جائزة الكتاب النمساوي لرواية عن الجريمة وديوان شعر ذاتي

“الحقول المحترقة” (دار فيشر – 368 صفحة) تعطي صورة أولية عن الأماكن التالفة في الجوار التي لا تهم من يجاورها. فالحقول المحترقة في الجوار، حتى ولو بسبب ارتفاع درجة الحرارة، لا تثير كثيراً اهتمام “لويزا فيشر” الشخصية الرئيسة في الرواية، سوى أنها تخلف أرضاً محترقة لا تخصها. وبهذا القدر تفتقد لويزا المشاعر وهي أم غير موثوق بها لطفلين من أبوين مختلفين، والتي تنقطع صلتها الأسرية مع والدتها تماماً عندما تدخل لويزا في علاقة مع زوج أمها، وعندما يُقتل هذا الأخير في عملية سطو تنجذب لويزا عاطفياً إلى قاتله.

تأمل لويزا في كل علاقة جديدة مع رجل ما أن يخرجها ذلك الرجل من حياتها الكئيبة ومن إحباطها. وتأمل في أن يحررها من عائلتها التي تعاني صراعاً مع الصمت، وتفتقر إلى الثقة المتبادلة بين أفرادها. وعلى رغم ذلك لا يستطيع أفراد تلك العائلة الانفصال عن بعضهم بعضاً، ولا الانفصال عن المنطقة التي يعيشون فيها. بعد أن كان التركيز في روايتيه “روح غريبة، غابة مظلمة” (2016) و”الصياد المتوحش” (2022) على الأخ والأخوة، تأتي لويزا (الأخت) لتروي قصتها، في هذه الرواية الفائزة، من وجهة نظرها الخاصة، وهي المرة الأولى التي يكتب فيها راينهارد كايزر مولكر روايته من منظور امرأة.

تسعى لويزا (الراوية) جاهدة لتختار كلماتها في صورة مناسبة وبناء جملها وسردها وحكايتها كذلك في طريقة ملائمة، لأنها تريد أن يُنظر إليها ككاتبة قصص وروايات وليس كراوية أو شخصية عادية. وعلى عكس لويزا “يكتب راينهارد بأسلوب مكثف وبسيط ومختصر وبنبرة هادئة” على حد تعبير تقرير لجنة التحكيم. وأنه “من خلال التقلبات غير المتوقعة لا يلعب فقط بشخصياته ومصائرها، بل كذلك بقرائه”، وهكذا يقوم راينهارد بإعادة “بناء هذا العالم الغامض والبارد والمظلم مراراً وتكراراً”.

وكانت الصحافة النمساوية والألمانية رحبت برواية “حقول محترقة” حتى قبل وصولها إلى القائمتين الطويلة والقصيرة وفوزها بالجائزة الأهم في النمسا. وقالت الكاتبة أندريا جيرك في حلقة لها عن الرواية في إذاعة “ودر 3″، “مع روايته استطاع راينهارد مرة جديدة أن يكتب رواية رائعة ومكثفة بصورة نادرة”. وقال الناقد سباستيان فاستهوبر عن الرواية “هنا يكتب شخص تعد الكتب بالنسبة إليه شيئاً مقدساً”. راينهارد كايزر مولكر (1982) نشأ في مزرعة صغيرة شمال النمسا وحالياً يعيش في مزرعة خاصة به، ودرس الزراعة والتاريخ والتنمية الدولية في فيينا، وأقام في الخارج بين الأرجنتين وبوليفيا وألمانيا والسويد. عيشه وعمله في المزرعة جعلاها فضاء لكثير، إن لم نقل لجميع، أعماله ومنها ينطلق إلى المدن أو الغابات، أو يعود بشخصياته إليها.

خلال عام 2008 صدرت روايته الأولى “الطريق الطويل عبر المحطات”، ولكن قبل صدور الكتاب كان حصل على جائزة الأدب من مؤسسة يورغن بونتو ووصلت روايته “روح غريبة، غابة مظلمة” التي تتناول حياة القرى، إلى القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني لعام 2016. وحصل خلال عام 2022 على جائزة الكتاب البافاري عن روايته “الصياد المتوحش”، وخلال هذا العام حصل عن روايته “حقول محترقة” على جائزة الكتاب النمساوي، والتي تبلغ قيمتها المادية 20 ألف يورو. راينهارد أصدر تسع روايات ومجموعة قصصية بعنوان “لوحات” (2015) تضم ثلاث قصص طويلة، ومسرحية “العلاج” (2011).

الكتاب الأول

يصاحب عادة الإعلان عن اسم الفائز بجائزة الكتاب النمساوي الإعلان كذلك عن الفائز بجائزة الإصدار الأول، سواء كان شعراً أو رواية أو مجموعة قصصية أو مسرحية، وتبلغ قيمتها 10 آلاف يورو. وخلال هذا العام نالت جائزة الإصدار الأول فريدا باريس عن مجموعتها الشعرية “الماء المتبقي” الصادرة عن دار فولاند أوند كفزت.

فريدا باريس (1986) واسمها الحقيقي فريدريكه شيمب شاعرة ومؤلفة مسلسلات إذاعية ألمانية تعيش منذ أعوام ككاتبة حرة في فيينا، وكما راينهارد لم تدرس فريدا الأدب بل أكملت دراستها لتصبح مصممة أزياء نسائية. ولكن بدءاً من عام 2009 درست فريدا المسرح والسينما والإعلام إضافة إلى اتباعها ورشات في فن الكتابة الأدبية داخل فيينا وباريس، تحت إشراف أسماء بارزة مثل مونيكا رينك وأولف شتولترفوت وأنيا أوتلر وأوليانا فولف. وبدءاً من عام 2020 بدأت في إنتاج أعمال إذاعية داخل برلين وفيينا، لكن فكرتها في إصدار مجموعتها الشعرية الأولى وفوزها بهذه الجائزة غيرا مسارات حياتها، وكان كتابها الشعري، 136 صفحة، تلقى كثيراً من الثناء كذلك حين صدوره، وقبل فوزه بالجائزة بأشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السؤال الذي تطرحه فريدا في هذه المجموعة هو ما الذي يمكن أن يكون عليه الشعر؟ فيجد القارئ أن الجواب ببساطة: كل شيء. وتتميز مجموعة “الماء المتبقي” وهي قصيدة طويلة بالشفافية والعمق وبتعدد طبقات الأصوات والصور. فريدا تكتب وهي تنصت إلى الحكايات القديمة الخاصة بزمن بطيء يخص طفولتها متداخلة مع الحياة الجديدة اللاهثة، وتستخدم ملاحظات قديمة ونصوصاً نثرية مختلفة الزمن والطول محاولة تجريب تجميع كل شيء لصنع قصيدة طويلة، تطول إلى ما لا نهاية. وقال الناقد مارسيل باير “يجب أن نتخيل الديوان كما نتخيل فيلم “المقالة” لكريس ماركر (وهو فيلم وثائقي فرنسي أنتج عام 1983)، رسائل تُقرأ بصوت هادئ بينما تتغير المشاهد من فيينا إلى هوكايدو، عودة إلى الطفولة في جنوب ألمانيا من الثلج إلى الرمل، وفوق ذلك الكتابة في حال من التحليق”.

أما لجنة التحكيم فرأت أن قصيدة فريدا باريس تمثل “مخاطرة جريئة” لأنها “تجرؤ على أن تجعل من عملها الأول انغماساً في الشعر الذاتي وتأملات فلسفية حول فن الكتابة. باريس تفعل. فهي تستكشف عملية الكتابة أثناء الكتابة نفسها وتسحبنا معها في هذا المسار، متجهة نحونا من دون أن تسقط في فخ العادية”. وعدت أنها “صوت شعري يعثر بذكاء على مواد لغوية غنية ليعيد تركيبها بمهارة على طاولة القطع الشعرية”.

لكن في هذا العمل، الذي يجري في 110 مقاطع تظهر فريدا باريس كيفية تكوين القصيدة وفن الكتابة، الكيفية والأسباب، وتسلط الضوء على رحلتها الشعرية منذ الطفولة مع استعادة آثار الحب والفقدان. وتدمج بحسب تقرير لجنة التحكيم هذه العناصر ببراعة مع مقتطفات وأصداء لعدد من “آباء الكلمات” مثل بول تسيلان، لكن التركيز الأكبر يكون على “أمهات الكلمات” مثل إنغبورغ باخمان ومعها دائماً مايرويكر وصولاً إلى سارة كيرش.

نقلاً عن : اندبندنت عربية