء موزعة على 48 دولة، إضافة إلى 23 ما بين قنصليات وقنصليات عامة”.

عوائق مالية

وتعهد قائد الدبلوماسية في تونس بأن تعمل بلاده على توسيع تمثيلها الدبلوماسي متى توافرت الظروف الملائمة لذلك، من دون أن يذكر تفاصيل في شأن فتح سفارات أو قنصليات جديدة في القارة السمراء أو الآسيوية.

ولم يبلغ التبادل التجاري بين تونس وأفريقيا المستوى المنشود، إذ لم يتجاوز ثلاثة في المئة من إجمال صادرات البلاد إلى العالم.

وتاريخياً، انضمت تونس إلى منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963 وإلى الاتحاد الأفريقي الذي خلفها عام 2002، لكن ذلك لم يشكل حافزاً لها لتعزيز بعثاتها الدبلوماسية داخل القارة السمراء.

وتقتصر السفارات التونسية الـ10 على إثيوبيا والسنغال ومالي والكونغو الديمقراطية وساحل العاج وبوركينا فاسو ونيجيريا وكينيا والكاميرون وجنوب أفريقيا، وتنشط هذه السفارات من أجل تأمين المصالح التونسية في 54 دولة أفريقية.

وقال وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس “بالفعل ما صرح به النفطي يسلط الضوء على معضلة قديمة، كنا نشعر بها خلال أدائنا لمهامنا الدبلوماسية”.

وأوضح ونيس في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن “تونس تشهد أزمة اقتصادية ومالية ستعوق بالفعل أية محاولات لتعزيز الانتشار الدبلوماسي للبلاد، هذه الأزمة نحمد الله أنها لم تقد إلى انهيار لكنها لا تسمح بالقيام بخطوات مماثلة”.

وشدد على أنه “في المقابل، أعتقد أن المشكلة ليست من حيث عدد السفارات والقنصليات بل في عمق العمل الدبلوماسي، لأنه يستحيل فتح 192 سفارة في عالم يتألف من 193 بلداً، لكن يجب العمل على إحياء الدور الدبلوماسي للبلاد فقط”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليست قضية تونسية

وإلى جانب المصالح الاقتصادية والحضور الدبلوماسي فإن أهمية تعزيز الانتشار الدبلوماسي لتونس في أفريقيا تكمن في معالجة ملف الهجرة غير النظامية، إذ تعمل السلطات التونسية على ترحيل آلاف المهاجرين الذين يتحدرون من دول أفريقية.

وقال ونيس إن “الهجرة غير النظامية ليست قضية تونسية أو أفريقية أو أوروبية بل هي كونية، والاقتصادات في عالم الجنوب لا تكفي لاستيعاب التدفق السكني والديموغرافي للدول المعنية بالهجرة، والاقتصاد ليس متناسباً مع الأجيال القادمة إلى العمل”.

وأفاد بأن “السوق الأوروبية جاذبة للأفارقة مما جعل تونس بلد عبور للمهاجرين، لكن القضية ليست تونسية وتعالج في إطار أوسع”.

غير قادرة

وتنتهج الدبلوماسية في تونس منذ عقود خيار الحياد الإيجابي، إذ تنأى بنفسها عن التدخل في النزاعات الدائرة سواء في أفريقيا أو غيرها، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا الخيار سيفيدها الآن وبخاصة في ظل التهافت الدولي على القارة السمراء.

وقال الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي إن “التمثيل الدبلوماسي لتونس تراجع بصورة كبيرة خلال الأعوام الـ10 الماضية، وبُني هذا التراجع على قراءة خاطئة لدور الدبلوماسية التي تغيرت خلال تلك الفترة واتجهت عكس النهج الدبلوماسي التقليدي الذي عرفته تونس منذ حصولها على استقلالها حتى 2010”.

وفي تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أبرز القاسمي أن “هناك محاولات الآن لاستعادة الدبلوماسية التونسية دورها، وتبدو أفريقيا الملاذ والملجأ بما أنها العمق الاستراتيجي لتونس طاقياً واقتصادياً وغيرهما، لكن للأسف هي محاولات تراوح عند حدود التمنيات والتطلعات بمعنى آخر من حيث الاعتراف بأهمية هذا البعد الاستراتيجي والجغرافي والاقتصادي والأمني والسياسي والطاقي، لكن لم نر إجراءات ملموسة على أرض الواقع تجسد هذه الرؤية”.

منافسة مع المغرب

خلال عام 2018، انضمت تونس إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا المعروفة اختصاراً بـ”الكوميسا” وهي مبادرة تركز على انفتاح دول القارة على الأسواق المحلية. وتضم هذه السوق نحو 480 مليون نسمة و13 خطاً جوياً مباشراً تعمل على وجهات مختلفة في أفريقيا.

وفي البداية، منح انضمام تونس إلى هذه السوق التي تضم نحو 19 دولة بصيص أمل للتونسيين من أجل تعزيز مبادلاتهم التجارية مع بلدان أفريقيا، لكن حجم تلك المبادلات لا يزال دون المطلوب.

وتجد تونس نفسها في مزاحمة مع قوى عالمية على غرار روسيا التي هي بصدد توطيد موطئ قدم لها في الساحل الأفريقي، بعد أن أبرمت شراكات أمنية مثيرة مستفيدة من انقلابات عسكرية أدت إلى صعود قادة مناهضين لفرنسا.

وقال الجمعي القاسمي “في اعتقادي فات الأوان وتونس أصبحت غير قادرة على منافسة الأطراف الإقليمية التي أصبحت فاعلة في الشأن الإقليمي، وأخص بالذكر المغرب الذي استطاع أن ينسج شبكة كبيرة اقتصادية مع الأفارقة عززها بأسطول جوي مهم يربط الرباط مع بقية العواصم الأفريقية”.

وبالنسبة للقاسمي “في المقابل ما زالت تونس تتلمس الطريق، لذلك إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لا بد من البدء بتوسيع الحضور الدبلوماسي لتونس خصوصاً أنه أصبحت لنا جالية في أفريقيا مثل ساحل العاج ولا بد من البحث عن أسواق جديدة لترويج المنتج التونسي”.

وفي ظل معركة النفوذ المحتدمة في أفريقيا بين روسيا والصين من جهة وفرنسا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، من غير الواضح مدى نجاح السلطات التونسية في استعادة حضورها داخل القارة السمراء.

نقلاً عن : اندبندنت عربية