أعلنت تونس أخيراً نتائج التعداد السكاني لعام 2024، التي كشفت عن انخفاض ملحوظ في نسبة الخصوبة وارتفاع في متوسط أعمار السكان، ما يشير، بحسب خبراء ديموغرافيين، إلى توجه البلاد نحو مرحلة شيخوخة سكانية متزايدة.

في هذا السياق، دعا المدير الفني للتعداد السكاني عبدالقادر الطلحاوي إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الديموغرافية الحالية، مشيراً إلى أن “السياسات السابقة التي ركزت على الحد من النسل كانت مناسبة في وقتها، لكنها لم تعد تتلاءم مع الواقع الحالي”.

وأظهرت البيانات أن معدل نمو السكان في تونس يبلغ حوالي 0.87% سنوياً، مع تعداد سكاني يصل إلى نحو 12 مليون نسمة وفق آخر إحصاء.

تواجه تونس حالياً تحديات ديموغرافية جديدة تستلزم تحقيق توازن بين الحفاظ على المكاسب التي تحققت في مجال تنظيم الأسرة وتمكين المرأة، وبين الحاجة الملحة إلى تشجيع الإنجاب لضمان استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي ومواجهة الشيخوخة السكانية.

تراجع متسارع في معدلات الخصوبة

قال أستاذ الديموغرافيا والعلوم الاجتماعية حسان القصار إن النتائج التي أعلن عنها “المعهد الوطني للإحصاء” كانت متوقعة، مؤكداً أن تونس لم تشهد أبداً انفجاراً سكانياً بسبب السياسة السكانية التي اتبعتها منذ الاستقلال.

وأضاف أن معدل الخصوبة انخفض بشكل متسارع منذ عام 1966، ليصل حالياً إلى حوالي 1.7 طفل لكل امرأة، وهي نسبة لا تضمن تجدد الأجيال مستقبلاً، مع تقلص الفئة العمرية النشطة (15-60 سنة) وارتفاع نسبة كبار السن فوق 60 عاماً، مع ازدياد عدد الإناث.

ويرجع القصار هذا التراجع إلى عدة عوامل اجتماعية وثقافية مثل الهجرة، ارتفاع معدلات الطلاق، تأخر سن الزواج، زيادة معدلات التعليم لدى النساء، ودخولهن سوق العمل.

توجهات الشباب وتوقعات المستقبل

يرى الخبير الدولي في السكان والتنمية حافظ شقير أن انخفاض معدلات الخصوبة مرتبط بشكل أساسي بتغير قيم الشباب ورغبتهم في الاستقلالية، مشيراً إلى أن معدل الخصوبة في تونس ما يزال جيداً مقارنة بالدول الأوروبية، مع توقعات بزيادة طفيفة في المستقبل لا تتجاوز نسبة 2%.

وأشار شقير إلى أن أسباب انخفاض الخصوبة تعود أيضاً إلى عوامل مثل برامج تنظيم الأسرة، ودور الإعلام في التوعية، وانتشار التعليم، وتغير الهيكل الأسري.

البقاء للأذكى وليس للأكثر عدداً

من جانبه، قال المسؤول السامي في مكتب التنسيق الإنمائي التابع للأمم المتحدة، طارق الشنيتي، إن معدل النمو السكاني المنخفض في تونس يعد نتيجة إيجابية لسياسة الحد من النسل، مؤكداً أن تونس ليست معرضة لانفجار سكاني بسبب موقعها الجغرافي ومواردها المحدودة.

وشدد الشنيتي على أن مفهوم القوة العاملة التقليدية يتغير، مشيراً إلى أن المستقبل سيكون للأكثر ابتكاراً وإبداعاً وليس للأكثر عدداً، مع تزايد دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تعويض الحاجة للعمالة التقليدية.

السياسات العمومية ومستقبل البلاد

أكد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ على أهمية نتائج التعداد السكاني في صياغة السياسات العامة، مشيراً إلى أن البيانات ستُستخدم في إعداد مخطط التنمية للسنوات 2026-2030، مع التأكيد على ضرورة التكيف مع التغيرات الديموغرافية الحالية التي تتطلب سياسات تستجيب لزيادة نسبة كبار السن.

تحدي جديد أمام تونس

منذ استقلالها عام 1956، اعتمدت تونس سياسة سكانية ناجحة للحد من النمو السكاني، وكانت من أوائل الدول التي تبنت برامج تنظيم الأسرة بشكل رسمي في المنطقة العربية والأفريقية، لكن التحدي الحالي يكمن في إعادة توجيه هذه السياسات نحو تشجيع الإنجاب، وسط ظروف اقتصادية صعبة وتراجع القدرة الشرائية للمواطن.