تعيش تونس حالاً من الشح المائي منذ أعوام وصلت ذروتها خلال صيف هذا العام بسبب تردي أوضاع السدود في جميع أنحاء البلاد، ووفق المهتمين بالشأن البيئي فإنه بقي الوضع كما هو حتى أنه خلال 30 يوماً لن توجد مياه وراء السدود لتحويلها إلى شركة استغلال المياه.
الرئيس التونسي قيس سعيد علق على الأمر قائلاً “ليس من قبيل الصدفة أن يكون الوضع وصل إلى ما هو عليه قبل أسابيع قليلة من الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية”، وفق تعبيره.
ومن جانب آخر وبعيداً من السياسة والانتخابات دعا المرصد التونسي للمياه إلى إعلان حالة طوارئ مائية، إذ تراجع مخزون السدود بنسبة 23.2 في المئة خلال الأسبوع الأخير من أغسطس (آب) الماضي، بحسب بيان رسمي أشار إلى أن المخزون المائي للسدود بلغ 545.683 مليون متر مكعب، مقارنة بـ686.328 مليون متر مكعب خلال الفترة نفسها عام 2023.
إلا أن الأمطار تساقطت مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري على مناطق مختلفة من تونس وتسببت في إنقاذ الوضع المائي بصورة نسبية.
تأجيج الأوضاع الاجتماعية
وقال عضو المرصد التونسي للمياه إن هدفهم من طلب إعلان حال الطوارئ المائية اتخاذ مجموعة مهمة من الإجراءات، لافتاً إلى أن الدولة قامت بعدد من الإجراءات فعلياً منذ أعوام إلا أنها لم تعلن حال الطوارئ حتى لا يتم تعويض الفلاحين المتضررين من الجفاف.
الوضع المائي الحرج في تونس لم يسلم من الصراع السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة وذلك في إطار الصراع المحموم نحو قصر قرطاج خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وفي هذا الصدد قال رئيس الجمهورية قيس سعيد في لقائه أول من أمس الإثنين وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عز الدين بن الشيخ إن “الوضع الذي عاشته تونس في مجال المياه غير طبيعي”.
وتابع سعيد “انقطاع المياه كان نتيجة لا لانحباس الأمطار والجفاف بل لعدم التعهد والالتزام على مدى أعوام طويلة بشبكات التوزيع والاهتمام بالسدود، إلى جانب أعمال إجرامية غايتها تأجيج الأوضاع الاجتماعية وهو ما ثبت في الأبحاث العدلية بعدد من مناطق الجمهورية”.
ومن جانبه قال المتخصص في التنمية والموارد المائية حسين الرحيلي إنه “حسابياً فإن امتلاء السدود لا يمكن أن يكفي شهراً، لكن في الواقع وحسب الأمطار الأخيرة فإن هذه المقاربة لا تستقيم، وبخاصة أننا على أبواب فصل الشتاء وسينقص الإقبال على المياه بصورة كبيرة”.
وأشار الرحيلي إلى أن دعوات إعلان حال الطوارئ المائية انطلقت منذ 2019 مع تواصل أعوام الجفاف في تونس، مضيفاً أنها “إعلان رسمي من قبل السلطات بوجود أزمة بخصوص المياه، ويتبع ذلك خطوات عدة أهمها وضع خطة كاملة والقيام بتغييرات في مجلة القوانين الخاصة بالماء أهمها اعتبار هذه الأزمة جائحة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المتخصص المائي أن “التغيرات في القانون لا بد أن تتبعها التزامات من الدولة ومؤسساتها لتحمل مسؤولية دعم المتضررين من استمرار الجفاف ونقص مياه الري، إذ تتطلب حال الطوارئ المائية تخصيص جزء كبير من الموارد لتعويض الفلاحين، وبخاصة الصغار منهم، الذين تأثروا بسبب تراجع منسوب مياه الري”.
واعتبر الرحيلي أن تونس متأخرة بصورة كبيرة في رد فعلها تجاه أزمة شح الموارد المائية، مشيراً إلى أن البلاد دخلت مرحلة الإجهاد المائي منذ 1995 وكان من الضروري إعادة النظر في عدد من المجالات ومراجعة سياسة تعبئة الموارد المائية على مدى نحو 30 عاماً”، لكن حسب رأيه فإن السلطة إلى اليوم لا توجد لديها خطة واضحة وقابلة للتنفيذ في أقرب وقت ممكن.
خطة تأمين مياه الشرب
من جانبه أكد مدير عام الهندسة الريفية واستغلال المياه بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبدالحميد منجة أن الوضعية الحالية للسدود حرجة ولا بد من التعامل معها بحكمة، لافتاً إلى أن بعض السدود المحورية شمالاً في مستويات منخفضة، فضلاً عن ضعف المخزون المتوافر وبخاصة في سدود الوسط والوطن القبلي، مما استدعى مواصلة عمليات تحويل المياه بالطاقة القصوى.
وشدد منجة خلال ندوة صحافية دورية لوزارة الفلاحة في تونس العاصمة على وجوب ترشيد استهلاك الماء والتحكم في الطلب على المياه، عبر اعتماد الحنفية المقتصدة للماء والتي تستهلك ثلث الحنفية العادية وإجراء التدقيق الإجباري بخصوص الاستعمالات السياحية والصناعية واستعمال الموارد البديلة وإعادة تدوير المياه.
وبخصوص الاستعمالات الفلاحية، أكد المتحدث أهمية قيادة عملية الري والتوجه نحو الزراعات الأقل استهلاكاً للماء وتثمين المياه المستعملة المعالجة واستعمال المياه الجوفية المالحة بعد تحليتها.
ودأبت الوزارة بحسب مدير عام الهندسة الريفية واستغلال المياه على وضع خطة تأمين التزود بالماء الصالح للشرب خلال الصيف بالوسط الحضري، إذ بلغت النسبة الإجمالية لتقدم إنجاز مخطط تأمين التزود بالماء الصالح للشرب نحو 70 في المئة، وتم حفر 33 بئراً عميقة منها 17 تم تجهيزها وربطها بالمنظومات المائية، فضلاً عن دخول محطات لتحلية مياه البحر حيز الاستغلال في بعض المناطق.
ومن المشاريع الاستراتيجية محطات تحلية المياه وبناء السدود لتجميع مياه الأمطار ومن أهمها سد ملاڨ العلوي بالكاف شمال غربي تونس بطاقة استيعاب 200 مليون متر مكعب، ليكون السد الثالث من حيث الحجم بعد سيدي سالم وسيدي البراق، إذ بلغت نسبة الإنجاز نحو 87 في المئة وسيتم الانتهاء منه عام 2025.
نقلاً عن : اندبندنت عربية