كان المشهد وبما يتناسب معه قد تسبب في إثارة حماسة ودهشة المشاهدين في يناير (كانون الثاني) الماضي بفندق “لاندمارك” في لندن، منحت رابطة كتاب كرة القدم البريطانية دينيس بيركامب مكاناً في قاعة المشاهير الخاصة بها، حيث تجمع عديد من أبرز شخصيات أرسنال، بما في ذلك المدير الفني السابق أرسين فينغر.

كان تييري هنري جالساً إلى جانب إيان رايت، وكان هناك جو طبيعي من الألفة، إلا أن الأكثر لفتاً للانتباه كان عندما عرضت لقطات من مسيرة بيركامب، إذ لم يجلس هنري ورايت في صمت مذهولين كما فعل معظم الحضور، بل بدآ يهمسان في أذني بعضهما بعضاً، مشيرين إلى الحركات الصغيرة والتسديدات واللمسات النهائية، وما كانا قد يحاولان فعله، “انظر ماذا فعل هناك!” كانت هذه الصورة أكثر تأثيراً نظراً إلى ما كان فينغر يتحدث عنه في كلمته، حيث احتفل مدرب أرسنال السابق ببراعة بيركامب، متحدثاً عن كيف أن كرة القدم الحديثة قد تكون فقدت تلك القدرة على “أن تفاجئ”.

لم يفقد هنري تلك العفوية أبداً، كما يظهر في لقطاته البارزة. فقد كانت هناك تلك الكرة المرتفعة التي حولها إلى تسديدة هوائية ضد مانشستر يونايتد، والتسديدة بكعب القدم ضد تشارلتون أثلتيك، وعديد من الأهداف الفردية الأخرى. لقد جسد هنري فكرة أن الفردية يمكن أن تعزز العمل الجماعي، حيث تكمل المفاجأة الهيكل العام.

أثار هذا الموضوع اهتمام هنري أثناء حديثه عبر “زووم” ضمن حملة “لايز”، لكنه يعترف بأنه الآن في موقع مميز. فهو مدرب يتبع مبادئ اللعبة الحديثة، كما ظهر في أداء فريقه الفرنسي الذي اقتنص الميدالية الفضية في أولمبياد باريس 2024 الصيف الماضي.

ويقول هنري، “لقد قلت ذلك مرات عدة، اللعبة أصبحت مسيطر عليها بصورة كبيرة من قبل الإحصاءات والمدربين. أعني أنا نفسي مدرب، وأقول: لا تفعل هذا، لا تفعل ذلك. اللعبة أصبحت مخططة ومنسقة في بعض الأحيان لدرجة أنك تنسى أن تترك اللاعبين يلعبون”.

وضرب هنري مثالاً، “خذ واحداً من أفضل اللاعبين، جاك غريليش. لقد فاز بالثلاثية وهو يلعب بطريقة معينة. لم يكن الأمر كذلك في أستون فيلا. غريليش في فيلا كان يتخطى اللاعبين ويطلق التسديدات أحياناً. أما في مانشستر سيتي، فهو يدرك جيداً أنه لا يمكنه فقدان الكرة مبكراً أو بسرعة، لأن الفريق سيكون في مرحلة بناء اللعب والانتقال. بيب غوارديولا لا يحب الانتقالات السريعة. هو يفضل الاحتفاظ بالكرة والتحكم فيها. في النهاية… إذا لم تحاول، فلن تنجح”.

ويعترف هنري بأن وجهة نظره تأثرت بدوره المحوري في الفريق الذي أسس بصورة أساس لهذا العصر الحديث: برشلونة مع بيب غوارديولا. ومع ذلك هناك مفاجأة صغيرة أخرى. فبينما يتحدث عن كيف كان يلعب “في فتح المساحات الهجومية على الجهة اليسرى”، إلا أنه كان لا يزال يرى نفسه مهاجماً.

وقال هنري، “هذه هي اللعبة. الأمر يعتمد على كيف تريد أن تتحدث عنها. نحن مهاجمون، أينما ذهبت لتؤدي دورك. هذه هي وجهة نظري. لقد لعبنا في مرحلة ما مع ميسي في مركز المهاجم الكاذب، وصامويل إيتو متقدماً ليفتح مساحة على الجهة اليمنى. وفزنا بالثلاثية”.

ثم يصبح هنري أكثر حماسة عندما يبدأ في الحديث عن مهاجم حديث يشعر أنه يجمع بين كثير من هذه الصفات. إنه لاعب بايرن ميونيخ مايكل أولسي، الذي دربه في أولمبياد باريس.

ويضيف هنري، “مايكل لاعب كرة قدم حقيقي، بمعنى أنه سيحاول دائماً أن يفعل ما تتطلبه اللعبة لفريقه. يضغط بصورة جيدة. ويتابع التمريرات. وبالطبع، كما ترون، يمكنه تسجيل الأهداف”.

“إنه موهبة خاصة، لكنه دائماً يحاول أن يفعل ما تتطلبه اللعبة، وهذه ليست مهمة سهلة دائماً، بخاصة عندما تستطيع أن تفعل شيئاً ما وعندما تمتلك الجودة لأداء الأشياء بمفردك، ولكنك تبقى متواضعاً لتقوم بما يحتاج إليه الفريق منك، فهذا مهم جداً. لقد استمتعت كثيراً بالعمل معه في الأولمبياد لأنه لاعب خاص، وإنسان خاص. كما أنني سعيد جداً بما يحدث له الآن، لأنه يستحقه”.

وصف هنري الواضح لأوليسي كموهبة يمكنها الجمع بين الفردية وتعزيز الفريق يصبح أكثر لفتاً للانتباه عندما يبدأ في الحديث عن كيف يشعر أن النقاش حول كرة القدم قد تغير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

“أتعلم، من المضحك أنه كلما كنت في الشارع، يريد الناس أن يعرفوا من هو الأفضل، من سيفوز بجائزة الكرة الذهبية. وأنا أقول: انتظر دقيقة، لا أحد يدخل هذه اللعبة وهو يفكر في الأفراد. إنها رياضة جماعية. وأعتقد أننا ابتعدنا كثيراً عن الحديث في اللعبة. وأصبح النقاش دائماً معركة أو جدالاً حول من كان الأفضل… أعلم أن هذا يخلق نقاشات، ولكن هناك لعبة هنا، 11 ضد 11، وإذا كان فريقك ليس جيداً ستواجه صعوبات! لذا نعم يمكنك أن ترى أن الجيل الجديد يريد فقط الحديث عن الأفراد”.

لكن هل هذا شيء جيد؟

“الأمر مختلف. لا أعرف إذا كان جيداً أو صحيحاً، لكن هكذا تحرك العالم. الناس أحياناً يتحدثون عن اللاعبين أكثر من الحديث عن الفريق”.

يتمتع هنري بمكانة بارزة في النقاشات الكروية، كجزء من برنامج دوري أبطال أوروبا على قناة “سي بي أس”، بينما يستمتع بشهرة البرنامج بسبب المقاطع المضحكة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يؤكد أن البرنامج طويل ويغطي بالتفصيل التكتيكات والفريق.

“أعتقد أنه في النهاية، يمكنك أن تسلي الناس وتعلمهم في الوقت نفسه. شيء لا يفكر فيه الناس غالباً هو أن البرنامج يستمر أربع ساعات. لماذا لا نستمتع قليلاً، وفي الوقت نفسه نغطي كل شيء، ونقوم بتحليلاتنا؟ الأمر غريب بعض الشيء، لأن الناس في المملكة المتحدة لا يمكنهم مشاهدة البرنامج، لكنهم يشاهدون المقاطع، ويعشقون البرنامج من خلالها، لكن هناك أشياء كثيرة نقوم بها ولا يعرفها الناس. أنا أستمتع بذلك”.

وفيما يتعلق بالقدرة على المفاجأة، فهذا أيضاً سبب وجوده هنا. إذ يتحدث هنري عن حملة “لايز”، التي شارك فيها ديفيد بيكهام العام الماضي. حيث يظهر هنري بصورة مفاجئة أمام المشجعين الذين لا يتوقعون ذلك.

“في مواقف سابقة عندما كنت أقوم بالإعلانات كان الناس يعرفون أنني قادم… كان الأمر مخططاً، أليس كذلك؟ لكن هذا ليس مخططاً، تصل فجأة، يستدير الناس، ثم تحصل على رد الفعل الذي تتوقعه، بعض الناس يبكون، وآخرون يقفزون من الفرح”.

“فكرة (لا لايز لا لعبة) التي نعرفها جميعاً، هي أننا نحب تناول وجبة خفيفة أثناء مشاهدة المباراة، أينما كنا. وما يعجبني في الأمر هو ذلك الاتصال الصادق، أول ثانيتان، تعابير وجوه المشجعين عندما يرونك. هذا لا يضاهى”.

“هذا أصيل، مفاجأة للناس”. تماماً مثل بعض لحظاته الكروية.

أخيراً، يعتقد هنري أنه قد يكون هناك مفاجأة في انتظار ناديه القديم. حيث واجه أرسنال صعوبات أخيراً، لكنه يعتقد أنهم يمكنهم ويجب عليهم التركيز على دوري أبطال أوروبا.

“كل ما أعرفه هو أنه لفترة طويلة جداً، كنا نبدو غير قادرين على المنافسة. والآن نحن قادرون على ذلك. وبالطبع الفوز بدوري أبطال أوروبا هو تحد صعب للجميع”.

إلا أن هذه هي روعة الرياضة، تلك القدرة على فعل شيء غير متوقع، وهنري يعرف ذلك جيداً مثل أي شخص آخر.

نقلاً عن : اندبندنت عربية