في محاولة لكسر حال الجمود السياسي وفتح باب الحوار بين مختلف أطياف المجتمع السياسي في تونس، تقدّم مجموعة من النواب في البرلمان بمبادرة تدعو إلى الوحدة الوطنية وسط تحولات جيوسياسية تعيشها المنطقة العربية، بخاصة بعد إطاحة نظام بشار الأسد في سوريا.
وتباينت القراءات لهذه المبادرة البرلمانية بين من يرى أنها غير وازنة ولا يمكن أن تُفضي إلى انفراج سياسي، وبين من يعتبرها خطوة إيجابية نحو إذابة الجليد بين السلطة وبقية الأجسام الوسيطة السياسية والمدنية.
وأوضح النائب محمد علي أن “مبادرة الحوار الوطني التي تقدم بها عدد من النواب تأتي في إطار دعوة رئيس الجمهورية للوحدة الوطنية التي تعتبر مطلباً لكل الفاعلين في الساحة السياسية، والمنظمات الوطنية”، داعياً إلى “التسريع في الزمن القضائي واختزاله وإطلاق الملاحقين في قضايا الرأي”.
صدام الأولويات
من جهته يدرج النائب عبدالرزاق عويدات المبادرة “في سياق تحولات الراهن العربي وتداعياته المطروحة على مختلف الدول العربية ومن بينها تونس، بخاصة مع وجود عدد ممن تلاحقهم شبهات إرهابية من أصول تونسية موجودين في سوريا، وقد تشكل عودتهم خطراً أمنياً على البلاد”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد عويدات في تصريح إلى “اندبندنت عربية” على أهمية “القضاء على المواطِن الهشة في تونس من خلال العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز قدرة الدولة على خلق الثروة وتوفير مواطن الشغل، علاوة على تقوية الجبهة الداخلية باعتبارها الضامن لاستقرار البلاد”.
ويضيف عويدات أن “التونسيين يريدون إصلاحات كبرى اقتصادية واجتماعية تمس حياتهم اليومية من نقل وتعليم وصحة، ولا ينتظرون حوارات سياسوية بلا معنى”، مشيراً إلى “ضرورة استكمال المؤسسات من خلال تركيز المحكمة الدستورية وتنقيح المرسوم 54 لأنه يتعارض مع الدستور الضامن للحريات، كما يتناقض مع ‘اتفاق بودابست’ الذي وقعت عليه تونس”، داعياً إلى تسريع البت في القضايا العالقة التي تتعلق بعدد من السياسيين والإعلاميين.
يذكر أن 60 نائباً قدموا طلباً جديداً لرئيس البرلمان لعرض مقترح تنقيح المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال على اللجنة المعنية.
استقلال القضاء
وتأتي هذه المبادرة بعد أسابيع قليلة من تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد أهمية “الوحدة الوطنية”، إذ اعتبر النواب الموقعون عليها أن “الاكتفاء برؤية سياسية أحادية الأبعاد مع انتشار خطابات عنيفة واستسهال استعمال الأساليب الزجرية في التعامل مع المخالفين في الرأي، وغلق الفضاءات العامة بما في ذلك وسائل الإعلام أمام نقاشات مفتوحة قائمة على الرأي والرأي المخالف، جميعها ممارسات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية وخلق أجواء من عدم الثقة”، بحسب تعبيرهم.
وتتضمن المبادرة جملة من النقاط أبرزها تكريس استقلالية القضاء وإطلاق المتتبعين في قضايا الرأي وتنقيح النصوص القانونية الزجرية على غرار المرسوم 54، واستكمال بناء المؤسسات الدستورية وفي مقدمها المحكمة الدستورية لضمان استدامة النظام الديمقراطي وتعزيز حكم القانون وتفعيل الهيئات على غرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، ومعالجة جذرية للفقر والبطالة والتفاوت الجهوي.
وفي حين يعتبر النائب ثابت بالعابد أن الحوار السياسي لا بد من أن يجمع السلطة والمعارضة، ترى النائبة سيرين مرابط في تصريحات صحافية أن “الحوار لا بد من أن يستثني كل من أجرم في حق التونسيين”، واصفة مبادرة مجموعة النواب حول الحوار الوطني بأنها تدخل في القضاء ولا تمثل مجلس نواب الشعب.
وفضلاً عن تباين المواقف والآراء إزاء هذه المبادرة تحت قبة البرلمان فإنها لم تسجل تفاعلاً كبيراً في المشهد السياسي والمدني في البلاد، ولذلك تنتظر الساحة السياسية قدرة النواب على ترجمة بنودها على أرض الواقع.
ديناميكية سياسية
ووسط هذا الجدل المحتدم حول توقيتها ومصدرها، يتساءل المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي عن “قدرة النواب الموقعين على المبادرة على المضي قدماً في ترجمتها إلى واقع ملموس”، لافتاً إلى أن “محتواها خلق نوعاً من الديناميكية في المشهد السياسي داخل البلاد”.
ويرى النابتي في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “الوحدة الوطنية مطلب محمود وبخاصة في الظرف الذي تعيشه تونس داخل محيطها العربي لصد أي نوع من الاختراقات الخارجية التي قد تستغل الهشاشة الداخلية وحال الانقسام السياسي”.
ودعا المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي إلى “إثراء النقاش المجتمعي حول عدد من القضايا المصيرية، كما حث البرلمان على تعديل المرسوم 54 الذي يمس الحقوق والحريات”.
لا عودة للوراء
ولا يرغب طيف من مكونات المشهد في تونس في العودة لما قبل الـ 25 من يوليو (تموز) 2021، ويرى أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية فريد العليبي في تصريح خاص أن “غاية المبادرة البرلمانية ليست إعادة عقارب الساعة للوراء، أي لما قبل 25 يوليو 2021 وتحقيق مصالحة مغشوشة مع قوى سياسية تتهمها السلطة الحالية بأنها المسؤولة عن الضرر الحاصل خلال أعوام حكمها، وإنما توحيد القوى الحية على قاعدة روح 25 يوليو”.
ويرى العليبي أن “التغيرات الجيوسياسية في المنطقة العربية، وبخاصة الحدث السوري الأخير، هو الذي عجل بطرح مثل هذه المبادرات التي تنسجم مع تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد على التوجه نحو التأسيس لوحدة وطنية بما تعنيه من تضامن وتآزر ونكران للذات في مواجهة خطر الخارج”.
وفي المقابل لا يعول الطيف السياسي المعارض على مثل هذه المبادرات بل يعتبر أن السلطة الراهنة ترفض الحوار مع مختلف الأجسام الوسيطة السياسية والمدنية.
ويرى الناشط السياسي الأمين البوعزيزي أن “السلطة الحالية في تونس أجهزت على العمل السياسي ولا تعترف بالأحزاب، وباتت تشق طريقها نحو حكم لن يفتح باب الحوار مع أية جهة”، مضيفاً أن الأيام المقبلة ستكشف أهمية هذه المبادرة التي تحتاجها البلاد وحجم الالتفاف حولها ومدى قدرتها على إذابة جليد المشهد السياسي التونسي الراهن.
نقلاً عن : اندبندنت عربية