ككل موسم، باتت الأعمال الدرامية التي تبث بمناسبة شهر رمضان في تونس بمرمى الانتقادات الحادة، سواءً بسبب استنساخ المواضيع المطروحة واجترار الوجوه والنجوم أنفسهم، أو بسبب بعض المشاهد التي صدمت الشارع.

وفي أول حلقة من مسلسل “الفتنة” لمخرجته سوسن الجمني التي اكتسبت شعبية واسعة في تونس كواحدة من أهم مخرجات الدراما في السنوات الأخيرة ظهر مشهد لرجل أعمال وهو ينتحر وجثته غارقة في دمائها، ويبث هذا العمل في تلفزيون “الحوار” الخاص.

وفي مسلسل “الرافل” الذي يبث على التلفزيون الحكومي لمخرجه ربيع التكالي ظهر مشهد لطفل يتظاهر فيه بأنه بصدد الانتحار ليخيف عائلته، مما أثار مخاوف في الشارع من أن يشكل ذلك محفزاً للانتحار في بلاد تسجل بالفعل معدلات عالية من المنتحرين سنوياً، خصوصاً في صفوف الأطفال.

فقر في كتابة السيناريوهات

طغت الأعمال الكوميدية هذا الموسم في تونس على الدراما، حيث تتنافس فقط خمسة أعمال درامية هي، “الفتنة” للجمني و”الرافل” للتكالي و”وادي الباي” لمخرجته راوية مرموش و”رقوج” لمخرجه عبدالحميد بوشناق و”الزعيم” للمخرج أحمد الأندلسي.

وتتشابك وتتقاطع المواضيع المطروحة في معظم هذه الأعمال على غرار الصراع على الميراث، والزواج العرفي واستهلاك المخدرات في المدارس والتحرش الجنسي، وغيرها.

الصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية في تونس صابر الميساوي قال، “أعتقد أنه قد يبدو عادياً أن تتشابه المواضيع والقضايا، لكن الأزمة تكمن في تشابه المشاهد والنفس الإبداعي في الكتابة وفي تشابه الأداء بين الممثلين في بعض الأحيان”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع الميساوي في حديث خاص مع “اندبندنت عربية” أنه “قد يكون أيضاً من البدهي أن تتكرر رؤية النجوم أنفسهم من موسم إلى آخر، لكن المسألة تصبح غير عادية في تكرر الأدوار، وهو ما يحصل أمام آلاف الأعين التي تتابع في صمت ما يحدث في شهر طغى عليه الجانب الاستهلاكي على حساب الجانب الديني في السنوات الأخيرة، وهو عائد لفقر في كتابة السيناريوهات”. وأردف، “هناك عراقيل تعترض الممثلين والمشرفين على صناعة الأعمال الدرامية على غرار منع التصوير بالطائرات من دون طيار، وغير ذلك وهي مشكلات لوجيستية (…)، وعلى رغم بعض الوجوه الوافدة على المسلسلات الرمضانية من مجالات أخرى كالمسرح والإعلام وفئة من يدعون أنهم من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الأدوار تتكرر وتتماثل ويتحول الإنتاج أحياناً من صناعة ثقافية وربحية في الوقت ذاته إلى فرصة للربح والبيع والتسويق وكل ما يتعلق بمصطلحات التجارة بعيداً من الثقافة”.

واقع أشد قتامة

الجدل في شأن قيمة الأعمال الدرامية في تونس ليس وليد اللحظة، إذ يتكرر في كل موسم رمضاني، حيث باتت المحطات التلفزيونية في البلاد بمرمى انتقادات حادة، خصوصاً في ظل تشكيك يصل إلى حد صلة المواضيع المطروحة بالواقع.

يقول الميساوي إن “الشاشات التونسية في اعتقادي تخسر فرصة المصالحة مع الجمهور كل عام، وهو جمهور يعود نحو المحطات التلفزيونية ليبحث عن مسلسلات قد تزيح عنه ثقل الواقع، لكنه يصطدم بواقع أشد قتامة مما يعيشه أو بالنقيض أحياناً أخرى فيرى صورة مزيفة للتونسي في القصور وبسيارات فخمة بتنفيذ إخراجي مضخم ومبالغ فيه”. وشدد على أن “القطيعة تعود من جديد بعد شهر رمضان بين التونسيين وهذه الشاشات، وهي قطيعة تغذيها انتشار ثقافة الديجيتال وبعد المحطات التلفزيونية عن الالتصاق بخوالج المتابعين وبتطلعاتهم في غالب الأحيان”.

وفي رأي الميساوي فإن “تداعيات هذه القطيعة تكمن في اتساع الفجوة من عام لآخر بين المشاهد والشاشة الصغيرة وتكون تيارات من المتحسرين على الدراما القديمة والمسلسلات الرمضانية التي يعود إنتاجها إلى التسعينيات والسنوات التي تليه”.

وبالفعل، لا تزال مسلسلات تلفزيونية قديمة تجتذب التونسيين أكثر من الأعمال الدرامية الحديثة على غرار “الخطاب على الباب” الذي يعيده التلفزيون الرسمي، وسلسلة “شوف لي حل” الهزلية وغيرهما.

تنوع ملحوظ

في المقابل تعتقد الباحثة في الشأن الثقافي جيهان التركي أن “هناك تنوعاً ملحوظاً في الأعمال الدرامية التونسية هذا العام، إذ أنتجت التلفزة الوطنية (رسمية) سلسلتين هزليتين ومعهما مسلسل في النصف الأول من رمضان وهو الأمر ذاته تقريباً الذي ينطبق على جُل المحطات التلفزيونية الخاصة”.

 

وتابعت التركي في تصريح خاص، “لا أعتقد أن المواضيع تتكرر، وهذه المواضيع تمثل وجهة نظر الفنان والسيناريست لذلك حتى إذا كانت بعض المواضيع مكررة فإن طريقة تناولها ومعالجتها الدرامية تكون مختلفة شأنها شأن السيناريو وأداء الممثلين”.

وشددت على أن “الجدل الدائر هو مفروغ منه، إذ نجد بعض المواضيع الجديدة مثل ذلك الذي يطرحه سيتكوم (هريسة لاند) الذي يبث على التلفزة الوطنية ويعالج مسألة الإدارة وهو موضوع ليس مكرراً”.

جدل الممثلين

وليست المواضيع وحدها التي تطرح جدلاً في تونس في ما يتعلق بالأعمال الدرامية في شهر رمضان، حيث تواجه عملية انتقاء واختيار الممثلين هي الأخرى انتقادات وتعليقات من قبل الشارع وكثر من الفاعلين الثقافيين.

وقال الممثل التونسي خالد هويسة إن “هناك مخرجين في تونس يحبذون العمل مع الوجوه نفسها الفنية مهماً كان المشروع الفني الذي يطرحونه في شهر رمضان، وهذا أمر له إيجابياته وسلبياته أيضاً”.

لكن التركي تعتقد أن “هناك أيضاً تنوعاً للنجوم، إذ هناك وجوه غابت هذا العام ووجوه أخرى عادت على غرار عاطف بن حسين الذي عاد هذا العام إلى مسلسل (الزعيم)، وكان غائباً عن الدراما التونسية لفترة طويلة، وأيضاً في مسلسل (الرافل) نجد نجوماً عادت من جديد مثل محمد السياري وناجية الورغي ولسعد بن عبدالله في مسلسل (الفتنة) حتى وإن كانت مساحة مشاركتهم ضيقة نوعاً ما”.

نقلاً عن : اندبندنت عربية