بدأ التونسيون احتفالات بالذكرى الـ14 لاندلاع ثورة 2011 التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي وشكلت شرارة لانطلاقة “الربيع العربي”، وتتزامن احتفالات هذا العام مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويثير هذا التزامن تساؤلات حول ما إذا كان سيدفع نحو استعادة “الربيع العربي” زخمه، خصوصاً في ظل الانتقادات المتصاعدة إزاء تراكم الإخفاقات في الدول التي شهدت انتفاضات سواء على صعيد الحريات أو الأمن أو الاقتصاد.
وانطلق “الربيع العربي” عندما فجرت حادثة حرق بائع متجول يُدعى محمد البوعزيزي نفسه في ولاية سيدي بوزيد احتجاجات في تونس في ديسمبر (كانون الأول) 2010، وسرعان ما انتقلت العدوى إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن.
حرك آمالاً
ونجحت ثورات “الربيع العربي” في إطاحة زعماء في العالم العربي قادوا بلدانهم لعقود، وكان أولهم زين العابدين بن علي الذي حكم تونس أكثر من 23 عاماً، ثم الرئيس المصري حسني مبارك، الذي أطاحته هو الآخر احتجاجات شعبية بعد 30 عاماً قضاها في الحكم.
ثم أتى الدور على معمر القذافي الذي أطاحه الثوار الليبيون بعد أن قاد البلاد نحو 42 عاماً، ثم علي عبدالله صالح الذي قضى 33 عاماً في رئاسة اليمن، لكن الأمر كان مُختلفاً في سوريا حيث تحولت الاحتجاجات السلمية إلى حرب أهلية امتدت نحو 13 عاماً.
وقال الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي “لا شك أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد أعاد إلى طاولة النقاش مسألة الربيع العربي من ناحية، وأثار بخاصة مقارنات بين المسارات المختلفة التي عاشتها الدول مع تجربة الربيع العربي التي طاولت عدداً كبيراً من الدول العربية من ناحية أخرى”.
أضاف الحاجي “لا يمكن التغاضي عن عامل مھم، ويتمثل في أن سقوط النظام السوري حرك آمالاً لدى قوى تطمح إلى أن تستفيد من عامل العدوى، وتؤمن بلعبة قطع الدومينو وخلق مخاوف لدى القوى الراغبة في إبقاء الوضع على ما ھو عليه”.
وشدد على أنه “يمكن أن تختلف التوقعات من دولة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية إلى أخرى في مستوى الوطن العربي، وفي تقديري فإن النظام السوري أصبح ثمرة طازجة منذ سنوات وھو الذي تراكمت مشكلاته الداخلية من دون أن يضع لھا برنامجاً إصلاحياً، لا سيما مع تقلص مجال بسط سيادته بعد أن أصبحت مناطق كاملة خارج سلطتة، وتحول إلى ورقة تخضع للرياح الإقليمية والدولية ولشروط لعبة الشطرنج العالمية”.
ولفت الحاجي إلى أنه “في ظل فقدان الحاضنة الشعبية والوزن الإقليمي لا يمكن لأي نظام سياسي أن يصمد طويلاً، بخاصة إذا ناصبته دول الجوار والقوى الكبرى العداء، والوضع الجديد يمثل عامل ضغط نفسي على أغلب الأنظمة العربية وبشكل خاص تلك التي تواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية”. واستنتج المتحدث أنه “حين نضيف إلى ذلك أننا لا نعرف بشكل دقيق ما هي أولويات القوى المهيمنة دولياً وإقليمياً بخاصة بعد أن تأكد أن طوفان الأقصى كان مغامرة خاسرة كلفت الفلسطينيين والعرب الكثير، يمكن أن نتوقع دخول المنطقة في حالة من التأثر بارتدادات الزلزال السوري التي لا يمكن الحد منها إلا بسياسات إصلاحية حقيقية لا تهمل أي جانب وبحياة سياسية متطورة فيھا انفتاح واسع واحترام الجميع لقواعد اللعبة الديمقراطية مع تصد صريح لكل أشكال التدخل الخارجي”.
تعثر النخب السياسية
وعلى رغم نجاح الثورات في دول مثل تونس وليبيا واليمن، إلا أن إخفاقات أمنية وسياسية قادت إلى تعثر الانتقال الديمقراطي.
وفي تونس أثار استيلاء الرئيس قيس سعيد في عام 2021 على كل الصلاحيات بعد إطاحته البرلمان والحكومة المنتخبين مخاوف من الارتداد على مكاسب ثورة 2011، خصوصاً بعد سجن صحافيين ونشطاء معارضين بارزين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر المحلل السياسي المتخصص في الشؤون المغاربية حبيب الله ولد حماه الله أن “نجاح الثورة السورية في تحقيق هدفها بإسقاط النظام على رغم طول مسارها سيفتح آمالاً جديدة لدى الشعوب بأن قادتهم يمكن الإطاحة بهم على رغم قوة سطوتهم”. وتابع حماه الله أن “نجاح الثورة السورية أعاد للأذهان ثورة تونس العظيمة التي شكلت استثناء في التاريخ العربي المعاصر، حيث أسقطت تلك الثورة النظام من دون أن تُسقط الدولة، لكن تعثر النخب السياسية في مرحلة ما بعد الثورات العربية أدى إلى الفشل في إنجاز أهداف وغايات تلك الثورات”.
تغيير تدريجي
من جانبه، قال الباحث السياسي المصري حامد محمود إن “المشهد الإقليمي والعربي، بعد 14 عاماً من قيام الثورة في تونس في الـ17 من ديسمبر 2011، يبدو مختلفاً، حيث كانت الإرهاصات في العقد الأول من الألفية الثانية تتجسد في حالة جمود من الأنظمة العربية التي كانت تعاني أصلاً من شيخوخة مثل نظام بن علي الذي استمر من عام 1987 حتى 2011، وفي مصر الذي استمر لأكثر من 30 عاماً من دون تغيير حقيقي وأيضاً ليبيا واليمن وسوريا”. وأردف محمود أن “كل هذا كان يشي بضرورة حدوث تغييرات هيكلية في جسد النظام العربي الذي لم يستوعب التغييرات مع بداية الألفية الجديدة في ظل وجود نوعية مختلفة من الشباب ودخول التقنيات الحديثة، الأنظمة لم تستوعب حركة التغيير لدى الشباب الذي لديه طموح مختلف، ومن هنا بدأ التغيير”. وأكد أن “الحال الآن بعد 14 عاماً من الثورة التونسية يبدو مختلفاً جداً والتغيير في سوريا كان بعوامل خارجية عكس ثورات الربيع العربي حيث تمت بتفاعلات داخلية”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية