قالت أم ثكلى إنها تشعر وكأنها محكوم عليها بالعيش مع الحزن والألم طوال حياتها، تماماً كما لو كانت في سجن لا يمكنها الخروج منه، بعد انتحار ابنتها هرباً من حبيبها السابق المسيء، وحذرت من أن المرتكبين لا يساقون إلى العدالة والمحاسبة.
وصرحت شارون هولاند بأن المعتدين يفلتون من العقاب لدفعهم بضحاياهم إلى الانتحار، بينما تظهر الأرقام ارتفاعاً في هذه الحالات عاماً بعد عام، إذ تجاوز عدد الضحايا الذين أنهوا حياتهم عدد أولئك الذين قُتلوا على يد معذبيهم للمرة الأولى.
وفي إنجلترا وويلز يُعتقد أن نحو 93 شخصاً أقدموا على إنهاء حياتهم بين أبريل (نيسان) 2022 ومارس (آذار) 2023 بعد تعرضهم للتعنيف، في حين أن 80 شخصاً قُتلوا على يد شريك حالي أو سابق، بحسب المشروع الوطني لمكافحة جرائم العنف المنزلي.
وفي تفاصيل الحادثة فقد توفيت كلوي هولاند (23 سنة) بعد أن عانت عاماً كاملاً العنف والإساءة على يد مارك ماسترتون الذي عزلها عن محيطها وتتبّع هاتفها وحثها على الانتحار واعتدى عليها مراراً، ووُصفت القضية بأنها من أكثر الحالات “إثارة للرعب وكسراً للقلوب” التي شاهدها محققو الشرطة.
وفي هذا السياق حذرت والدة كلوي من أن عدد حالات الانتحار المرتبطة بالعنف الأسري ما هي إلا غيض من فيض، وتساءلت “إذا بات هنالك حالات انتحار أكثر من جرائم القتل اليوم، فلماذا لا يجري بذل مزيد من الجهود تجاه ذلك؟”
وتقدر منظمة “ريفيوج” Refuge الخيرية أن ما يصل إلى ثلاث نساء يقدمن على الانتحار في إنجلترا وويلز كل أسبوع، بسبب العنف الأسري، ونادراً ما يُتهم المعتدون بحالات الانتحار المشتبه ارتباطها بالعنف الأسري، ومن دون وجود ضحية لتقديم الأدلة ضدهم يفلتون غالباً من تهم أخرى مرتبطة بالعنف الأسري.
وعلى رغم ربط 216 حالة انتحار بالعنف الأسري منذ عام 2020، لم تجد “اندبندنت” سوى دليل واحد على إدانة ناجحة بتهمة القتل غير العمد في مثل هذه الحالات، وكان ذلك عام 2017.
فقد حُكم على نيكولاس آلن بالسجن 10 سنوات بعد إقدام شريكته السابقة جاستين ريس على الانتحار “كنتيجة مباشرة” لسلوكه المسيطر الذي تضمن رسائل صوتية ونصية مهينة، ورسائل على “فيسبوك” فضلاً عن التربص والمطاردة.
وفي حال كلوي حُكم على ماسترتون بالسجن 41 شهراً العام الماضي بسبب سلوكه المسيطر والقمعي، بيد أن النيابة العامة الملكية CPS أقرت بعدم توفر الدليل الكافي لمواصلة المحاكمة وتوجيه تهم بالقتل غير المتعمد، وأدلت صديقته السابقة زوي كاسل بشهادتها بعد سماعها بوفاة كلوي، وجرى سجنه 43 شهراً إضافياً في وقت سابق من العام الحالي.
ولكن السيدة هولاند طالبت بتشريع أشد صرامة، وإدراج جريمة جديدة على اللائحة الاتهامية، وهي القتل غير العمد من طريق السيطرة القسرية والقمعية لضمان حصول المعتدين على المحاسبة، وقالت “إن بضعة أعوام ليست عقوبة كافية لما فعله بعائلتي، ولا يهم عدد الأعوام التي سيقضيها في السجن، فلن تعوضني أبداً عما حدث، ولكن في الأقل سيكون ذلك بمثابة الحصول على قدر أكبر من العدالة”.
ووفقاً لما ذكرته الشرطة، فخلال علاقة ماسترتون مع كلوي والتي دامت 12 شهراً، كان يسيطر على إطلالتها بصورة روتينية ودائمة، ويعتدي عليها ويعزلها عن أصدقائها وعائلتها ويحط من قدرها، ويحثها على إنهاء حياتها.
ففي إحدى المرات في منزل ماسترتون الواقع في ساوثسي، بورتسموث، هددت كلوي بالانتحار بعد أن اعتدى عليها بواسطة أداة رياضية ثقيلة (دمبل)، ورداً على ذلك أعطاها ماسترتون سكيناً وأمرها بإيذاء نفسها.
وأضافت الشرطة أنه كان يتعمد معاقبتها وإيذائها كي لا تتمكن من رؤية ابنها، وفي فبراير (شباط) 2023 حاولت كلوي وضع حد لحياتها، ونجت لأكثر من شهر حيث قبعت في المستشفى قبل أن تفارق الحياة في مارس (آذار).
وفي سياق متصل قالت هولاند (51 سنة) “اضطررت إلى اتخاذ القرار بتركها ترحل، ولقد كان الأمر مروعاً ولم أكن على علم بخطورة الوضع إلى أن أقدمتْ على ما قامت به”.
وبعد موت ابنتها اكتشفت السيدة هولاند رسائل مسيئة أرسلها ماسترتون بشكل مستتر في التحويلات المصرفية، بعد أن حاولت كلوي قطع الاتصال به، وكان يقوم بتحويل 10 بنسات مع رسائل قاسية في خانة الملاحظات البنكية.
وقُبيل وفاتها أبلغت كلوي عن تعرضها للعنف المنزلي على يد ماسترتون وقدمت مقطع فيديو مدته ساعتين للشرطة، مما أدى إلى إدانة الشاب البالغ من العمر 26 سنة بتهمة السلوك القمعي والسيطرة.
وفي هذا الصدد وصفته المحققة في شرطة هامبشاير نيكي بروجان بأنه “شر مطلق”، مضيفة أن جريمته شكلت “واحدة من أكثر حالات العنف الأسري ترويعاً وحزناً صادفتها في حياتي”.
وأضافت هولاند بأنها على تواصل مع 30 أسرة في الأقل عانت من فقدان مماثل، ولكن قلة منها رأت المعتدي على أحبائها يُساق للعدالة.
وقالت “بالنسبة إلينا أصبح الأمر مرتبطاً بالسجن المؤبد، ولن تعود حياتنا كما كانت من قبل، فليس بوسعك خسارة أحد أولادك والتأقلم والمضي قدماً بحياتك بكل بساطة، أما العائلات التي لم تحصل على العدالة فهي تقاتل وتستمر في ذلك، ولا يمكننا أن نعبر عن حزننا حتى ينتهي كل شيء.”
تنتظر السيدة هولاند نتائج تقرير مراجعة جرائم القتل المنزلي DHR والتحقيق في وفاة ابنتها، والذي تأمل في أن يخلص إلى أن كلوي قُتلت بطريقة غير مشروعة.
ويأتي ذلك بعد أن ألغى طبيب شرعي استنتاجاً بالانتحار في قضية بارزة العام الماضي، وحكم بأن كيلي ساتون قُتلت بصورة غير مشروعة، وأقدمت ساتون على الانتحار بعد تعرضها للإساءة على يد شريكها ستيفن جين.
في غضون ذلك قال الرئيس التنفيذي للجمعية الخيرية التي تُعنى بالدعم بعد العنف المنزلي المميت Advocacy After Fatal Domestic Abuse فرانك مولان، إن “التحقيقات غير الكافية أو السطحية أو غير الموجودة” التي تعقب انتحار الضحية تعني أن الجناة غالباً ما يفلتون من العقاب والمحاسبة، وأن هذا الأمر يخلف عائلات ثكلى ليست مفطورة القلب وحسب، ولكن محبطة وغاضبة من عدم إيجاد العدالة سبيلاً إليها”، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى كثيرين تشكل مراجعة جرائم القتل المنزلي والاستجواب التحقيقات الفعالة الوحيدة في وفاة أحبائهما.
واعتبرت الرئيسة التنفيذية الموقتة لمنظمة ريفيوج، أبيغايل أمبوفو، بأن الأرقام المتعلقة بالانتحار بعد التعرض للعنف الأسري مجرد غيض من فيض (قمة الجبل الجليدي وحسب) بسبب عدم الإبلاغ عن الحالات، وقالت “لا يجب الاستهانة بالصدمة التي يمكن أن تتطور نتيجة التعرض للعنف المنزلي”.
وفي هذا السياق كشفت دراسة أجرتها “ريفيوج” بالتعاون مع جامعة “ووريك” بأن 83 في المئة من الأشخاص الذين استعانوا بخدمات جمعية ريفيوج أبلغوا عن مشاعر يأس وإحباط تنتابهم، وهي عامل رئيس في السلوك الانتحاري.
وقال 24 في المئة في الأقل بأنهم فكروا بالانتحار مرة أو أكثر، مع كشف 18 في المئة من المستطلعين عن خطط رسموها لإنهاء حياتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت أمبوفو أنه “على رغم التأثير المروع الذي قد يخلفه العنف المنزلي على الصحة العقلية لمن يعانونه، فإنه لا يجري الاعتراف رسمياً بالوفيات الناجمة عن الانتحار باعتبارها وفيات مرتبطة بالعنف المنزلي”.
وتدعو منظمة “ريفيوج” إلى مزيد من الاعتراف بكيفية تسبب العنف الأسري بصورة مباشرة في الانتحار، وسنواصل حملتنا من أجل التوصل إلى عالم لا تزهق فيه مزيد من الأرواح بسبب الجريمة المتمثلة في العنف المنزلي”.
وفي إطار متصل قال متحدث باسم الحكومة “تتجه أفكارنا نحو العائلات التي فقدت أحبائها بسبب العنف الاسري، وإن الجلادين الذين يدفعون بشركائهم إلى الانتحار نتيجة لسلوكهم البغيض يعرضون للملاحقة القضائية في إطار تهم تتعلق بجرائم القتل غير العمد والتشجيع على الانتحار، ومن شأن التزامنا بالحد من العنف ضد النساء والفتيات وخفضه إلى النصف في غضون عقد من الزمن، والاستعانة بمتخصصين في العنف الأسري في مراكز الاتصال على الرقم (999) وتقديم أوامر حماية مخصصة، وأن يساعدنا أيضاً في الحفاظ على سلامة الضحايا”.
الرجاء التبرع الآن لحملة “حجر على حجر” Brick by Brick التي أطلقتها “اندبندنت” ومنظمة “ريفيوج” الخيرية للمساعدة في جمع 300 ألف جنيه إسترليني لبناء مساحة آمنة للنساء، حيث يمكنهن الهرب من العنف المنزلي وإعادة بناء حياتهن وبناء مستقبل جديد.
إن كنت تعاني مشاعر الإحباط أو تكافح من أجل التأقلم فيمكنك التحدث إلى جمعية Samaritans (السامريين) بسرية تامة على الرقم (116123) (المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا) أو إرسال بريد إلكتروني إلى العنوان التالي [email protected]، أو زيارة موقع السامريين الإلكتروني للعثور على تفاصيل أقرب فرع إليك، وإذا كنت مقيماً في الولايات المتحدة الأميركية وتحتاج أنت أو شخص تعرفه إلى مساعدة في مجال الصحة العقلية، قم بالاتصال أو إرسال رسالة نصية على الرقم (988) أو قم بزيارة 988 lifeline.org للوصول إلى خدمة الدردشة عبر الإنترنت من خط المساعدة في حالات الانتحار والأزمات. (988) خط ساخن مجاني وسري للأزمات ومتاح للجميع على مدار 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، وإذا كنت في بلد آخر فيمكنك الدخول إلى www.befrienders.org للعثور على خط مساعدة بالقرب منك.
نقلاً عن : اندبندنت عربية