“متى يشعر المصريون بثمار الإصلاح؟” سؤال ظاهره استفهامي وباطنه أبعد ما يكون من ذلك. في نطاق الاستفهام، يجده البعض تقريرياً، إذ الإجابة معروفة مسبقاً، ويراه آخرون تعجيزياً لاستحالة الوصول إلى إجابة، وتتعامل معه قاعدة عريضة باعتباره استنكارياً الغرض منه إما السخرية أو استنكار السؤال أصلاً، لكنه يظل للبعض سؤالاً استفهامياً حقيقياً يطرحه السائل آملاً في الخروج بإجابة.

سؤال مزمن

جزء من اللغط، أو ربما الصعوبة، في التعامل مع السؤال يكمن في أنه مزمن. وتتفاقم الصعوبة، لأن قاعدة عريضة من المصريين تصر على طرح السؤال يومياً. لا يكلون أو يملون، وهو ما يعني أن هذه القاعدة لديها أمل في الشعور بثمار الإصلاح، إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن غداً فبعد غد، أو بعد بعد بعد غد. وهذا يضع كثراً، على رأسهم الساسة والصحافيون والباحثون والمنظرون في “خانة اليك”، إذ يجدون أنفسهم مجبرين على البحث عن إجابات للأسئلة الصعبة، دون النظر إلى إملاءات المنطق، أو اعتبارات الأرقام، أو حتى واقعية الطرح.

يظل هو السؤال الأكثر شغلاً للبال الشعبي وطرحاً في الإعلام وصداعاً في رأس الحكومة، كل حكومة. ولا يمر يوم دون أن يدغدغ الطرح مشاعر الملايين، متى يشعر الناس بثمار الإصلاح؟ هل سيشعر المصريون يوماً بنتائج الإصلاح؟ كيف يشعر المصريون بنتائج الإصلاح؟ لماذا لا يشعر المصريون بالإصلاح؟ متى يتخلص المصريون من المعوقات التي تحول دون الشعور بنتائج الإصلاح؟ نريد أن يشعر المواطنون بثمار الإصلاح.

مصريون يقولون إنهم بدأوا يشعرون بثمار الإصلاح، والإصلاح الاقتصادي قصة نجاح بطلها المواطن ومخرجها الدولة والقيادة الحكيمة. والمعارضة تقول إن المواطن يهفو إلى الشعور بثمار الإصلاح، والقيادة تشعر بمعاناة الناس وتعدهم بأن يشعروا بثمار الإصلاح مطلع العام المقبل. برلماني يؤكد أن المواطن لا يشعر بثمار الإصلاح. خبر سار للشعب، سيبدأ الشعور بالإصلاح الاقتصادي عقب حزمة الإصلاح المقبلة. الرئيس يدعو إلى مراجعة موقف الاقتصاد مع صندوق النقد الدولي حال تسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي لضغط لا يتحمله المواطن. هل كان صندوق النقد الدولي قاسياً على المصريين مما منعهم من الشعور بثمار الإصلاح؟ صندوق النقد الدولي يشير إلى ضغط اللاجئين والاحتقانات الجيوسياسية وأثرهما في عدم شعور المواطن المصري بثمار الإصلاح.

 

ثمار الإصلاح جاري البحث عنها في كل مكان، وبصورة مكثفة على مدار الأشهر القليلة الماضية، لكن عملية البحث مضنية. من جهة طالت العملية، ومن جهة أخرى الأنوار الموعودة في نهاية النفق ملتبسة أو مطموسة، أو لعلها مموهة أو مستترة أو مكنونة. باحثون عن توقيت وتوقعات الشعور بثمار الإصلاح الاقتصادي يصطدمون بواقع تقريري يختبر إما علمهم أو صبرهم أو كليهما.

أبرز ما يجده الباحث الرصين هو تقارير التنمية البشرية، وهي التقارير التي لا تحمل شبهة أو وصمة أو مخاوف التجميل الرسمي أو التعديل الحكومي أو حتى الشيطنة من قبل المعارضة. يشير تقرير التنمية البشرية (2022)، ويعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع جهات حكومية رسمية على رأسها، وزارات مثل التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى أن “الاقتصاد المصري لا يكتفي بما يُنجز من مشروعات عملاقة، بل يقوم على رؤية واضحة وتوجه حر يدعم اقتصاد السوق الذي يؤمن بدور القطاع الخاص في سياق بيئة اقتصادية مستقرة”، وأن “استراتيجية مصر للتنمية المستدامة بعيدة المدى تهدف إلى بناء مجتمع حديث وديمقراطي، عماده الإنتاج والانفتاح على العالم”.

تفاصيل التقارير يعجز عن فهمها المواطن العادي، وإن فهمها يشعر بفجوة بين المكتوب والمحسوس. والفجوة ليست وليدة اليوم بل متوارثة على مدار عهود سياسية متواترة، وبعد خفوت وهج مكونات مشروع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من تحرر وطني وعدالة اجتماعية ودعم الفقراء والمساواة وإتاحة الفرص للجميع، وتشييد المشروعات الوطنية الكبرى مثل السد العالي ومصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج والألمنيوم وغيرها، بدأ المصريون يسألون عن ثمار الإصلاح.

سقف التوقعات والبحث عن ثمار أكبر وأوفر أصبح سمة سؤال المصريين عن موعد الجني وحجم المحصول على مدار عقود. وفي عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات ارتفع السقف ارتفاعاً جنونياً. سياسة الانفتاح الاقتصادي التي روّج لها السادات باعتبارها طريق المصريين إلى تحسن مستوى المعيشة بصورة سريعة وكبيرة، رابطاً المصاعب الاقتصادية التي كان الشعب يعانيها بفشل النموذج الاشتراكي في الاقتصاد الذي اتبعه عبدالناصر.

النموذج الاشتراكي

“فشل النموذج الاشتراكي” حسب توصيف السادات، تبعه بزوغ نجم الانفتاح الاقتصادي الذي أبهر قطاعاً من المصريين في بداياته. انبهار عبوات المياه الغازية والملابس المستوردة والورد البلاستيكي في السبعينيات شفى غليل التقشف الاشتراكي، لكنه لم يلق بظلال وارفة على كثر، وغالب الظلال كانت من نصيب طبقة جديدة ارتقت السلم الاقتصادي من الطبقة الدنيا إلى الوسطى وأعلاها بقليل، وذلك خلال فترة قصيرة جداً.

المتخصص في الشأن الاقتصادي والكاتب الراحل جلال أمين وصف ما جرى في مقال عنوانه “ماذا فعل السادات بالطبقة المتوسطة؟” (2008). وكتب “الانفتاح الاقتصادي والهجرة إلى دول الخليج وليبيا فجَّرا فرصاً غير معهودة للصعود الاجتماعي أدخلت أعداداً كبيرة من الطبقة الدنيا في الطبقة الوسطى خلال فترة قصيرة للغاية، وهو ما طبع الطبقة الوسطي بسمات لم تكن لها لا في الخمسينيات والستينيات، ولا في عهد ما قبل الثورة (1952)”.

وأضاف أمين أن فترة نصف العقد الأخير من حكم السادات ونصف العقد الأول من حكم الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك (1974 – 1986) شهدت معدلاً للنمو الاقتصادي بلغ أكثر من ثمانية في المئة سنوياً، وهو ما لم تعرف مصر مثله طوال القرن الـ20 بل ربما في تاريخها الحديث كله، لكن أمين وصف هذا النمو بأنه كان “من نوع غريب، لا يعود إلى نمو سريع في الصناعة والزراعة أو الخدمات الحكومية كما كان النمو في عهد عبدالناصر، بل إلى نمو التجارة وأعمال الوساطة وتحويلات العاملين في الخارج والدخل المتولد من قناة السويس وصادرات البترول، الذي تضاعف سعره مرات عدة خلال هذه الفترة وجميعها مصادر غير إنتاجية”.

 

وبعد زوال دهشة عبوات المياه الغازية وبهجة تدفق السلع الاستهلاكية التي لم يكن للسوق المصرية عهد بها طوال أعوام “الانغلاق الاشتراكي” خلال الخمسينيات والستينيات، بدأ سؤال متى يشعر المصريون بثمار الإصلاح، أو بالأحرى ثمار الانفتاح؟! يتردد بصورة متصاعدة في أواخر السبعينيات.

جلال أمين فسر عدم شعور الغالبية بثمار الانفتاح وذلك على رغم تدفق تحويلات المصريين في دول الخليج وليبيا، وكذلك عوائد قناة السويس بأن “هذه المصادر الريعية للأموال، مع التضخم الذي يصاحب تدفق الأموال دون أن يقابله إنتاج مواز وبالقدر نفسه، وما يخلقه التضخم المفاجئ من فرص الإثراء السريع، وبالنظر إلى أن معظم العمالة المهاجرة إلى الخارج كانت تنتسب إلى شرائح الدخل الدنيا، وأن ما خلقه الانفتاح على العالم من فرص الربح الكبير والمفاجئ وتدفق السلع الاستهلاكية، مع استمرار التوسع في التعليم والذي بدأه عبدالناصر في عقدي الخمسينيات والستينيات وفتح الجامعات في الأقاليم (المحافظات)، كان لا بد أن يتضخم حجم الطبقة المتوسطة وأن تزداد صعوبة تمييزها عن غيرها من الطبقات الدنيا التي ارتقت منها والعليا التي اقتربت منها”.

توسيع قاعدة الكم

لم يختلط حابل الطبقات بنابل التوقعات فحسب، بل شطحت توقعات ثمار الإصلاح كما لم تشطح من قبل، وطال انتظار جني الثمار وشمل الانتظار الجميع، فمن جنى ثمار الانفتاح أراد زيادة الجني، ومن لم يجن انتظر دوره. المصريون في الريف والمدن، المتعلمون تعليماً جيداً ونصف تعليم، إذ شهدت السبعينيات بداية عصر الانحدار في جودة التعليم، والتضحية بالكيف في مقابل توسيع قاعدة الكم.

المتخصص في مجال العلوم السياسية والاقتصاد مصطفى كامل السيد يؤكد فكرة انتظار الملايين جني الثمار دون جدوى في عهد السادات بقوله، بدأنا التحول إلى اقتصاد السوق منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي أسمى تحوله هذا بالانفتاح الاقتصادي، ومع ذلك لم يأت الرخاء، وقيل إن السبب، بحسب تعبير الأستاذ الراحل أحمد بهاء الدين، أنه كان انفتاحاً سداح مداح.

يقول السيد في مقال عنوانه “خدعوك فقالوا: اقتصاد السوق يجلب الرخاء” (2023) إن الرئيس مبارك حاول أن يحوله إلى انفتاح إنتاجي، لكن انتهى الأمر بتردي الخدمات العامة من التعليم والصحة وضيق فرص العمل الكريم، فثار المواطنون عليه خلال يناير (كانون الثاني) 2011 مطالبين بالعيش مع الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية”.

وذهب السيد إلى أنه حين استمر الاقتصاد في التردي ذهبت الحكومة المصرية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 2016، الذي نصحها بالجدية في تطبيق الإصلاح، وفي مقدمة عناصره تعميق الأخذ بسياسة اقتصاد السوق، فتخضع العملة الوطنية بدورها لقواعد ذلك الاقتصاد، وكانت نتيجة ذلك انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الواردات وزيادة المديونية، ومعها أيضاً زيادة الفقر الذي أصاب ثلث السكان تقريباً، ولما استمرت مديونية الحكومة الداخلية والخارجية في الارتفاع إلى حدود غير مسبوقة في تاريخ مصر، وذهبت الحكومة للصندوق من جديد كانت نصيحته مرة أخرى هي خروج الحكومة من الاقتصاد وترك الجنيه المصري بالفعل لقوى السوق”.

حكايات السوق

حكايات السوق في مصر لا تنتهي. ومن “أم شيماء” التي نزلت السوق لتشتري خضراوات وفاكهة وبيض وحليب فدفعت ما يوازي راتبها الشهري كعاملة في شركة خاصة، إلى “مدام نهى” ابنة الحسب والنسب التي توقفت عن شراء اللحوم الحمراء باستثناء موسم عيد الأضحى أو حال انخفض مستوى هيموغلوبينها أو زوجها أو الأبناء، إلى “المهندس تامر” الذي استبدل “فيات” مستعملة توفيراً للوقود وتقليصاً للصيانة بـ”مرسيدس” اشتراها بين التعويمين الثالث والرابع، إلى “عبدالنبي” موظف الاستعلامات في مركز تجاري شهير الذي أصبح يشتري للأبناء البسكوت “كسراً” والملابس “مستعملة” والمواد الغذائية من أكشاك “الجيش” و”الداخلية” الأرخص ثمناً من السوبرماركت، ويدور الجميع في فلك الانتظار منذ أعوام.

وهذه الأعوام، تحديداً منذ بدء “الإصلاح الاقتصادي” عام 2016، شابها كثير من الانتظار حيناً والتعجل حيناً والضجر أحياناً، وكذلك الجلد والانتقال من خانة الاعتراض والتململ إلى الجلد والمثابرة مع كل كارثة دولية لا يد للمصريين فيها، أو مصيبة إقليمية مريعة يطاول شررها البلاد وتنال من العباد.

 

تتفق قاعدة عريضة من المصريين، لا سيما من أولئك الذين عايشوا وكابدوا انتظار ثمار الإصلاح دون جدوى في عهدي الرئيسين الراحلين السادات ومبارك، على أن انتظار الثمار المتعثرة هذه المرة هي الأصعب والأقسى، لكنها أيضاً تشهد على قدر أوفر من النضج الشعبي ومعيار أعلى من الواقعية الجماعية.

أحاديث “الوقت” و”الصبر” و”الدواء المر” و”المشوار الصعب” و”عنق الزجاجة” و”شد الحزام” و”الاستغناء عن الرفاهيات (وأحياناً الأساسات)”، و”فات الكثير” و”نهاية العام” و”العام المقبل” و”بعد عامين” وغيرها لم تعد تزعج كثراً، لا لأن ثمار الإصلاح لا تعنيهم، لكن لأن الثمار أصبحت أكثر واقعية في العقل الجمعي.

والغالبية أصبحت تعرف أن الثمار لم ولن تكون على مرمى عام أو عامين، وأن سذاجة تقسيم “أموال مصر المنهوبة” على مجموع السكان، أو الأخذ من حسابات الأغنياء البنكية وتوزيع الناتج على جيوب الفقراء، أو إغلاق صنابير الفساد الكبير وتمرير ما خف حمله وترك أثره للغلابة والمساكين وغيرها لم تعد أحلاماً مطروحة، وإن طرحها أحدهم لا تصدقها الأكثرية.

هل تأتي الثمار؟

في المقابل، يبقى سؤال متى يشعر المصريون بثمار الإصلاح الاقتصادي؟ وأحياناً يستبدل المتشائمون “هل” بـ”متى”. المفردات المستخدمة ليست “إصلاحاً” أو “اقتصاداً” أو “شعوراً”. المفردات والمصطلحات تراوح ما بين “جهاز البنت” و”جولة نيس وباريس وكان السنوية” و”غسالة جديدة” و”شاليه في الساحل الشرير” و”عودة للجبن الكشكافال في قائمة التسوق” و”كيلو لحم من دون معاناة” و”ضمان العلاج دون انتظار الجمعية” وقائمة ترجمات ثمار الإصلاح لا تنتهي لكل الطبقات والفئات.

كل الطبقات والفئات أصبحت لديها حساسات جيوسياسية وإقليمية وأمنية، تؤثر “إيجاباً” في وضع ترقب ثمار الإصلاح على خاصية الانتظار. “إيجاباً” لأن الإفراط في الأحلام متعب، والمبالغة في التفاؤل دون مبرر مآلها الإحباط، والإمساك بتلابيب الانفراجات والانقشاعات، بينما الدلالات ترجح كفة ضوائق وأزمات يهدد السلم الاجتماعي ويعكر الصفو النفسي، ويضع قيوداً وضغوطاً على القيادة السياسية والوزراء والمسؤولين.

 

هذه الحساسات الشعبية أصبحت على يقين بأن كل “دبة نملة” في المنطقة تؤثر سلباً في أحلام التعافي الاقتصادي، وكلما تفجرت شرارة حرب على الحدود أو استمر صراع في الجوار أو نشبت أزمة في الكوكب، فهذا يعني “وقتاً بدل ضائع” إضافياً انتظاراً للثمار.

وفي ورقة عنوانها “وضع الاقتصاد المصري في خضم الصراعات الإقليمية” المنشورة في “منتدى فكرة” التابع لـ”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” (2025) للنائبة ووكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري سحر البزار، إشارة إلى أن الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها مصر تفاقمت بفعل الصراعات الإقليمية وحال عدم الاستقرار الجيوسياسي.

وأضافت أن الأزمات المتعددة الأوجه الناجمة عن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، والتأثير السلبي في قناة السويس والحرب الأهلية السودانية والأوضاع السياسية المتوترة في ليبيا، والحرب الروسية – الأوكرانية والمشكلات الاقتصادية المرتبطة بأعداد اللاجئين الكبيرة جراء الأوضاع الإقليمية الملتهبة، وما تسببت فيه من ضغوط على السكن والتعليم والصحة ضاعفت من حجم الثقل الاقتصادي الذي يشعر به المصريون.

هذا الثقل لم يضاعف من حجم المعاناة التي يشعر بها المصريون أو يسهم في المباعدة بينهم وجني الثمار فحسب، بل جعلهم يحلمون بالدولار. المقارنة بين أسعار السلع الكهربائية وقيمة البيوت والحد الأدنى للأجور والأقصى للثراء، وكلفة الزواج ومتوسط راتب خريج الجامعة وتذكرة السفر وكيلوغرام اللحم، والفسحة الحلوة ومصروفات محامي الهجرة ومكافأة نهاية الخدمة وأجرة الميكروباص وغيرها صار الحالمون يحسبونها بالدولار، وهي العمليات الحسابية التي تراوح محصلتها ما بين حفنة ضئيلة من السنتات وقيم طائلة من ملايين الدولارات، كل بحسب الحلم والسقف والثمرة المرجوة.

توقيت الشعور

حساب آخر بالدولار يجري في الأروقة الرسمية ويتصل بثمار الإصلاح أيضاً بصورة مباشرة، إنه حساب الدين وخدمة الدين ومستقبل الدين، إنها الحسابات التي تؤكد البيانات والتصريحات الرسمية أنها ترتبط بشعور المواطن المصري بثمار الإصلاح أو عدم شعوره، وتوقيت الشعور.

وزير المالية أحمد كجوك قال في تصريحات تلفزيونية قبل أيام إن إحساس المواطن بالثمار يرتبط بخفض الدين وخدمته. وقال إن بدء الشعور بثمار الإصلاح الاقتصادي وإن الدولة تسير في المسار الصحيح، يرتبط بتراجع إجمال الدين وخدمة الدين. وأشار إلى أن هذا التراجع يطمئن المستثمر، مما يخفض من كلفة الاقتراض وتوسعة قاعدة الاستثمارات وخلق حيز مالي أكبر، مضيفاً أن الشعور بثمار الإصلاح يرتبط كذلك بنمو الصادرات بوتيرة سريعة وزيادة عدد المصدرين، وزيادة القطاعات الإنتاجية والخدمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومضى كجوك في شرح الخطوات التي، في حال تفعيلها، تؤدي إلى وصول الشعور الذي طال انتظاره إلى المواطنين، فتطرق إلى إبرام صفقات على غرار “رأس الحكمة”، واصفاً إياها بـ”المشروعات التي تسهم بصورة سريعة في خفض المديونية وخدمة الدين وخلق موارد جديدة”.

وتشير أرقام وبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي إلى أن ديون مصر الخارجية عادت للارتفاع خلال الربع الثالث من العام الماضي بنحو 1.4 في المئة على أساس ربع سنوي إلى نحو 155.204 مليار دولار بنهاية سبتمبر (أيلول) 2024، مقارنة بنحو 152.885 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) 2024، أي بزيادة بنحو 2.319 مليار دولار في ثلاثة أشهر فحسب.

وجاء هذا الارتفاع بعد تراجع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 152.885 مليار دولار بنهاية يونيو 2024، مقابل 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023.

يشار إلى أن تراجع الدين الخارجي خلال النصف الأول من العام الماضي ارتبط بإبرام صفقة “رأس الحكمة” بقيمة 35 مليار دولار، التي تضمنت تسوية ودائع إماراتية مستحقة على مصر بقيمة 11 مليار دولار. وقتها قالت وزارة المالية إن 50 في المئة قيمة الصفقة ذهبت إلى خفض الدين العام.

المشروعات الكبرى وحجم الدين وخدمته وقيمة الواردات من السلع الأساس مثل القمح والوقود، وحتى استهلاك المصريين للخبز والدواء والكهرباء وقوائم السلع المراد إنتاجها وتلك التي يبتغى تصديرها، وخطط المستقبل وقياسات الماضي وتقييمات الحاضر يجري حسابها بالدولار، وهو ربما ما ساعد في تحويل لغة الأحلام وترجمة التوقعات وقياس الثمار من الجنيه إلى الورقة الخضراء. وهذه القياسات تطرح أحياناً سؤالاً إضافياً في الشارع المصري حول الأسباب أو المعوقات التي تحول دون تحويل الخطط الاقتصادية والتصورات المالية وخرائط الإنتاج والتصدير إلى فعل سواء بالجنيه أو الدولار، وذلك تسريعاً لوصول الثمار.وفي كل الأحوال تظل “ثمار الإصلاح” الأكثر تداولاً وإن كان افتراضياً، شديد الشبه بالعملات الرقمية الافتراضية اللا مركزية “بيتكوين”. العملات متداولة وقيمتها ترتفع وتنخفض ويقبل عليها بعض ويتخوف منها بعض الآخر، تطاردها أنظمة وتخشى منها وتتبناها أخرى وتبني عليها مزيداً من الأحلام والافتراضات، وتظل حاضرة وإن غير ممسوكة أو محسوسة أو حقيقية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية