إن كان على كير ستارمر تجنب تصرف معين في ما يحاول إدارة علاقته مع الرئيس الأميركي المقبل، فهو عدم تسريب التفاصيل الخاصة للاتصالات الهاتفية بينهما.
لذلك من غير المحتمل أن يكون رئيس الوزراء هو المسؤول عن إخبار صحيفة “ذا تايمز” أن دونالد ترمب “استطرد وفتح مجموعة من المواضيع الجانبية” خلال حديثهما يوم الـ18 من ديسمبر (كانون الأول). الرئيس المنتخب قال حينها إن كمية الطيور التي تُقتل عندما تعلق في توربينات الهواء أثناء تحليقها في الولايات المتحدة كبيرة لدرجة جعلت الذئاب البرية أكثر سمنة. إن كان ستارمر أو أي شخص يعمل نيابة عنه، هو من سرب المعلومات فعلاً، فقد يكون ذلك خطوة خاطئة.
صحيح أنها ليست معلومات مضرة قياساً إلى معايير ترمب، إذ تعكس ما يُعرف عنه أساساً من بغض لما سماه “طواحين الهواء” في منشوره على موقع “تروث سوشيال” للتواصل هذا الأسبوع. لكن خرق الثقة سيصعّب على ستارمر التعامل مع كرة اللهب المزاجية المتجهة نحوه.
حتى الآن، كنتُ متفائلاً بعض الشيء نيابة عن ستارمر في شأن التحدي المقبل، فتهديدات ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية جوفاء بصورة عامة لأن الرجل يفهم بأساسات علم الاقتصاد أكثر من ناخبيه ويعلم بأن زيادة الرسوم كفيلة بتأجيج التضخم داخلياً. وبما أن أحد أسباب فوزه الأخير بالانتخابات هو ارتفاع الأسعار، فمن غير المرجح أن يُقبل على هذه المخاطرة.
وفي الوقت نفسه، يرجح أيضاً أن تأتي محاولات إيلون ماسك للتدخل في السياسة البريطانية بنتائج عكسية. لا شك أن معظم الناخبين البريطانيين سيقومون برد فعل عكسي عندما يقول لهم أثرى أثرياء العالم- الذي لا يتمتع بأية شعبية هنا ويدعم رئيساً منتخباً لا يتمتع بشعبية كذلك- إنه من الضروري بالنسبة إليهم إجراء انتخابات أخرى لأن نتائج الانتخابات الأخيرة لم ترق له.
كان رأيي أن ستارمر سيشعر بعدم الراحة بسبب الهجوم الأيديولوجي الذي يشنه الثنائي ترمب-ماسك، لكن الجمهور البريطاني لن يتأثر في الموضوع.
لكن لا يمكنني أن أكون متأكداً، فقد يكون الضرر الذي ألحقته نظريات المؤامرة بالسياسة البريطانية طويل الأمد. وإن لم يحدث ذلك خلال ولاية ترمب السابقة، فلأن الأكاذيب التي روج لها كانت تخص الولايات المتحدة فقط: مثل أن باراك أوباما وُلد في الخارج، وأن حشود مؤيديه كانت ضخمة، وأن انتخابات 2020 سُرقت منه.
لكن هذه المرة، يقف إلى جانبه ماسك الذي يبدو أنه لديه خصومة شخصية مع ستارمر، ويستخدم منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها لتعزيزها.
وأسوأ المزاعم التي أُطلقت في حق رئيس الوزراء حتى الآن هي أنه أسهم في “التستر” على عصابات اغتصاب من المسلمين في شمال إنجلترا، الادعاء ليس أن أشياء فظيعة حدثت، وهو أمر صحيح، ولكن أن ستارمر، بصفته رئيس خدمة الادعاء الملكية في ذلك الوقت، كان جزءاً من مؤامرة للسماح لهم بفعل ذلك، وهو أمر غير صحيح، كان ستارمر جزءاً من الحل، إذ عمل على تحسين طريقة التعامل مع مثل هذه القضايا، وأعاد فتح القضايا القديمة وأرسل مئات من الجناة إلى السجن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
للأسف، تم تبني المطالبة الساذجة بإجراء تحقيق – كان هناك واحد حول إساءة معاملة الأطفال الجنسيّة أجراه البروفيسور أليكسيس جاي قبل عامين – من قبل نايجل فاراج وكيمي بادينوك [زعيمي حزبي “ريفورم” و “المحافظين” على التوالي].
وما قالته زعيمة المحافظين هو “أُجريت محاكمات في كل أنحاء البلاد خلال الأعوام السابقة لكن لا أحد في موقع السلطة ربط هذه القضايا ببعضها بصورة شاملة”.
تعد جملة “الربط بين الأمور” مصطلحاً شائعاً لدى مناصري نظريات المؤامرة: وهي تحمل رسالة رهيبة لكل الأشخاص المتوهمين والمصابين بالارتياب الذين يعتقدون أنهم قادرون على تمييز أنماط الأحداث التي لا يراها “الناس السذج”.
في النهاية، قد يتسبب هذا الإطلاق للجنون في ضرر أكبر لبادينوك وفاراج أكثر من ستارمر، لكن لا ريب في أنه ليس جيداً بالنسبة إلى المشهد السياسي عندنا. اضطر فاراج يوم أمس إلى أن ينأى بنفسه عن بعض تصريحات ماسك، صديقه المفضل الجديد- لا سيما تلك المتعلقة بتأييده لتومي روبنسون. لكن حتى دون دعم ماسك لروبنسون وحزب البديل من أجل ألمانيا، فإن قرب فاراج من ماسك ومن ترمب يقوض مستوى الدعم الذي يأمل حزب “ريفورم” بالحصول عليه من الناخبين البريطانيين.
لذلك، ربما ينجو ستارمر من هجوم خصومه غير الشعبيين، وقد لا يؤدي هذا الهجوم سوى إلى تعميق الانقسامات بين خصومه في الداخل وتشويه سمعتهم أكثر. لكن ربما تدفع نوعية الحوار السياسي في بلادنا الثمن. فجولات الضجيج في غرف صدى اليمين قادرة على إغراق أصوات المعتدلين، فيما يعيد ماسك نشر تعليق كتبته ليز تراس على تقرير لقناة “جي بي نيوز” فتنقل وسائل الإعلام الرئيسة هذا الخبر لأنه أغنى رجال العالم ويعمل مستشاراً لأقوى رجال العالم.
الأمور الموضوعة على المحك هنا أهم من منصب رئيس الوزراء ستارمر.
نقلاً عن : اندبندنت عربية