يقول ضابط كبير في أوكرانيا “لقد سئمنا القتال، لكن لن يكون لكل ما ضحينا به أي معنى إذا استسلمنا لبوتين الآن، كما يريد ترمب، لذلك سنواصل القتال بغض النظر عما يقوله الآخرون لنا”.
ومع اقتراب الذكرى الثالثة للحرب، يشعر الجنود في الخطوط الأمامية بالغضب إزاء تكهنات متداولة بين حلفاء بلدهم، مفادها أن معركتهم ضد روسيا خاسرة، وأن الوقت قد حان للسعي إلى تسوية سلمية.
وفي هذا الإطار، يؤكد كلاس، كبير ضباط كتيبة متخصصة، ينتشر عناصرها على معظم خطوط قتال الجبهة الممتدة على مسافة 1300 كيلومتر، أن “روسيا ليست منتصرة على أوكرانيا، وصحيح أنها ليست بخاسرة، لكنها حتماً غير منتصرة”، ويضيف بالقول “إن العدو يحقق مكاسب طفيفة، لكنها تأتي مقابل ثمن باهظ يدفعه من عديده وعتاده، والروس فعلياً لا يحققون أي نجاحات عملياتية تذكر، ومن الواضح أنهم ما عادوا قادرين على استخدام الأسلحة المدفعية والمدرعات بالكميات التي عهدناها لهم منذ بضعة أشهر”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واللافت أن أوكرانيا تتقدم على روسيا في حرب المسيرات، وفي منطقة كورسك التي استولت عليها قوات كييف داخل الأراضي الروسية العام الماضي، يحقق الجيش الأوكراني نجاحات على صعيد استخدام تكتيكات مناورة تعتمدها قوات حلف شمال الأطلسي “ناتو”، تمنح الجنود حرية شن هجمات، بدلاً من اكتفائهم بحفظ مواقع دفاعية في الخنادق.
ومن بداية الحرب، تعتمد كييف على مساعدات عسكرية ومالية تناهز قيمتها 232 مليار دولار، حصلت عليها، منذ بداية الغزو الروسي الشامل في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، من الولايات المتحدة وأوروبا، وقد أسهمت الولايات المتحدة بنصف هذا المبلغ تقريباً، إلى جانب مبلغ مخصص لدعم الأمن، تناهز قيمته 62 مليار دولار.
بيد أن مصير هذه المساعدات أصبح اليوم على المحك، مع إطلاق دونالد ترمب “محادثات سلام” مع فلاديمير بوتين في شأن أوكرانيا، في خطوة تستثني كييف من العملية.
لقد خسرت أوكرانيا عدداً كبيراً من خيرة جنودها في الأعوام الثلاثة التي أعقبت الغزو الروسي الذي طاول مناطق شاسعة، وكاد يؤدي إلى سقوط العاصمة كييف في أيادي قوات موسكو.
أما العامل الرئيس الذي أسهم في ردع قوات الاحتلال، فتمثل بعزم وإصرار عدد كبير من المواطنين الأوكرانيين العاديين والقادة المحليين، الذين تحدوا الفوضى السائدة في صفوف القيادات العليا في جيش بلادهم.
وكان “أخيليس” واحداً من هؤلاء المحاربين، وهو جندي مخضرم كان قد تطوع، في سن المراهقة، لمواجهة الغزو الروسي الأول عام 2014، وعندما التقيت به بينما كان يقاتل في جنوب مدينة إيزيوم، التي كانت آنذاك تحت سيطرة القوات الروسية، كان قد دمر صيف ذلك العام مدرعات روسية على مشارف كييف، أما الآن، فكان منشغلاً بصد التقدم الروسي في اتجاه سلوفيانسك، وكان أفراد مجموعة جنود الاستطلاع بقيادته يستخدمون دبابة استولوا عليها، متفاخرين بأنها دمرت نحو ست دبابات روسية من طراز “تي – 80” T-80 قبل أسبوع.
وكان لدى أخيليس وهو متخصص صَقل مهاراته بجهده الخاص في استخدام صواريخ “جافلين” Javelin المضادة للمدرعات المقدمة من حلف شمال الأطلسي، وصواريخ “إل إن إي دبليو” LNAW المضادة للدبابات المقدمة من بريطانيا قاذف “جافلين” محطم مليء بالرصاص يتدحرج في مؤخرة شاحنة البيك أب التي يستخدمونها في عمليات الكر والفر، وقد بدت عليه علامات الإرهاق والحزن صباح ذلك اليوم من يونيو (حزيران).
وبعد أسبوعين، كان على وشك التعرض لإصابة بالغة عندما كادت قذيفة دبابة روسية تخترق جانباً من رأسه، بينما كان الجانب الآخر محمياً بفضل صاروخ “جافلين” كان يحمله على كتفه ويستعد لإطلاقه.
ومن بين 15 عنصراً انضموا أصلاً إلى المجموعة بقيادة أخيليس، قضى النصف نحبهم أو تعرضوا لإصابات بالغة حالت دون مواصلتهم للقتال، أما البقية، فيصرون على مواصلة الحرب إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام يضمن الأمن لبلادهم – حتى لو أرغموا على التضحية ببعض الأراضي.
وأعربوا عن استغرابهم وعدم فهمهم لاختيار هذا التوقيت بالذات للكلام في كل مكان عن ضرورة سعي أوكرانيا إلى التوصل لتسوية سلمية مع روسيا.
هذا الرأي أيده مسؤول سابق في جهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي 6” MI6، متخصص في الشؤون الروسية، وقد أفاد بالقول “إن روسيا عليها التفاوض من موقع الضعيف”، معللاً ذلك بأن “اقتصادها في مهب الريح، وهي تعتمد على شركاء غير موثوقين مثل إيران والصين وكوريا الشمالية، وحربها في أوكرانيا أمام حائط مسدود”.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، كتب المؤلف أوين ماثيوز، المتخصص في الشؤون الروسية، في مقالة لـ”اندبندنت”، “خلال الصيف الماضي، قفز سعر البيض بنسبة 42 في المئة، وسعر الموز بنسبة 48 في المئة، في حين ارتفع سعر الطماطم بنسبة 39.5 في المئة وسعر البطاطا بنسبة 25 في المئة، ومن ثم، فإن الروبل الروسي خسر أكثر من نصف قيمته منذ أن احتل بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014.
وكذلك، تم تجميد احتياطات روسية بالعملات الأجنبية يملكها الكرملين في مصارف الغرب وتزيد قيمتها عن 600 مليار دولار”.
ومن ثم، فإن الحرب في أوكرانيا تستهلك نحو 40 في المئة من مجمل الإنفاق العام الروسي، وقد تكبدت روسيا خسائر جسيمة في أوكرانيا، وتحولت الحرب السريعة والسهلة التي أرادها بوتين إلى مستنقع يصعب الخروج منه، وفي هذا السياق، أكد “معهد توني بلير” The Tony Blair Institute أن إنفاق الاتحاد الأوروبي 40 مليار دولار إضافي على المساعدات العسكرية سيكون كفيلاً بتعزيز قدرات أوكرانيا، وإحداث توازن في صراعها القائم مع روسيا.
وفي هذا السياق، نستذكر كلاماً شهيراً للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، قال فيه إن الإنفاق الغربي كفيل بإخضاع الاتحاد السوفياتي، وهي فكرة أثبتت فاعليتها.
لذا، سيكون سحق آلة الحرب والاقتصاد الروسية ممكناً لو أن أوروبا أظهرت استعدادها لتحمل بعض من الأعباء المالية للحرب، بينما يدفع الأوكرانيون ثمنها بأرواحهم.
وفي أوروبا، يسود اعتقاد راسخ بأن أوكرانيا لن تصمد لوقت طويل، وقد عززت هذه المخاوف تهديدات إدارة ترمب بقطع التمويل والدعم العسكري للبلاد.
والحال أن ترمب بنفسه يؤمن بأن أوكرانيا إما بدأت الحرب بنفسها أو جنتها على نفسها بسبب هدفها المعلن بالانضمام يوماً إلى حلف شمال الأطلسي.
ومن ثم، فهو يؤيد جميع المبادئ العلنية التي يستند إليها الطرف الروسي في مفاوضاته، ويصدق الكذبة القائلة إن الرئيس الأوكراني فولوديمير ليس لديه تفويض بالحكم.
وقال إن زيلينسكي “ديكتاتور” خدع إدارة بايدن كي تمول حرب أوكرانيا وتقدم له مبلغاً بقيمة 350 مليار دولار، وهي كلها طبعاً ادعاءات كاذبة وتفتقد عنصراً مهماً.
فالحال أن زيلينسكي هو رمز الدفاع الأوكراني ضد روسيا والمسؤول الرئيس عن جمع الأموال لهذه الغاية، بيد أن صفته التمثيلية خارج البلاد أكبر مما هي عليه في الداخل. ومن ثم، لا وجود لأي تبجيل لشخصه، ولما قد يعرف بـ”الفولودية” [للكلام عن منحى الوفاء لفولوديمير زيلينسكي] في موازاة “الترمبية” أو “البوتينية”.
لذا، وإن قدم الرئيس الأوكراني استقالته غداً، فلن يتأثر كفاح أوكرانيا ضد روسيا.
وفي أوكرانيا، يطالب جنود الجبهة بأسلحة تلزمهم لإرغام روسيا على التفاوض، والأمر بالفعل بهذه البساطة.
لقد كان العقيد “سنيكي” قائداً استطلاعياً في وحدة مختلطة ضمت متطوعين أجانب وجنوداً أوكرانيين تصدروا عملية تحرير خيرسون الأوكرانية في خريف عام 2022.
وكانت الأسلحة، ونظارات الرؤية الليلية وأنظمة الاتصالات التي اشتراها أشخاص من أموالهم الخاصة حاسمة لتحقيق النصر، وقد سمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة خلال الهجمات على القوات الروسية عبر نهر دنيبرو.
ويقول معلقاً “أتمنى فعلاً، كأوكراني، أن يكون الهدف من كلام ترمب اليوم هو ذر الرماد في عيون الروس”، ومن ثم يضيف “لأنه إن لم يكن كذلك، فسيكون تذكيراً واضحاً وكبيراً بمسببات الحرب العالمية الثانية، مع تقسيم تشيكوسلوفاكيا (على يد الحلفاء وألمانيا عام 1938)، وأنا طبعاً، كأوكراني، لا أتمنى أن أكون عالقاً في المكان الذي تنطلق منه شرارة الحرب العالمية الثالثة”.
نقلاً عن : اندبندنت عربية