جاء الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ” (صحيح البخاري)، ليكون بمثابة تذكير عميق بقيمة الوقت والصحة، وهما من أعظم النعم التي يمنحها الله لعباده، يوجهنا الحديث إلى ضرورة استثمار هذه النعم في الخير والطاعة، والحذر من الوقوع في الغفلة أو إهدارها في ما لا ينفع.
معنى الحديث وتفسيره
- “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس”: يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الكثير من الناس يضيعون هذه النعم دون إدراك قيمتها، حيث يُقصد بالغبن هنا الخسارة التي تلحق بمن لا يحسن استثمار هذه النعم.
- الصحة: هي من أعظم ما وهبه الله للإنسان، إذ تمكنه من أداء العبادات، والعمل، والسعي لتحقيق الأهداف. وغالبًا ما لا يدرك الناس قيمتها إلا عندما يفقدونها.
- الفراغ: هو الوقت الذي يمنحه الله للإنسان دون انشغالات أو هموم، لكنه قد يصبح نعمة مهملة إذا لم يُستثمر فيما ينفع النفس والمجتمع.
رسالة الحديث
يحث الحديث المسلمين على التأمل في حياتهم وكيفية استغلال نعم الله، خصوصًا الصحة والفراغ، لما لهما من تأثير مباشر على العبادات والعمل الدنيوي. فالحديث يدعو إلى تحويل أوقات الفراغ إلى فرصة للتقرب إلى الله، واكتساب العلم، وتنمية المهارات، وأداء الأعمال التي تُثري حياة الإنسان.
أهمية استثمار الصحة والفراغ
- في العبادات: استثمار الصحة في أداء العبادات بشكل صحيح، كالصلاة والصيام والحج، واستغلال الوقت في قراءة القرآن وذكر الله.
- في العمل والإنتاج: الفراغ فرصة للعمل الجاد والإبداع، سواء في المجال المهني أو في خدمة المجتمع.
- في التعلم والتطوير: يمكن للإنسان أن يستغل صحته ووقته في التعلم، سواء من خلال دراسة العلوم الدينية أو الدنيوية، ليعود ذلك بالنفع عليه وعلى مجتمعه.
أمثلة عملية لاستثمار الصحة والفراغ
- العناية بالصحة البدنية والنفسية: من خلال ممارسة الرياضة، والالتزام بالغذاء الصحي، والتوازن بين العمل والراحة.
- تنظيم الوقت: وضع جدول يومي لاستغلال أوقات الفراغ بشكل منتج، سواء في القراءة، أو التطوع، أو قضاء الوقت مع العائلة.
- تعلم مهارات جديدة: يمكن أن تكون أوقات الفراغ فرصة لتعلم لغة جديدة، أو اكتساب حرفة، أو تحسين المهارات الشخصية والمهنية.
دروس من السلف الصالح
كان الصحابة والتابعون يدركون أهمية هذه النعم، حيث استثمروا أوقاتهم وصحتهم في الدعوة إلى الله، وتعليم العلم، وبناء المجتمع. ومن أقوال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.”، مما يعكس أهمية الوقت وحسن استثماره.
دعوة للتأمل والعمل
إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم هو دعوة مباشرة للتفكر في نعمة الحياة، وعدم الوقوع في غفلة تضيع معها أعظم النعم. فالإنسان مسؤول أمام الله عن صحته ووقته، وسيُسأل عن ذلك يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، منها: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه…” (رواه الترمذي).
إن الصحة والفراغ من نعم الله التي تتطلب الشكر بالعمل الصالح واستغلالها فيما ينفع النفس والمجتمع. ولذلك، يجب أن تكون هذه النعم محط تفكر وتخطيط، وأن نُدرك قيمتها قبل فوات الأوان. فالوقت هو الحياة، والصحة هي العافية، ومن يضيعها فقد خسر كثيرًا.
نقلاً عن : الوفد