من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح “قطوف”، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

“سمية عبدالمنعم”

لم يستبقا الباب، وهاما معا… يحتويها وتلفحها أنفاسه الحارة… راودته بفتنتها وقناعة العيش على البقاء، لكنها عجزت عن استبقائه بجوارها –سنويا أو أكثر– إلا بضعة أسابيع وبضعة أيام إضافية وضعت سقايتها في رحله، علهما يفوزان بملامح فرحة… تتشكل بأحشائها، يباغتهما دم كاذب لها… فلن يجود بها الزمن المراق بغربته الطويلة والمتقطعة عنها، لاكتناز أموال لا تضمن فرحتهما بعد تقاعده البعيد عن السفر بعدما سولت له نفسه جمع الحسنيين.
كل الأشياء الجميلة بعد رحيله ترحل، كل شيء منه يتحول ثقيلا لا حياة فيه، وهى بدونه ما بين نهار طويل تشغله بزيارات متوالية تلقى الترحاب المجدول بالضجر، وتفاهات بابتسامات زائفة وكلمات بلاستكية… وليل طويل وبارد بأضغاث أحلام وفواجع كوابيس تتناساها… تلقى في غيابات جب وحدة يعود فيه الصوت خاويا من صداه بقسوة شتائية مع جسده اللحد المتلاشى من المكان… تتشبث بذكرياته وكلماته، وأثمن دقائقها التى كانت معه، وتتناثر روحها العارية والمصلوبة في صمت القبور من وجع الرحيل المتواصل… يئن الحنين داخلها، تعثر على عيونه بين جدران البيت، وباقى أجزائه في دخان تنفثه من صدرها… تخشى -من نفسها- من مغناطيس يد رجل في سلام عابر أو بالترصد… أو حرارة جسد ملاصق بكرسي المواصلات لجسدها البارد والمتلهف… تستكين مستلذة حتى تنزعه من التصاقه حين يهم ويدلي بدلوه في الجسد المعذب بفراقه ليشتريه بلحظات بخسة من المتعة العابرة… فسرعان ما تزهد ذنب النفس الأمارة بالسوء وتعرض عنه وتستغفر، فلن تخونه بالغيب أو دونه.
تضيع الملامح بالنزف مع انتفاضاتها بين جمادات… تنام وتصحو على أمنية أن تعود طفلة ترتع وتلعب… تطارد الفراشات في الحقول، لا يشغلها نظرات ولا تتعبها أشواق… بعيدا عن لعنة الجسد والأموال. وتبقى كلمات ثلاث باردات وخاوية في ومضته الهاتفية الدولية الغالية والقصيرة: وحشتيني… أخبارك… الحوالة.
ويبقى لها الانتظار وشبابها يولي، وله هجر الجسد.

نقلاً عن : الوفد